2017/03/10

رئيسة سفراء الشعر العربي عايدة قزحيا : في يوم عيدي قلت لابنتي وقد ...

في يومِ عيدي ...

قلتُ لابنتي ، وقدِ اتّجهَتْ نحوي ،
 أحُثُّها على الدَّرسِ والمثابرةِ :
— أُدرُسي يا ابنتي ، واجتهدي واسهري اللياليَ ، عساكِ  مثلي أستاذةً تصبحينَ ،ومعلّمةً لِأجيالٍ إيّاهُم تُدرِّسين، ومنهُم أبطالًا وعُظماءَ تصنعين.
فتجهَّم وجهُها ، عبسَتْ ، اكتأبَتْ ، وغامَتْ عيناها بدمعٍ حزينٍ ،حجَبَ عنّي لونَ عينيها ...
اقترَبَتْ منّي بهدوءٍ تَحسَبُهُ سكونَ العاصفةِ قبل الإنفجار، نظرَتْ إليَّ بأسًى ، ثُمَّ طوّقَت عُنُقي بيدين ملهوفتين ، جعلَتْني أشعرُ أنّها هي أُمّي وأنا ابنتُها ، فذكّرتني بحنانِ أُمٍّ هاربٍ منذُ سنينَ ، وأجهشَتْ بالبكاءِ،وقالَتْ:
— أُعذُريني يا أُمّي ، ودعيني أُخالفْكِ الرّأيَ معَ ثِقتي برجاحةِ فكرِكِ الرّزينِ ، ودُرَرِ الحِكَمِ التي عقلي بها  تُنيرينَ ، والنّصائحِ التي إليَّ بها  تُسْدِين، فأنا لا أريدُ أنْ أحرِمَ أطفالي من حضنٍ طالما حلُمْتُ أنْ فوقَهُ أرتمي...
ولن أجعلَ أطفالي من أوراقٍ مكدّسَةٍ فوقَ حضني يغارونَ ، ويحلُمُونَ ، ويتمنَّونَ لو مكانَها يجلِسُونَ...
لا أُريدُ أن أحدِّدَ لأبنائي مسافاتِ الإقترابِ منّي خِشْيَةَ أنْ كُتُبي وأوراقي يُبعثِرُونَ....
أريدُ لْأَبنائي أنْ بهجةَ العيدِ يعيشونَ  وبحنانِ أُمِّهِم يفرحُونَ ، ويسعَدُونَ ، ويروحُونَ معَها ويجيْئونَ ، وأريدُهُم أنْ أوراقَ الزّينةِ بدلًا من أوراقِ المسابقاتِ 
فوقَ سريرِ أُمِّهِم يجِدونَ...
عُذرًا أُمّي إن جَرَحْتُكِ في عيدِكِ ، فأنا لم آتِ إليكِ لِأُبكيَكِ ، بل لأُواسيَكِ يا مَنِ اسْتحَقَّ لَقَبَ المعلِّمِ والرّسولِ ، ولكنَّ مأساتي أجبرَتني على ما قُلْتُ وأقولُ...
فكمْ تمنَّيتُ أنْ تكوني موظّفَةً في شركةٍ ، أو عامِلَةً في مصنعٍ ، في معملٍ ، في فرنٍ ، أو في  البيوتِ ، لا لأنَّكِ في هذهِ الأعمالِ لا تتعبينَ ، ولكِنْ ، لأنّي أريدُ أنْ عَمَلَكِ إلى بيتِنا، معَكِ لا تحمِلينَ ، ولنا إيّاهُ لا تجلِبينَ.
كلُّ رفيقاتي أمَّهاتُهُنَّ تعمَلْنَ في كلِّ الحقولِ والميادينِ، لكنَّهُنَّ عندما يعُدْنَ من عملِهِنَّ ، يتفرَّغْنَ لبيوتِهِنَّ وأولادِهِنَّ إلّاكِ يا أٰمِّي ، فأنتِ وكتابَكِ وأوراقَكِ في صومعَتَكِ ، العُمرَ تقضينَ وتصرِفينَ ، وبغربةٍ عن عائلتِكِ تعيشينَ!!!!
...وابتعَدَتْ عنّي ابنتي كعادَتِها عندما تراني قابعةً في مؤسَّسَتي التربويّةِ المنزليّةِ...
ثُمَّ عادَتْ ، فرأَتْني بالدّمْعِ أُطرِّزُ كلماتٍ انتزَعْتُ حروفَها من قلبٍ أثقَلَهُ شوقُ الأمومةِ ، إذ حرمَها القيامُ بواجِبِها التربويّ، والتّضحيةُ والإخلاصُ والتّفاني لطلّابِها 
طعمَ البَنَويَّةِ ، فباتَتْ والدةً أكثرَ منها أُمًّا...  
فابتسمْتُ وقلتُ لها : 
ًلا يا ابنتي ، فأنتِ لم تجرحِيني ، لكنّي أكتُبُ رسالةً ، إليكِ سأُهديها ، يومَ عيدِ الطِّفلِ فانتظريها.
سأروي لكِ قصّةَ وطنٍ ، أنكرَ رسالتي ، فضاعَ حقِّي ، وحقَّكِ فيها.
     من "سلّةِ دَمْعِي"
        (عايدة قزحيا)