2018/12/15

الشاعرة نرجس عمران : تفتعل نظاما شائعا ... تتنوع مع تنوع بصمة الكتابة ... داخل ثيمة النص ...




تحاول الشاعرة(نرجس عمران) أن تفتعل نظاما شائعا في قصيدة النثر تكون فيه وحدة العرض متأثرة بآليات تتنوع مع تنوع بصمة الكتابة من (ناص) لآخر . كل حسب مناطق إشتغاله .. حيث من الممكن أن يتوهم القارئ بأن خطى الشاعرة بدأت في لحظة ما بالتلاشي داخل ثيمة النص . دون أن يعي بأن هنالك صوتا ثالثا يؤسس داخل النص لكل عمليات البناء وحالات الجذب . التي تكون عبارة عن آليات حوار دفينة بحاجة فقط لقراءة جيدة ومحترفة كي تفضح جماله . وهو ما إستخدمته الشاعرة في بعض نصوصها . وما جعلها موفقة هو عدم تخطيطها المسبق لهذه الآلية أو محاولة تصنع حدوثها . فهي قد أنتجتها داخل النصوص بالفطرة
وعلى مستوى الإيقاع الداخلي تنبني قصائدها على جمل شاعرية قصيرة خاطفة تساهم بشكل كبير في إثراء الموسيقا الداخلية وشحن محتويات الديوان بالترانيم اللحنية التي تقوم بدور كبير في خلق هارمونيا إيقاعية جياشة زمنيا ومكانيا من خلال هيمنة السواد على البياض والتحرر من سيميترية الفضاء التشكيلي التقليدي   في هذه القصيدة لنتبصر جيدا الهارمونيا الإيقاعية فيها والتي تتلون قصرا وطولا حسب تنامي الدفقة الشعورية
الذاكرة في عرف علماء النفس ترتبط بعتبات الهو وألأنا والأنا الأعلى  فالماضي بتقلباته لا يمكن نسيانه وإنما يطرح في إحدى العتبات يتحين الفرص للتعبير عن نفسه ،وقد استطاعت الشاعرة أن توظفه في شكل أثر فني مقبول
ولأنك صميم المعنى
أجتر الأبجدية حرفا حرفا
وألوك الصور حتى القاع
أرتشف الألوان
في دهاليز الأبيات
وأواكب القوافي خزينا
في سنم الذكريات
ولأنك النور
أنا سنبلة  تلثم  الشمس
تشرق على كتف  الأمس
تشرأب وتشرأب
لتعانق ضياك
بالهمس والغمز واللمس
تفقأ عيون الليل
بمخز البقاء
تحبل  جحافلا
من نهارات
تعكس من نورك النور
كي لا تغيب فتنسى
وتصبح في ساحات  الماضي
مجرد رقصة
ولأنك الهلال
كورت البدر رغيفا في مدادي
يقتات عليه قصيدي
ينهم منك  جوع القوافي
فيلوح بالثراء زادي
ولأنك ليونة الندى
لبست الفجر
خمارا  وسترة
أواكب الظل
أن يتمادى
لنداعب أكف الوجود
بكل وبعض الإرادة
ولانك انا
أنا أنت

نلاحظ هنا كمية الحنين والاشتياق واللهفة والحميمية في هذا الكتلة التعبيرية المشحونة بكل هذه الهواجس , تصوير مبهر فعلا للمشاعر الانسانية الصادقة نتيجة ما ساورها من قلق واضطراب ووساوس جعلت الشاعرة ترسمها لنا بطريقة تدعو للتأمل والوقوف عندها طويلا وتسقط المعاناة الذاتية والكآبة القاسية شاعرتنا في الغربة الذاتية والمكانية والوحدة القاتلة التي تجعلها تجتر آهاتها وتتلذذ بآلامها الحزينة وتتذكر أيامها الماضية في علاقتها بحاضرها الرومانسي المتناقض في أبعاده الجدلية وأحواله المتلونة كما تتلون الطبيعة الإنسانية والفصول الكونية والأبراج الفلكية، وتجر غدها المعسول الذي يترنح بالدموع والمأساة والتراجيديا مما يجعل الشاعرة(نرجس عمران) تتأرجح بين رؤية رومانسية متفائلة حبلى بالأحلام الوردية
 ورؤية رومانسية متشائمة مثقلة بالهموم والأنات التي يحفها إسار التفجع والتحسر. وفي هذا السياق تقول

أرجوكَ دعني
أعيدُ ترتيبَ ماضيك
أنسقُ الأيام
أركن الثواني
ذكرىً لا تنام
لأُصلَ إلى حاضرٍ
فيه أنتَ معجونٌ بالأحلام
لأُعِّدَ صدراً
يتسعُ لضجيجِ الوداع
وأهيئَ جسدي لضمِ رُفاتك
وقد استعجلتَ الختام
لباكَ  الرحيلُ
فناداني الفقدان
أيُّ عُمرٍ ليسَ بالجميل ؟
ذاكَ الذي
وأدَ  فرحَ المنام
كسرَ الأمالَ
دقَّ عنقُ الانتظار
قبل أن يبلغَ الوصال
أدبرَ عن الوداد
وصافحَ أيادي الآلام
عبثاً أحاولُ
ركنَ الخفقاتِ
لجمَ النبضاتِ
طمسَ معالمِ الخيبات
وكبحَ دهشةِ الفاجعة
التي رسمتْ
ملامحَ الشيخوخةِ
في ميلادِ البدايات

دعني ...
سكرةُ الموتِ تُغويني
في صقيعِ الأكفانِ
دفءٌ  يناديني
منذ ُتوسدتَ الغيابَ
وألسنةُ نيراني
تلفظُ جليداً
بالبردِ يرميني
بالعلّةِ يرديني
أين أنتَ الأن مني ؟
أراكَ أمامي
فأجبني
تسكنُ روحي
فتبعثني
أرجوكَ
أرجوك  أجبني
جملةً خاطبني
كلمة  ً تُرحني
حرفاً يُبهجني
ياغالٍ ...
أرحني ..
أتوّقكَ . .
والتّوقُ حَرّاقٌ
يَلذعني..
يَحرقني
الشعر توأم الرُّوح، جمرة مشتعلة في حدائق احلام  (نرجس عمران)  لتضيء بهجة العمر على أنغام اخضرار أنشودة الحياة( نرجس) التي تكتب بكل شفافية وعذوبة وترسم كلماتها المتناسقة  لتشكل تلك اللوحات الابداعية والصور الجميلة  يستذوقها القاريء والمتلقي  بكل حلاوتها--