2017/10/09

كلمة ربيع مينا في حفل الذكرى العاشرة لإطلاق جمعية وجريدة بناء الانسان

الحفلُ الكريم،
أهلاً وسهلاً بكم في رحابِ العيدِ السنويِّ العاشر لجمعيةِ بناءِ الإنسانِ الخيرية،
والعيدِ السنويِّ الأول لجريدةِ بناءِ الإنسان، 
حيثُ كانتِ الإنطلاقةُ من طرابلس والشمال إلى كلِّ لبنان، وصولاً إلى الوطنِ العربيِّ الكبير.
عندما أطلقنا الجمعيةَ واخترنا إسمَها "بناءُ الإنسان"، كنا نُدركُ أننا نخوضُ مغامرةً صعبة، 
وأنّ مسؤوليةَ بناءِ الإنسانِ جسيمةٌ دونَها صعوباتٌ كبيرة،
فهي ليست ترفاً أو هوايةً أو مجردَ إسمٍ أو رقمٍ، خاصةً أنَّ لبنانَ كانَ غارقاً في أَتونِ الصراعاتِ والإنقساماتِ السياسيةِ والطائفيةِ والمذهبية، التي أوصلتِ الوطنَ بِرِمَّتِهِ إلى شفيرِ الهاوية، والتي أنتجتْ الفِتَنَ والأحقادَ والكراهيةَ بينَ المواطنين، وجرّدتِ الإنسانَ من إنسانيتهِ ومن مبادئهِ وعاداتهِ وتقاليدهِ، وحوّلتهُ إلى أدواتٍ تتقاذَفُها الأهواءُ السياسيةُ، وتتلاعبُ بمصيرِها ومستقبلِها، فانقلبتِ المفاهيمُ وتبدلتِ الصداقاتُ والعداوات،
وهذا كان حالُ الأمةِ العربيةِ أيضاً، التي غَرِقَتْ خلالَ السنواتِ الماضيةِ في الحروبِ الداخليةِ، والصراعاتِ الطائفيةِ، والإنقساماتِ والتشرذمِ، إلى كياناتٍ هزيلة، وَوَسْطَ هذا المستنقعِ كان العدوُّ الصهيونيُّ هو الرابحُ الوحيد.

أيها الحفلُ الكريم،
لقد حملنا، في هذا الليلِ المظلم، رسالةَ بناءِ الإنسانِ ثقافياً واجتماعياً وفكرياً، عبرَ مفاهيمَ تتضمنُ رؤيةً آنيةً ومستقبليةً باستطاعتِنا البناءُ عليها والتعبيرُ عن مضامينها من خلالِ العديدِ من المجالاتِ والمؤسساتِ والمراكزِ العامةِ والخاصة، تستهدفُ بشكلٍ أساسيٍّ الشبابَ أملُ المستقبلِ، والجيلُ القادرُ على حملِ الرسالةِ ومتابعةِ المسيرةِ والعملِ الجادِّ والدؤوب،
رسالةُ العودةِ إلى التاريخِ والأصالةِ والمبادئِ التي تربينا عليها في هذه المدينةِ العريقة، التي لطالما تميزتْ بالعلمِ والأخلاقِ الحميدةِ، وبالإنتماءِ الوطنيِّ والعروبيِّ المؤمنِ خلالَ العقودِ الماضية، إذ كانت طرابلس في طليعةِ مواجهةِ الإستعمار، وكانت صدىً للثوراتِ العربيةِ، وكانت حاضنةً لقضيةِ العربِ المركزيةِ "فلسطين"، فهي كانت بصدقٍ عاصمةَ القضايا العربيةِ والإسلامية.
ونحن ندركُ أن طرابلس ولبنانَ والوطنَ العربي من محيطهِ إلى خليجهِ يمرُّ في أسوأ أحوالهِ عبرَ التاريخ، ولأنَّ الإنسانَ هو هدفنا باعتبارهِ الأساسَ في المجتمعِ وفي إعمارِ الكون، ولأنَّ الإعلامَ هو الوسيلةُ الأكثرُ قدرةً على إيصالِ رسالتِنا السامية، كانت ولادةُ جريدةِ بناءِ الإنسان، بالرَّغمِ من إدراكِنا وتقديرِنا للظروفِ الصعبةِ التي تمرُّ فيها الصحافةُ الورقيةُ في لبنانَ والعالم، حيثُ التحوّلُ إلى الصحافةِ الإلكترونيةِ ووسائلِ التواصلِ الإجتماعيّ، لكنَّ بناءَ الإنسان يستحقُّ المغامرة.

