2017/12/05

بقلم سفير الإعلام العربي في لبنان ربيع مينا ( جريدة بناء الإنسان ) ثقافة التطبيع وسقوط المحرمات

ثقافة التطبيع وسقوط المحرمات!


بقلم سفير الإعلام العربي في لبنان 
ربيع مينا ( جريدة بناء الإنسان )
_________________________
عندما أعلن الرئيس المصري أنور السادات قراره الذهاب إلى الكنيست الصهيوني لـ "صنع سلام الشجعان" (16 تشرين الثاني 1977)، كان الإعلان بمثابة صاعقة مدوية سقطت على رؤوس العرب والمسلمين (أنظمة وأحزاباً وشعوباً)، قامت الدنيا ولم تقعد، عمت التظاهرات المليونية شوارع الوطن العربي منددة بالرئيس الخائن الذي دفع لاحقاً حياته ثمناً لجريمته النكراء.
قبل إعلان السادات كان مجرد التلميح للتفاوض مع العدو الصهيوني خيانة عظمى، وكانت مجرد الإشارة إلى سلام مع العدو المحتل لفلسطين وبعض المناطق العربية يُعتبر "إستسلاماً"، كان ذلك من أبرز المحرّمات التي لا يجرؤ أحد على الإقتراب منها!
وبعد إتفاقية "كامب ديفيد" بين مصر والكيان الغاصب كرّت السبحة، من مؤتمر مدريد إلى إتفاقية "وادي عربة" مع النظام الأردني، إلى "إتفاقية أوسلو" مع منظمة التحرير الفلسطينية، إلى "مفاوضات جنيف" مع النظام السوري، وبعدها بدأت تتكشف حقائق العلاقات بين بعض الأنظمة العربية و"إسرائيل"، وسقطت أوراق توت عديدة كانت تستر عورات حكام ورثوا الخيانة كما ورثوا القيادة.
إلا أن تلك الإتفاقيات والسياسات فشلت فشلاً ذريعاً في صنع التطبيع مع العدو الإسرائيلي الذي بقي لدى الشعوب العربية والإسلامية عدواً يجب إقتلاعه وتحرير الأرض السليبة وعودة أصحابها إليها. ونشطت منظمات مقاومة التطبيع على مختلف الصعد القانونية والشعبية، وكانت مقاطعة العدو بمختلف الأشكال والمجالات والمحافل.
ولكن ماذا تبدل، هل زال الإحتلال، هل إستعيدت الأرض المحتلة، هل رُدت الحقوق إلى أصحابها، هل العدو الإسرائيلي لم يعد عدواً، هل أصبح هذا العدو صديقاً، حليفاً، محباً للسلام؟
لماذا سقطت المحرّمات فأصبحت الخيانة للأرض ودماء الشهداء وجهة نظر، وصارت مسألة العلاقة مع الصهاينة جهاراً نهاراً دون وجلٍ أو حياء، لا بل صار الفلسطيني خائناً وبائعاً لأرضه وعدواً، وتحوّلت بوصلة العداء إلى إيران وحلفائها؟
وها قد وصلنا إلى وقت صار بعض الحكام العرب يتباهون بإسرائيل و"ديمقراطيتها" وبعدم العداء معها، ولكن المثير للدهشة أن تصدر مواقف مشابهة من بعض العلماء.
والملاحظ أيضاً تنظير بعض المثقفين للعلاقة مع "إسرائيل" وتبدل معادلات العداء، وكذلك الأمر بالنسبة لبعض الناس العاديين الذين يبثون سمومهم عبر مواقع التواصل الإجتماعي وبطريقة مهينة للشعب الفلسطيني الذي قدم قوافل الشهداء والجرحى والمناضلين والأسرى وخاضوا، وما يزالون، حتى الساعة معركة الذود عن المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس وسواها من الأراضي الفلسطينية التي دنسها الصهاينة على مرأى العالم وخاصة المسلمين والعرب، ثم يخرج علينا أشخاص تافهون يكيلون الشتائم والإتهامات للفلسطينيين ويدافعون عن الإسرائيليين مدّعين أنهم ليسوا أعداء ولم يرتكبوا أية أفعال ضد دولهم، وكأن احتلال فلسطين والعدوان الصهيوني المتواصل على الأمة العربية والإسلامية والمجازر التي ارتكبت عبر التاريخ، ليست أفعالاً عدوانية بحق الأمة.
والسؤال: هل ما نسمعه ونراه في هذه الأيام يعني القبول الشعبي بالكيان الإسرائيلي، أم أنه مسألة ظرفية ذات علاقة بالإنقسامات والصراعات التي تشهدها المنطقة العربية والإقليمية حيث تتنافس مشاريع الغير على أرض العرب، بينما لا يوجد للعرب أي مشروع استراتيجي أو رؤية مستقبلية، مصائرهم بأيدي الغير، غائبون إلا عن الصراعات الداخلية التي أدت إلى تدمير وخراب دول عربية وقتل وتشريد أهلها، وتدمير قدراتها العسكرية والإقتصادية والعلمية.
والمستغرب أيضاً أن يعقد وزراء الخارجية العرب إجتماعاً لمواجهة تدخل إيران في شؤون الدول العربية، مع أن لإيران مشروعها الخاص في المنطقة، بينما لا يكلفون أنفسهم عناء الإجتماع، ولو على مستوى المندوبين، لمناقشة أو اتخاذ قرار أو حتى إصدار بيان إدانة أو استنكار (كما جرت العادة) إزاء أي عدوان صهيوني أو انتهاك لحرمة المقدسات الإسلامية والمسيحية في المسجد الأقصى!
إلى أين وصلت الأمة العربية، أين الأحزاب الوطنية والقومية، أين الشعوب التي كانت تثور وتغضب عند كل عدوان، هل سقطت المحرمات أمام ثقافة التطبيع مع الكيان الصهيوني؟!
لماذا هذا الصمت المريب في الشارع العربي ، وهل يجوز الصمت بذريعة عدم إستفزاز تلك القيادات الداعية إلى التطبيع مع العدو الصهيوني والتي ينكر بعضها وجود فلسطين في سابقة تاريخية لم تحدث من قبل فقط لأنها من بلدان معينة تدّعي مواجهة المدّ الإيراني؟!
كل ما يصدر في هذا الإطار من البعض هو خيانة عظمى بكل المعاني والمعايير يجب التصدي لهم وإخراسهم وإلا لن نفاجأ حين نرى علم الكيان الصهيوني يرفرف في معظم عواصم الدول العربية والإسلامية!!