2017/11/27

بقلم ربيع مينا : طرابلس عاصمة لبنان الاقتصادية ...

"طرابلس عاصمة لبنان الإقتصادية": وظيفة تتوفر لها 
بقلم ربيع مينا _________________________


كل الأسس والمرتكزات
كانت طرابلس تسمى في العقود الماضية "العاصمة الثانية" للبنان، ولكن هذه التسمية لم تترجم واقعياً على الأرض، إذ إن المدينة التي كانت قبل الإستقلال الأبرز اقتصادياً وثقافياً وتجارياً وعلماً خسرت مكانتها لمصلحة العاصمة بيروت، ولم تبادر الدولة اللبنانية بعد الإستقلال إلى إعطاء وظيفة ما لها، بالرغم مما تحتضنه من مرافق، وبالرغم من موقعها الجغرافي المميز وحجمها السكاني الكبير، وهكذا غرقت في التهميش والحرمان وازدادت فقراً، كما أغرقت في صراعات وحروب عديدة تحوّلت معها إلى صندوقة بريد لدى مختلف الأفرقاء، لدرجة أن ملف الحرب الأهلية أغلقت أبوابه بمفاتيح اتفاق الطائف باستثناء طرابلس التي بقيت آثار الحرب ماثلة في العديد من أحيائها وفي ذاكرة سكانها، إذ أريد لها أن تبقى تعيش حالة اللاإستقرار، وكأنها تُعاقب على دورها الفاعل في مواجهة الإستعمار الفرنسي، وعلى تمسّكها بانتمائها العروبي، وعلى تصدّيها للأحلاف السياسية من أمثال حلف بغداد.
وتواصل الإنحدار المعيشي في مدينة كانت عبر التاريخ الأكثر شهرة بأسواقها ومؤسساتها التجارية والإقتصادية، حيث كانت "أم الفقير" يقصدها الناس من كل حدب وصوب، وترافق هذا الإنحدار مع البطالة التي وصلت إلى أعلى نسبة في لبنان، وكذلك الأزمات وانتشار الآفات الإجتماعية، مما دفع العديد من أهلها الأصليين إلى هجرتها ليحلّ محلّهم أبناء الأرياف المجاورة ما أدى إلى ترييفها وإلى تفكك عائلاتها وبناها الإجتماعية.
وبالتزامن مع ما أصاب طرابلس تركها الأثرياء من أبنائها وراحوا يستثمرون بعيداً عنها بالرغم من أن عوامل الإستثمار فيها أفضل بكثير من الإستثمار في العاصمة وسواها من المناطق اللبنانية، وفي الوقت عينه استغلّ هؤلاء الأثرياء حاجات الطرابلسيين وجعلوا منهم متسولين عند أبوابهم وخاصة في المواسم الإنتخابية، فصاروا يبيعون ويشترون بهم وكأنهم سلعة رخيصة.
حتى مرافق المدينة التي كان يفترض أن تكون حيوية تسهم في إدارة عجلتها الإقتصادية وتوفر فرص العمل لأبنائها مثل معرض رشيد كرامي الدولي الذي اعتمد رسمياً المعرض الحصري الدولي الوحيد في لبنان، لكنه لم يعد حصرياً لا بل لم يعط أي دور فتحوّل إلى جثة هامدة لا حراك فيها.
أما مرفأ طرابلس الذي كان لسنوات خلت أدنى مستوى من مرفأ بسيط فإنه نعم خلال السنوات القليلة الماضية بتطويره ليصبح من بين أفضل المرافئ وأكثرها عمقاً على حوض البحر المتوسط، لكنه بقي مستهدفاً واستمر حصاره بقرارات همايونية، وكذلك الأمر بالنسبة للمصفاة التي هي عبارة عن "خردة"، ولمطار القليعات الذي لا يراد له أن يلعب دوراً في إحياء الشمال.
واستمرت الحالة من سيء إلى أسوأ إلى أن أخذت إدارة غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس والشمال المبادرة لإعادة إحياء المدينة والشمال أيضاً، وقد توّجت حركة ونشاطات ومؤسسات الغرفة بالمبادرة التي أطلقها رئيسها توفيق دبوسي "طرابلس عاصمة لبنان الإقتصادية"، هذه المبادرة التي لاقت تجاوباً وترحيباً من مختلف الأطياف والفعاليات السياسية والإقتصادية والنقابية والأكاديمية والإعلامية والمجتمع المدني.
لقد أضاء دبوسي شمعة في ليل طرابلس عبر هذه المبادرة التي كانت المدينة بأمسّ الحاجة إليها وهي التي كانت منذ عقود تبحث عن وظيفة لها تحدد دورها على الصعد المحلية والوطنية والعربية والدولية، وخير دليل هذا الإلتفاف العارم حول المبادرة والتأييد الدولي الذي عبرت عنه الوفود الدبلوماسية الدولية والعربية.
لم تعد "طرابلس عاصمة لبنان الإقتصادية" مجرد مبادرة فحسب ولم تعد ملكاً حصرياً لمن أطلقها بل أصبحت ملكاً لكل حريص على هذه المدينة وعلينا أن نتمسك بها سواء أخذت طابعاً رسمياً أم لا، فطرابلس تتوفر فيها كل الأسس والمرتكزات لتلعب هذه الوظيفة بكل اقتدار، على أمل ان تخرج المدينة من أزماتها المزمنة وترتقي إلى المراتب المتقدمة.