2017/11/07

ربيع مينا بعد استقالة الحريري لبنان في " عين العاصفة "

بعد استقالة الحريري .. لبنان في "عين العاصفة"! بقلم ربيع مينا 
( بناء الإنسان )====================


ظُهر السبت الموافق 4/11/2017، كان اللبنانيون على موعد مع حدث مفاجئ تمثّل بإعلان رئيس الحكومة سعد الحريري إستقالته عبر شاشة قناة "العربية" السعودية ومن العاصمة الرياض، هذا الإعلان كان بمثابة زلزال طالت إرتداداته لبنان والمنطقة التي تقبع على "صفيح ساخن"، وهذه الإستقالة وضعت لبنان في "عين العاصفة"، إذ إن تداعياتها لن تكون بسيطة ويصعب التنبؤ بما سينجم عنها من آثار سلبية على المديين القريب والبعيد.
وإذا كان السياسيون والمحللون قد عجزوا عن تفسير وفهم دواعي ودوافع إستقالة الحريري، وإذا كانت التحليلات والتأويلات قد تضاربت، وإذا كان لبنان قد عاش ساعات عصيبة بسبب الشائعات التي انتشرت كالنار في الهشيم خاصة ما يتعلق بمصير الرئيس المستقيل ومكان وجوده وظروفه، خاصة أن الإستقالة جاءت بالتزامن مع حملة الإعتقالات التي طالت عدداً كبيراً من الأمراء والمسؤولين السعوديين بتهمة الفساد، فإن الثابت الوحيد هو أن لبنان انزلق في قلب أزمة يصعب إنتشاله منها في ظل الأوضاع والإنقسامات التي يشهدها البلد والمنطقة العربية والإقليمية، والتي تمر في مخاض عسير قد يولد مزيداً من الصراعات والخلافات ومزيداً من التشرذم!
وهنا تُطرح تساؤلات عديدة ومنها:
- ما هو مصير الإتفاق الذي أوصل إلى حل مشكلة الفراغ الرئاسي من خلال انتخاب الجنرال ميشال عون رئيساً للجمهورية وتعيين سعد الحريري رئيساً لحكومة "إستعادة الثقة"؟
- ما هو مصير الإنتخابات النيابية المقرر إجراؤها في شهر أيار المقبل، خاصة إذا لم تشكل حكومة جديدة تشرف على إجراء الإنتخابات، مع عدم إستبعاد إعادة طرح قانون جديد للإنتخابات يختلف عن قانون النسبية الذي لم يعد يلقى إجماعاً منذ ما بعد ولادته، هذا عدا عن العقبات التي كانت تعترض طريق القانون مثل البطاقة البيومترية والتسجيل المسبق...؟!
- ما هو مصير المشاريع التي كانت حكومة الحريري قد وضعتها على جدول أعمالها، بالرغم من تعذر الإتفاق على آلياتها، ومنها الكهرباء (البواخر، المحطات)، وملف النفط والغاز...؟
- ما هو مصير مبادرة رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس والشمال توفيق دبوسي "طرابلس عاصمة لبنان الإقتصادية"، والتي كان الرئيس الحريري قد أعلن عن تبنّيها ووضعها على رأس المشاريع في جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء التي  كانت ستعقد في طرابلس؟
- ماذا عن الوعود التي أطلقها الحريري قبيل إستقالته المفاجئة وتحديداً في مؤتمر الطاقة الوطنية اللبنانية بعنوان "تحريك عجلة الإقتصاد"، حين إستعرض إنجازات حكومية، مؤكداً أنه بعد عام "سيكون وضعنا أفضل بكثير من وضعنا اليوم"؟
المؤكد اليوم أن لبنان يتعرض لمنخفض سياسي حيث يحجب الضباب الكثيف الرؤية، ولا يمكن التنبؤ بالمستقبل حتى من قبل أشهر العرافين والعرافات والمنجمين والمنجمات، وبالرغم من الإستقرار الأمني والإمساك بالوضع القائم من قبل الأجهزة والقوى العسكرية والأمنية، إلا أن الخشية تبقى قائمة من عوامل خارجية أقوى بكثير من قدرات لبنان المتواضعة، وهذه الخشية دلّت عليها مختلف مواقف الأفرقاء اللبنانيين في معرض التعليق على إستقالة الحريري، حيث كان الإجماع على ضرورة التحلّي بروح المسؤولية والمحافظة على الإستقرار إلى أن تنجلي الأمور ويتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود!
