2018/04/10

ربيع مينا : طرابلس جزء لا يتجزئمن الوطن


للعهد : طرابلس جزء لا يتجزأ من الوطن
بقلم ربيع مينا



------------------------------------
حكومات عديدة تعاقبت كانت طرابلس خلال عهودها غارقة في همومها ومشكلاتها، وكان الحرمان من المشاريع التنموية والخدماتية يزداد بوتيرة متصاعدة فأضحت المدينة كتلة من أحزمة البؤس والفقر، وكل المشاريع التي خُصّصت لها، رغم قلتها، بقيت إما مجرد قراراتٍ أو لم يصل أي منها، بدأ تنفيذه، إلى خواتيمه السعيدة، وهكذا ازدادت معاناة الفيحاء أكثر بكثيرٍ من معاناة الأطراف المهمّشة، ولم تعد طرابلس العاصمة الثانية فعلياً بل مجرّد لقبٍ أو إسمٍ بلا مسمى !
وإذا كانت الحكومات اللبنانية منذ العام 2005 قد غرقت بالإنقسامات والمماحكات والخلافات، وبالرغم من تمثيل طرابلس في تلك الحكومات بحصة وازنة، إلا أن ذلك لم يُغيّر في واقع المدينة شيئاً، لا بل كان التقهقر سيّد المشهد الطرابلسي النازف على مذبح الانقسامات والإصطفافات السياسية والطائفية والمذهبية والمناطقية، ولم تنفع كل المسكّنات والوعود في انتشال المدينة من أزماتها.
اليوم، ومع العهد وبعد أن اختلطت الأوراق وتفتتت التحالفات الآذارية وولّدت تحالفات وتفاهمات جديدة، صار لزاماً على هذا العهد أن ينظر إلى المدينة، ومعها الشمال، باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الوطن، وبالتالي التعويض عما فاتها من خدمات ومشاريع هي بأمسّ الحاجة إليها كي تنهض من كبوتها وتلعب دورها على مستوى كل لبنان، وكي لا تبقى مجرد صندوقة بريد لتبادل رسائل الفرقاء من هنا وهناك.
فماذا تطلب طرابلس؟
إنها تطلب إنعاش مؤسساتها العامة المحتضرة منها وإحياء الميتة منها أيضاً، وخاصة المؤسسات التي تُسهم بشكل فاعل في تحريك العجلة الاقتصادية وتوفير فرص العمل لأبنائها الذين يُعانون مرارة العيش وتفشّي الفقر والأمية والبطالة والتسرّب المدرسي والآفات الاجتماعية.
وعلى سبيل المثال ليس الحصر، هناك حاجة ماسّة لإعادة الحياة لمعرض رشيد كرامي الدولي والذي أسّس ليكون المعرض الحصري الوحيد في لبنان، ولكنه تُرك يواجه أقداره، وتضررت منشآته بفعل الإهمال ومرور الزمن حتى أضحى جثة هامدة تتربّع على مساحة مليون متر مربع وهو من أجمل وأفضل المنشآت هندسياً في لبنان، فالمعرض بحاجة إلى نفضة جديدة وإلى وظيفة بالاستناد إلى مرسوم إنشائه.
ومرفأ طرابلس الذي شهد خلال السنوات الماضية مشاريع تطويرية جعلته في مصاف المرافئ العالمية، إلا أنه لم يُتح له حتى الساعة القيام بدوره اللازم، حيث يُعاني من مشكلات إدارية ولوجستية ونقصٍ في عدد الكشافين الجمركيين وعدم وجود مجلس إدارة. ويؤكد خبراء عالميون أن هذا المرفأ باستطاعته أن يكون اللاعب الأساسي في إعادة إعمار سوريا والعراق مستقبلاً بعد انتهاء الحرب فيهما نظراً لموقعه الجغرافي ومميزاته التفاضلية.
أما مصفاة النفط، وهي حالياً خردة، بعد توقفها عن العمل منذ عشرات السنين، فهناك حاجة ماسة لإعادة تجديدها كي تكون مركزاً رئيسياً في المستقبل، أي عندما يبدأ لبنان باستخراج النفط والغاز من بحره بعد أن أكدت المسوحات توفر كميات هائلة من هاتين المادتين تحت المياه الإقليمية اللبنانية، علماً أن دور هذه المصفاة يقتصر حالياً على استقبال المازوت الأحمر المستورد وتوزيعه في السوق اللبنانية.
وعلى مقربة من طرابلس، وتحديداً في عكار، هناك شبه إجماع على ضرورة وأهمية تحويل قاعدة القليعات الجوية إلى مطار مدني ذي اختصاصات معينة، وعملية التحويل ليست صعبة ولا تحتاج إلى أموال ضخمة، ولكن عندما يصبح مطاراً مدنياً سيوفّر آلاف فرص العمل ويُسهم في إنعاش كل الشمال.
وبالنسبة لمحطتي التسفير الجنوبية والشمالية فإن الدراسات جاهزة وبالإمكان البدء بالعمل على إنشائهما مما يُسهم في حلّ مشكلة السير الخانقة في طرابلس، على أن يكون ذلك في إطار مشروع متكامل يشمل الطرقات والإشارات الضوئية والنقل العام ...
وأيضاً المشكلات الاجتماعية والصحية والتعليمية المتراكمة والمزمنة في مدينةٍ كانت يوماً ما الأكثر غنى وكانت مدينة العلم والعلماء، ولكنها اليوم عكس ذلك تماماً. وهناك العديد من الدراسات الدولية والإقليمية والمحلية التي تشخّص الأمراض وترسم الحلول، ولكنها بقيت في الأدراج.
والمطلوب إيلاء المدينة القديمة الاهتمام اللازم، فطرابلس تكتنز آثاراً لمختلف الحضارات وهي المدينة المملوكية الثانية بعد القاهرة، وهي متحف قائم بذاته، إلا أن عناصرها الأثرية والتراثية تعرّضت وتتعرّض للهدم والتخريب والإهمال والتشويه، وإذا ما استمر الحال على ما هو عليه سوف تخسر المدينة، ومعها لبنان، ثروة لا تقدّر بثمن، ثروة إذا ما تم تأهيلها ستكون مقصد السياح من مختلف أرجاء المعمورة.
والمطلوب أيضاً الإسراع في استكمال العديد من المشاريع وتوفير الأموال اللازمة لها:
والأهم من كل ذلك إعادة بناء الإنسان الطرابلسي الذي عانى منذ سنوات بعيدة من ويلات الحرب وجولات الاقتتال والبطالة والفقر، وتكون عملية إعادة بنائه من خلال تأهيله اجتماعياً ومهنياً ونفسياً وإنسانياً وصحياً كي يكون مساهماً في بناء الوطن وليس عالة أو عبئاً عليه.