2016/07/07

كوليت سركيس :معرض أديب مخزوم ..صور نادرة لفريد الأطرش ..

كوليت إسكندر سركيس 

معرض صور نادرة لفريد الأطرش ..
أديب مخزوم : الصور ثمرة عمر وتثير نقاشاً ثقافياً ..

أقام الفنان والناقد التشكيلي والمؤرخ الموسيقي أديب مخزوم، في المركز الثقافي العربي بأبي رمانة في دمشق ، معرضأ تحت عنوان( فريد الأطرش قيثارة السماء) بمناسبة مرور أربعين عاماً على رحيله ، أو- على حد تعبيره - على بداية دخوله في رحلة الخلود الفني الأبدي. 
ولقد تضمن المعرض حوالي مئة صورة مكبرة بقياسات متوسطة وكبيرة( بعضها نادر ويعرض لأول مرة) ومن ضمنها لقطات تاريخية،تجمعه مع أشهر نجمات ونجوم الموسيقا والغناء في القرن العشرين ، ومع اشهر نجمات السينما العربية ، كما تضمن المعرض مجموعة من الوثائق النادرة والمقالات التاريخية الهامة.
لإلقاء أضواء حول المعرض، التقيت بالفنان والناقد التشكيلي والمؤرخ الموسيقي أديب مخزوم وكان الحوار التالي .
*متى ولدت لديك فكرة المعرض، ولماذا جاء في هذا الظروف الصعبة ؟
** معرضي يضاف الى الأنشطة الثقافية، التي تعني أن الحياة ستستمر رغم كل المآسي والفواجع والويلات، ولقد تحمل جمهور الفن الراقي والخالد، عناء الوصول والعودة، لمشاهدة المعرض، وذلك لأنه ثمرة عمر من البحث والتنقيب والمتابعة . والمعرض سينتقل الى مدينة السويداء ، بالتعاون بين معهد فريد الأطرش للموسيقا ومديرية ثقافة السويداء، وذلك ضمن احتفالية اليونيسكو، بمرور مئة عام على ولادته في بلدة القريا بالسويداء، و لقد تلقيت دعوات لنقله الى أماكن اخرى داخل سورية وخارجها.
والمعرض يشكل مدخلاً للحديث عن مراحل فن فريد الأطرش الابداعية الاساسية ، مع الاشارة الى أن بعض الوثائق التي أعرضها: تقول أن بعض الحانه سجلت في أوروبا على اسطوانات ،وقاد الفرق المصاحبة لألحانه في الخارج موسيقيون عالميون ، كالفنان المايسترو الفرنسي فرانك بورسيل ، مما جعل للفن الموسيقي العربي جلالاً ومهابة، ارتفعت بقيمته في الأوساط العربية والعالمية، الى آفاق سماوية، فاستحق مني عن جدارة لقب "فريد الأطرش قيثارة السماء" فهو وكما تؤلد الوثائق التاريخية، التي أعرضها، أعظم موسيقار انجبته هذه الأمة ، وذلك بشهادة كبار نجوم العصر، وأشهر قادة الأوركسترا في العالم ، الذين قادوا اشهر الفرق السمفونية، التي عزفت بعض الحانه، في عواصم ومدن الفن الكبري .
*قلت في تقديمك للمعرض، أن مجمل الصور المعروضة مكبرة عن صور أصلية، محفوظة في أرشيفك الورقي، لماذا لم تعرض الصور الأصلية بدلأ من صورها ؟
** أهمية المعرض تكمن بالدرجة الأولى من أنه يتضمن صور نادرة من ارشيفي الورقي ، وهذا يعني ان هذا المعرض لايستطيع أن يقيمه أحد غيري ، وهوثمرة بحثي وتنقيبي ومتابعتي الطويلة، وكنت قد تحاورت مع السيدة مها ناجي مديرة المركز الثقافي في أبي رمانة ، خلال الاعداد للمعرض، حول هذه الناحية، وكانت متفقة معي حول أهمية عرض النسخ الأصلية والمجلات والكتب القديمة والاسطوانات، وكل ما يتعلق بفريد الأطرش من نوادر في أرشيفي، لكنني اكتشف بعد أن احضرت المكبرات، أنني احتاج لصالة اخرى لعرض أرشيفي الأصلي.