وبعد ما تضمنته كلمة الإستقالة من هجوم على إيران و"حزب الله"، أية حكومة ستتشكل مستقبلاً، سياسية، تكنوقراط، ومن سيكون إلى جانب من في تلك الحكومة إذا تشكلت، وماذا عن مستقبل التحالفات والتفاهمات التي كانت قائمة؟
وقبل هذه الأجواء المتشنّجة جاءت العقوبات المالية الأميركية الجديدة على "حزب الله" والتي ستطال لبنان حتماً مهما قال بعض الفعاليات الإقتصادية عن تجنيبه تداعيات هذه العقوبات، خاصة أن الحزب هو مكون أساسي في البلد يملك من الإمكانيات ما يفوق قدرات الدولة اللبنانية.
وفي هذه الأجواء تبرز مطالبة بعض القيادات السياسية والروحية بعودة النازحين السوريين إلى بلدهم ولكن بطريقة عنصرية، بينما يصرّ طرف آخر على حلّ مشكلة النازحين عبر الأمم المتحدة وفي إطار تسوية ما، وقد نالت نيران التصريحات اللاجئين الفلسطينيين الذين اعتبر البعض وجودهم إحتلالاً، علماً أن هذا الوجود خارج عن إرادة اللبنانيين والفلسطينيين، فلماذا يتعاطون مع هذه القضية باعتبارها خلافية، متجاهلين أن الدستور اللبناني جزم برفض التوطين، كما يصرّ الفلسطينيون على العودة إلى وطنهم؟!
وعلى المقلب الآخر فإن الأجواء توحي بمتغيّرات جذرية في الوطن العربي والإقليم، بدءاً من سوريا مروراً بالعراق والخليج العربي ومصر والمغرب العربي وصولاً إلى إيران، وقد يتعدى ذلك إلى أوروبا وما يحصل في إسبانيا لجهة "إستقلال" كتالونيا لا يخرج عن إطار خارطة العالم الجديد الذي ترسمه الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الإتحادية والذي قد لا يكون مختلفاً عما كان سائداً في العقود الماضية لجهة تقاسم أماكن النفوذ بين الدولتين العظيمين ولكن بطريقة جديدة يبدو فيها أن دولاً عديدة ستنقسم على نفسها وتصبح دويلات وكانتونات ولن تكون البلدان العربية بمنأى عن هذه الأمور، خاصة أنها تغرق في مستنقعات الحروب والإنقسامات الطائفية والمذهبية والعرقية والجغرافية!
وتطرح مسألة المصالحة بين حركتي فتح وحماس برعاية مصرية تساؤلات عديدة حول ما إذا كانت في إطار ما يروّج له الأميركيون عن "صفقة القرن" وحلّ قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والذي يتزامن مع فتح خطوط العلاقات بين العديد من الدول العربية والكيان الصهيوني وتبادل الزيارات سراً وعلانية، وخاصة من قبل بعض الدول العربية التي كانت تصرّ على أن التطبيع لن يكون إلا بناء على "مبادرة السلام العربية" التي أقرتها القمة العربية في بيروت سنة 2002، إلا أنها انقلبت على موقفها بذريعة توحيد الصف في مواجهة ما تسميه "الخطر الإيراني" على المنطقة.
ولا يمكن غض النظر عما يجري في سوريا والعراق لجهة توحّد كل الأطراف على مسألة القضاء على "الإرهاب"، حتى من قبل الدول التي كانت تدعم منظمات إرهابية كانت تقاتل في هذين البلدين، إلا أنها انقلبت على مواقفها وتبدلت سياساتها، مما يؤشر إلى متغيرات جذرية سوف تحملها الأيام وربما الأشهر المقبلة.
وأخيراً فإن السؤال الأبرز: أين لبنان من الطبخات التي يتم تحضيرها للمنطقة العربية والإقليم، هل استعد للغد أم سيبقى غارقاً في الخلافات السياسية والطائفية وحتى المصلحية والشخصية، وسيكون الحلقة الأضعف في المعادلات الجديدة؟