الحفلُ الكريم،
نحتفلُ وإياكُمْ بالعيدِ الأولِ لجريدةِ بناءِ الإنسان، وفي حين أننا نعرفُ أن شهادتَنا مجروحة، إلا أن ما تركَتْهُ من صدىً وقَبولٍ لدى مختلفِ شرائحِ المجتمع، وما تضمَّنَهُ العددُ الخاصُّ من شهاداتٍ نعتزُّ بها يدفعُنا للقولِ أنَّ هذه الجريدة، من خلالِ ما تضمَّنَتْهُ أعدادُها على مدارِ سنةٍ من مواضيعَ وتحقيقاتٍ جريئةٍ وصريحة، استطاعت أن تَشُقَّ طريقَها إنطلاقاً من طرابلس، وصولاً إلى عكارَ والشمال، ونعقِدُ العزمَ على التطورِ والتوسعِ وأن تكونَ مساحةً مفتوحةً للجميعِ، وصوتاً عالياً في كلِّ القضايا المحليةِ والوطنيةِ والعربية.

الحضورُ الكريم،
في هذه المناسبة، أودُّ التأكيدَ على جملةٍ من الثوابتِ التي أرسمُ من خلالها رؤيةً واضحةَ المعالمِ، برنامجَ عملٍ أعاهدُ الله وأعاهِدُكُم على الإلتزامِ به مستنِداً على محبتِكُم وتشجيعِكُم وثقتِكُم:
- عهدي لكم وللجميع، أن تستمرَّ الجمعيةُ والجريدةُ في أداءِ رسالةِ بناءِ الإنسان، دونَ تراجعٍ أو ضعفٍ أو وهنٍ، وأن نقولَ كلمةِ الحقِ وندافعَ عنها.
- أن تكونَ مدينتي طرابلس، على رأسِ أولوياتِ عملِنا ورسالتِنا، وأن نبقى إلى جانبِ أهلِها الطيبينَ، وصوتاً مدافعاً عن حقوقِهِم ومطالبِهم.
- أن نبقى ملتزمينَ بالوحدةِ الوطنيةِ، في زمنٍ تسودُ فيه الطائفيةُ والمذهبية.
- أن نبقى ملتزمينَ بالقضايا العربيةِ المحقة، وعلى رأسِها القضيةُ المركزيةُ "فلسطين"، في زمنِ التفريطِ والتشرذم.
أودُّ بالمناسبة، دعوةَ القوى السياسيةِ اللبنانيةِ، إلى البحثِ عن نقاطِ الإتفاقِ والتوافقِ التي تجمعُ اللبنانيين، والعملَ عليها، وتجاوزِ الخلافاتِ، ومِن بعدِها يُمكِنُ الدخولُ إلى مساحاتِ الحوارِ، بعيداً عن العصبياتِ الضيقة، والترفعِ عنِ المصالحِ والأهواءِ الشخصيةِ والحزبية.
علينا جميعاً مواجهةُ المرحلةِ المقبلة، بمزيدٍ من الوعيِ والتقاربِ والتلاقي بينَ عناصرِ المجتمعِ كافةً،ِ وعلى القوى السياسية تحمُّلَ مسؤولياتِها الوطنية، والتحلّي بمبدأِ القبولِ للآخر، والتمسكِ بالعيشِ المشترك، فلا مصلحةَ لنا، إلا أن نكونَ في هذا الوطنِ، جنباً إلى جنبِ وكتِفاً لكتِف.

وللجيلِ الشابِ نقول،
أنتم مستقبلُ الأوطان، وأنتم بُناةُ الغد... 
آنَ الأوانُ أن تخرجوا من قعرِ الأزماتِ الخانقةِ، التي وقعتم فيها، والإنطلاقِ من خلالِ قراءةٍ جديدةٍ للواقعِ الراهنِ، ومتغيراتُهُ على الساحتين الوطنية والإقليمية،
وأن تستلِموا زِمامَ المبادرةِ لصياغةِ حياةٍ سياسيةٍ جديدة، وتعمَلوا على إعادةِ المسارِ، إلى موقِعِهِ الوطنيِّ الصحيح، بعدَ أن تحوّلَ البعضُ من مشروعٍ ديمقراطيٍ وُحدوي، إلى مشروعٍ طائفيٍ ومذهبيٍ ومناطقيٍ بغيض.
لقد آنَ الأوانُ، لانتفاضةٍ شبابيةٍ على الأزماتِ والآفاتِ الإجتماعيةِ، والفسادِ، والبطالةِ، والتسربِ المدرسي، وغيابُ الرعايةِ الرسمية، فالشبابُ درعُ الوطنِ،ٍ وسياجُهُ وحاضرُهُ ومستقبَلُه.
وفي الختام، أتوجهُ بالشكرِ والتقدير، لفريقِ العملِ في الجمعيةِ والجريدة، كما أشكرُ كلَّ من ساهمَ في إنجازِ احتفالِنا..
شكراً لحضورِكُم .. عِشْتُمْ .. عاشَتْ بناءُ الإنسان .. عاشَ لبنان.