ولقد أبدت السيدة الهام باكير مديرة صالة السيد للفنون الجميلة رغبتها في التعاون معي، في خطوتي القادمة الهادفة، الى عرض أرشيفي الموسيقي بكامله، في صالتها ، والمتعلق بكبار رموز الموسيقا والغناء العرب والأجانب ( ألبومات الصور النادرة، اسطوانات ، أغلفة كبار نجوم الموسيقا والغناء، كتب نجوم الموسيقا.. ) وحين يحدد تاريخ العرض، سيتم الإعلان عنه في الصحافة، وعلى صفحتي في " الفيس بوك".
*توقفت في حوارك مع جمهور المعرض، أمام  بعض الصور المعروضة ، منوهاً أنها تثيرنقاشاً ثقافياً، هل يمكن استعادة بعض ملامح هذا الحوار ؟
** الصور الثنائية المعروضة على سبيل المثال، مثل صوره مع سامية جمال، تعيدنا للحديث عن مرحلة البدايات، التي تلت مصرع شقيقته أسمهان، التي شكل معها بداية انطلاقتهما السينمائية، في فيلمهما المشترك انتصار الشباب عام 1941 ، ومرحلة تعاونه مع سامية جمال ، استمرت حتى مطلع الخمسينات ولقد شكل معها اشهر ثنائي فني في تاريخ السينما العربية الغنائية، واُثمرت تلك المرحلة ستة افلام ( من ضمنها فلمهما الشهير حبيب العمر ) ولقد أثمرت تلك المرحلة ستة افلام، وسامية جمال هي النجمة الوحيدة التي مثلت معه هذا العدد..ولقد ضمنت المعرض عدة صورتجمعه مع صباح، والتي كان لها الحصة الكبرى من الحانه، كما مثلت معه ثلاثة أفلام . وصوره مع فاتن حمامة شكلت استعادة لفلمين مثلهما معأً، وهما لحن الخلود وحكاية العمر كله، وفي الأول قدم أغنيته الشهيرة ( بنادي عليك) . أما صوره مع شادية فتجعلنا نقول أنه قاسمها البطولة في فيلمين وهما ( أنت حبيبي ودعت حبك) حتى نصل الى اللقطات النادرة المأخوذة خلال تصوير فيلم زمان ياحب مع زبيدة ثروت ، ونغم في حياتي مع ميرفت أمين، والذي عرض بعد رحيله في بيروت في نهاية عام 1974 .
*في المعرض صورة تجمعك مع منير الأطرش، شقيق فريد ومدير أعماله في بيروت، ماأهم النقاط التي اثرتها في حوارك معه ؟
** كنت أزور منير الأطرش شقيق فريد واسمهان من أبيه فهد الأطرش باستمرار، وذلك في منزله بالسويداء، ولقد تحدث لي باسهاب عن فريد، ومن أبرز النقاط التي أثرتها وأهملها التاريخ الفني سرعتة في انجاز الحانه، حيث كان له سحره الخاص، في وضع الأنغام المدهشة والمبهجة والخالدة ، والتي كان يضعها في فترة زمنية قصيرة جداً حيرت كبار الفنانين ، ومن ضمنهم محمد عبد الوهاب الذي قال : "في الواقع كان فريد فناناً عظيماً في عصره .. وإنساناً لا يبارى ، وكان مطرباً شعبياً وجماهيرياً من الدرجة الأولى .. كان يجيد التعامل مع الجماهير .. ومع الحياة ، التي كان يعيشها بالطول وبالعرض ، كنت أتساءل : متى يجد فريد وقتاً لكي يلحن ، وأين الوقت الذي ينفرد فيه بنفسه طويلاً .. لينتج هذا الإنتاج الغزير في وسط حياته الصاخبة ، وسرعان ما جاءني الرد .. فريد الأطرش كان موهوباً وواثقاً من نفسه ثقة كبيرة ، فاللحن في يده لا يستغرق أكثر من دقائق معدودة ، وكان يضع الكلام الذي سيلحنه ، ثم يلحنه .. ولا يغير فيه أبداً مهما كان ولا يضيع وقته في الوسوسة" .
وحين كنت أحاول أن أستوضحه .. لماذا لا تكون الجملة الموسيقية هكذا كان يدافع عن رأيه بحماس شديد ، حماس يجعلني أحس بأن ما يلحنه ، ينطبق عليه القول المأثور : ليس في الإمكان أبدع مما كان .
