2016/03/24

صالح حامد : الفدرالية حلٌّ وحَلالُ

الفيدراليةُ حَلٌّ وحَلالٌ 



الفيدراليةُ حَلٌّ وحَلالٌ 
 رأي صالح حامد

كمسلمٍ لا أتوجَّسُ خِيفةً من طرح مواضيع الفيدرالية أو الكونفيدرالية او اللا مركزية الموسعة، حيث أنها مصطلحاتٌ قانونيةٌ في إطار النُّظُم والحل للأزمات السياسية المستعصية، وتأتي في سياق الحداثة وسباق المنافسة الإيجابية والتطوير الإداري بِبُعْدِه الإنمائي والخدماتي والإداري لإراحة المواطن وتحريره من التبعية وتسلط المركزية.
ونحن في لبنانَ لسنا بِدَعاً من الدول التي طبّقَت التجربةَ الفيدراليةَ الناجحة، فدولةُ الإماراتِ العربية خيرَ مثالِ مثالي في تطبيق النظام الفيدرالي وهي من ذات انتماء ديني واحد. كما أندونيسيا وماليزيا والهند وكندا وغيرهم من الدول الفيدرالية التي تحسنَّ اقتصادها وتجارتها به.
لذا فلا أجدُ ربطاً وتلازماً بين طرح الفيدرالية كنظام سياسي علماني ومدني وبين مخاوفِ التقسيم على خلفية دينية ومذهبية وعرقية، والذي يتسلّح بقوة العدد والعُدَّةً هو مَن يمنع قيامَ الفدرلةِ أو اللا مركزية ليبْسُطَ سلطتَهُ وسُلطانَه على كامل تراب وخيرات الوطن، حتى يحتكرَ صناعةَ القراراتِ المصيريةِ ويبقيها بيد السلطة المركزية، مما يحرم باقي المدن والأقضية من المشاركة والشراكة الحقيقة في صياغة التشريعات وتوزيع الموارد بالمساواة والعدالة الاجتماعية .ولا يمكن كذلك إعلان الفدرلة من جانب واحد دون باقي المكونات الأساسية وإلا فهو تقسيم وانفصال. وكلامي هذا ليس طائفياً وإنما إقرارٌ بالواقع الذي لا يجوز الهروب منه.
فالعراق وسوريا وليبيا لن ينعمُوا بالأمن إلا من خلال تطبيق نظام فيدرالي اتحادي وديمقراطي حر، يقوم على توزيع الثروات الوطنية حسب ديمغرافية وجغرافية الولاية، وبغير ذلك سيستمر النَّزْفُ والذَّرْفُ.
فإذا كان النظامُ الحاليُّ الشموليُّ الذي جعلنا عبدةَ أصنامٍ للمرجعيات المركزية، قد تسبَّبَ بحروبٍ وصراعاتٍ، وأثبتَ أنه تجربةٌ فاشلةٌ، فلماذا لا يُسْتَعَاضُ عنه بنظامٍ فيدراليٍّ أو كونفيدرالي يُشابه بلادَ الغرب، والذي نَقَلَ تلك المجتمعاتِ من الاقتتال إلى التحالفات.
فحينَ زرتُ ولايات أستراليا وأمريكا وجدتُ فيها خليطاً من الأديان والمذاهب والعرقيات والثقافات واللغات، وهي شعوبٌ متعايشةٌ ضمنَ نظامٍ فيدراليٍّ، حيث يشعر المواطنُ بقيمةِ صوتِهِ الانتخابيّ في الاستحقاقات كأداةٍ للتغيير والإصلاح وأنه قريب من الإدارة والمعنيين.
فهناك أربعون باالمئة من سكان العالم يعيشون تحت نظام فيدرالي، وهي دول مستقرة ولا توجد صراعات بينها بخلاف الواقع اللبناني حيث الصراعُ السنيُّ الشيعيُّ وسابقاً الإسلامي المسيحي نافرٌ ومخيفٌ ومُقْلِق.
