2016/01/11

سلمى رشدان: أضعت هويتي مُذ ولدت من اليرموك الى نهر البارد؛لا يشبه اليرموك ابدا، احياء وباقون وللحلم بقية،كنت تشبه اليرموك فقتلوك كما يحاولون قتل مخيمي اليوم

بقلم: سلمى رشدان

عن نهر البارد

قالوا نهر البارد يشبه اليرموك قبل ان تدمره الحرب ، وصلت بعد ثلاث سنوات في لبنان و يمنعني عن رؤيته حاجز للجيش ، دخلت المخيم دون ان يسألونني عن هويتي ، فهويتي أضعتها مذ ولدت ، تنهدت بعد الحاجز بقليل و صفقت فرحا و في قلبي الكثير من السواد و بضع كلمات " هذا المخيم لي ، انا فلسطينية " تلك الانكسارات تلاشت حين بدأت أرى الشوارع فكان يصدمني انه لا يشبه اليرموك ابدا ، شوارع ضيقة ، حفر تملأ المكان و بعض الأبنية لا روح فيها ، وصلت الى وجهتي " ملتقى سوا للتغيير " ، هناك شباب يشبهون فلسطينيتي و يشبعونها في ذات الوقت ، لم أكن بكاملي موجودة هناك فكانت عيناي تذهب بعيدا حول المكان لأكتشف المخيم ، ذهبنا في جولة و كان أول مشهد يقفز أمامي .. أبنية سوداء مهدمة تكسوها الحرب شوقا لأهلها نبت فيها العشب مكان سرير الطفل الصغير و حلم شاب كان هناك يوما ، ذهبت الى اليرموك في هذه اللحظة و رأيت بيتي كما هذا البيت تمام حين أعود أسود لا جدران فيه و لا حلمي الذي تركت ، بدأت مشاعر متناقضة تتصارع داخلي و صوت صديق يدلني على مواقعهم اين كانوا و كيف ضربوا و من اين دخلوا ، لم اكن اسمع الحديث كله كما كنت اسمع صراخ ام تركض في الشارع نحو الله ان ينجدها فابنها الصغير ما زال مختبئا في زاوية الغرفة يلعب ، بعد ذلك المشهد ترى صناديق متشابهة تصطف لتشكل المخيم ، أبنية منظمة و شوارع عريضة و محال تجارية و لكنني لم أسعد بها ابدا فهي لا تشبه المخيم ، أبنية مسحت كلمة كانت على جدار ( احياء و باقون و للحلم بقية ) تجاور هذه الأبنية منطقة محظورة لا يمكن الدخول اليها ..سياج يفصل الدمار عن العمار كما يفصل الحرب عن السلام المزيف .. و اكثر ما افزعني ( تم اعادة اعمار ٣٠٪ من المخيم بعد سبع سنوات ) كنت افكر حينها ، هل سأنتظر سبع سنوات لأعود الى مخيمي و هل سألقاه بهذه الحلة ؟؟؟
انتهى الطريق بنا الى الملتقى مجددا للرحيل من المخيم و هنا شعرت انني اودعه و ربما لن أعود فالعسكري الذي لم يسألني عن الهوية ربما لن يكون في المرة الثانية ، و نفس تنهيدة الدخول تنهيدة ودعت المخيم ، اعذرني فأنا لم اعرف انك كنت تشبه اليرموك فقتلوك كما يحاولون قتل مخيمي اليوم ، و لم اعرف اني سأرى فيك عودتي كما لا احب ، و لم اعرف انك ستعلمني حقا معنى ان تكون فلسطينيا يعني ان تصاب بامل لا شفاء منه و لم اكن اعرف اني سأقف فيك لأرى سياجا يفصل البناء المدمر عن البناء البديل الذي لا يشبهك و اشعر بوجعك يعانق قلبي فيموتان معا ليحييهما طفل صغير يضحك .

شكرا نهر البارد لأنك عانقت جرحي