وفي هذا الصدد قال لي شقيقه منير الأطرش  في حوار أجريته معه قبل رحيله بسنتين ،ونشرفي اكثر من مجلة وصحيفة: ذهبنا مرة مع فريد إلى مصر ، وكان هناك مسؤول يمثل الرئيس اللبناني في زيارته إلى مصر ، وكان من برنامج الحفل أن يغني محمد عبد الوهاب في سينما قصر النيل ، قبل الحفل بيوم واحد طلب وزير الإرشاد في مصر من فريد ، أن يلحن نشيداً للمناسبة ، وأضاف الوزير بأن كلام النشيد موجود عند محمد عبد الوهاب منذ شهر ، واليوم قال لنا : ما طلع معي شيء : عندها اتصل فريد ببيرم التونسي وطلب منه أن يكتب كلام أغنية للمناسبة ، وأضاف فريد أيضاً كلام ترحيب بالمسؤول اللبناني مثل : مرحب مرحب مرحبتين ، وقال للحفناوي غداً أجمع أعضاء الفرقة الموسيقية ، من أجل البروفات وتأدية الأغنية في الحفل ، وهكذا لحن فريد الأغنية في جلسة واحدة ، وغناها في المناسبة ، وبعد الانتهاء منها دخل المسؤول اللبناني الكواليس ، وشكر فريد ومنحه وساماً ، جائزة شرف تقديرية باسم رئيس الجمهورية اللبنانية.
وروى لي شقيقه منير(الذي كان مدير اعماله في بيروت) الحادثة الثانية بقوله : في إحدى المرات حضر روبير بن تيودور خياط صاحب كايروفون ، ومعه كلام أغنيتين ، واحدة لصباح والثانية لسميرة توفيق ، وكان فريد يجلس مع سعيد فريحة وجورج إبراهيم الخوري ورياض جنبلاط زوج كاميليا ابنة أختي أسمهان ، وفي اليوم الثاني وجدنا فريد قد انتهى من تلحين الأغنيتين :عالصورة امضيلي عالصورة  و بيع الجمل يا علي ، مع العلم بأن هناك اختلافاً في الأغنيتين ، من حيث اللون والطبقة ، فقلت لفريد ، وكان معي الموزع حبيقة ، متى لحنت الأغنيتين فقال : بعد أن تركتموني يوم أمس جلست ولحنتهما . وأضاف منير شقيق فريد : هل تعلم أن أغنية :عدت يا يوم مولدي ، بقيت عند محمد عبد الوهاب خمس سنوات ، فأخذها منه كامل الشناوي وأعطاها لفريد .
*كلمة اخيرة تريد أن توصلها من خلال هذا المعرض ؟
** المفارقة المؤلمة حقاً , أننا نتجاهل ذكرى عباقرة النغم والغناء في الشرق العربي , في الوقت الذي نجد فيه أن دول العالم تعتز بالفنان وتحيطه بهالة من العظمة والقداسة فنرى على سبيل المثال أن دولة مثل بريطانيا ،قد اعتبرت مغني البوب جون لينون واحداً من أهم وأعظم الشخصيات التي انجبتها بريطانيا طوال تاريخها العريق , وذلك إثر استطلاع للرأي أجرته الإذاعة البريطانية منذ سنوات.
وفي عواصم ومدن العالم تمثل الأماكن التي ولد وترعرع فيها عباقرة الفن مزارات تاريخية, حتى أن الأماكن التي مر بها هذا الفنان أو ذاك تصبح معالم سياحية تستقطب الزوار , وفي مدن الفن الكبرى تباع (نوطة ) كتبها موسيقار كبير بخط يده بمئات الآلاف من الدولارات في مزادات عالمية أشهرها يتم في في صالة سوثبي في لندن , كما تباع رسائل هؤلاء والأشياء الخاصة بهم بمئات الآلاف من الدولارات أيضاً ، وهذه المبالغ الباهظة التي يشتري بها الأجانب آثار العباقرة من الفنانين , لا ترتبط بالمال وحده , بل إلى نظرة الناس بالفن وأهله .
ترى من يزور بلدة القريا في السويداء التي انجبت الراحل العظيم فريد الأطرش , وبكم تباع رسالة كتبها موسيقار العصر فريد بخط يده , وجدت في بيته بعد رحيله . وكم واحداً من (المتثاقفين ) الذين يتعالون على الغناء وأهله وهم في نظرتهم تلك لا يختلفون عن أجدادهم في شيء ...