فهناك دُوَلٌ أصغرُ من جغرافية لبنان كسويسرا وجزر القمر وغيرها حيث تُحكَمُ بنظامٍ اتحاديٍّ سياسيٍّ تعدديٍّ من غير ضجيج ثقيلٌ على الآذان والمنطق.
فأكثرية الأحزاب اللبنانية من بنودها) تصريحاً أو تلميحاً (الدعوَةَ إلى تطبيق الفيدرالية) منها (القوات اللبنانية والكتائب اللبنانية والتيار الوطني الحر وحزب الوطنيين الأحرار)والدروز المتمثِّلون بالحزب التقدمي الاشتراكي لا يمانع قيام الفدرلة كمدخل للإنماء والحداثة. والثنائي الشيعي ليس ببعيد عن الطرح ، فيبقى المكون السني يتحفظ لأسباب قابلة للنقاش.
ونحن في لبنان ومنذ الانتداب الفرنسي نتلمَّس نظامَ (فيدراليةِ الطوائفِ) لأننا مجتمعات تعددية دينية ما بين أكثرية وأقلية، فكلُّ محافظةٍ وقضاءٍ له مكوناتُهُ الدينيةُ وخصوصياتُه السياسيةُ والاجتماعية، وينتابُهم الخوفُ الوجوديُّ من الآخر، فتلك الهواجسُ ترسَّخَت إثْرَ تداعياتِ الأزمةِ العراقيةِ والسوريةِ وظهورِ حركاتِ التكفيرِ المسلحة. وبعضُ المسيحيين يشعر بالتمايز الطبقي عن الواقع الإسلامي الذي يعتريه الجهلُ والتخلفُ والتطرفُ حسب قراءَتِهِ ونظرتِهِ إليه.
وسائلٌ يسأل وماذا نفعل بمسيحيي الضنية والمنية وعكار في بيئةٍ أغلبيتُها إسلامية؟ فالجوابُ أنَّ الفدرلةَ تقومُ على بُنْيَة إداريةٍ إنمائيةٍ بحتة وليس على مبدأ الفرز الديني والعرقي، لأنّ المواطنةَ بكل الولايات هي الأيقونة المقدَّسة التي لا يجوز المس بها. حيث يكون لكل طائفة احترامُ خصوصياتِها وكأنها تعيش في جبيل أو كسروان. ففي كل ولاية أمريكا هناك تعددية دينية وعرقية ولغوية حيث المواطنُ الذي لا تعجبه تلك الولاية فله الحق باختيار أيَ ولاية يجد فيها راحتَه واندماجَه الاقتصاديُّ أو الدينيُّ أو الفكريُّ أو الاجتماعيُّ. فهو مواطنٌ طالما أنه ضمنَ أراضي بلادِهِ فله حقوقٌ وعليه واجبات، حيث ومن فضائل وأهمية الفدرلة هو إيجاد فضاءٍ تنافسيٍّ إيجابيٍّ بين الولايات المتجاورة في تأمين الخدمات العامة وإنتاج الحلول في ملف الكهرباء والنفايات والإبداع العلمي والمعرفي، ويبرز فيها دورُ الفردِ في عملية التنمية المحلية من خلال مساهمته ومشاركته في البناء والحداثة، بدل أن يذوب في الجماعة المفلسة.
ويكون هناك تمايز بين كل ولاية وأختها، وإذا انتَكَسَتْ إحداهنّ فتُناصرها الأقوى والأغنى منها كما حدث في أزمة دبي المالية والتي أنقذتها ولاية أبو ظبي.
وعتبُنا على البعض الذي يُهرول ليطرحَ مشروع الفدرلةَ بنبرةٍ انفصالية يُشتمُّ منها رائحة الكراهية ورفضُ الآخر ونكرانُ التعايش. وهناك البعضُ يفتقر لعملية تشويقية للتسويق والترويج لمشروع الفدرلة المنتجة بأسلوب هادئ وهادف لطمأنة الطرف الآخر المتحفِّظ وذلك تحت ظل وشعار : كلُّنا للوطن للعُلَى والعَلَم.