2016/09/06

لوحات اديب مخزوم في دار الأوبرا بدمشق لقوارب.. وياسمين الشام

لوحات أديب مخزوم في دار الأوبرا بدمشق ..
تأويلات ذاتية لقوارب ورقية ولياسمين الشام ..
مديرة مكتب الشبكة العربية استراليا
-سيدني :كوليت اسكندر سركيس -
معرض الفنان والناقد التشكيلي 
والشاعر والمؤرخ الموسيقي أديب مخزوم، 
في صالة دار الأوبرا بدمشق
– صيف 2016 ، تضمن 50 لوحة جديدة 
( اكريليك وزيت على كانفاس - قياسات مختلفة )
 ولقد عرضت تحت عنوان: (تأويلات ذاتية لقواربي الورقية ولياسمين الشام - الفن يتعزز
 دوره في الأزمنة الصعبة ) .. 
ويمكن تقسيم لوحات المعرض من حيث 
موضوعاتها إلى أربع مجموعات:
 المجموعة الأولى تتركز حول القوارب
 الورقية، وهي ترمز إلى طفولتي،
 وتشكل عودة إلى ذكرياتي،
 على أمتداد شاطئ البحر الرملي 
في مدينتي طرطوس .
 والمجموعة الثانية 
أمنح فيها فسحة أمل لياسمين الشام، 
كي لايموت، بحرائق الحروب الراهنة، ووسط هذا الخراب والدمار المادي والروحي المتجلي.
 والمجموعة الثالثة تظهر شغفي وعشقي المزمن للموسيقا والغناء الراقي عبر موضوع العازفات . والمجموعة الرابعة تعزز علاقتي الوطيدة بموضوع المرأة، الحاضرة في مجمل لوحاتي الجديدة والسابقة أيضاً، كل ذلك باسلوب ذاتي خاص، وبصياغة تشكيلية حديثة، تتراوح بين التصريح والتلميح ، في خطوات الدمج بين الواقعية والتعبيرية والتجريدية عبر معطيات اللمسة اللونية العفوية والتلقائية والمباشرة ، ولهذا فالمعرض يحقق وحدة الأختلاف أو وحدة التنوع ، حيث تتنوع الموضوعات ، وتتوحد الصياغة الاسلوبية على الصعيدين التشكيلي والتقني .
ورموز البحر في لوحاته ، لم تكن ومنذ البداية، سوى شعرية وغنائية، مع اتجاه لاظهار المزيد من العفوية والتلقائية والحساسية في استخدام اللون بتقنياته وتبدلاته  المختلفة، والمرأة تأخذ في أعماله شكل الحلم الأنثوي الجذاب الذي لايفارق مخيلته ولوحاته .
وحين نتأمل لوحاته سرعان مانجد العناصر التعبيرية بحساسياتها المتنوعة وبأنوارها واضوائها توحي بتداخل ايقاعات الالوان المتوسطية ( نسبة لالوان واضواء وانوار حوض البحر الابيض المتوسط ) . وهو مهما انفعل باللون اثناء صياغة لوحاته الفنية ، يبقى في حدود الاطار الجغرافي للوحة الساحلية، وما تمنحه ألوان مدينته طرطوس من تأثيرات بصرية تترك أثرها الواضح على لوحاته  .
ولقد تميزت فتيات لوحاته بمسحة تعبيرية اختزالية، عكست نوعاً من العفوية في خطوات التعبيرعن جدلية العلاقة المتواصلة في لوحاته بين المرأة والبحر. وهويلتزم في معظم لوحاته بايقاعات لونية منتمية إلى ألوان حوض البحر الابيض المتوسط، وفي هذا السياق لا بد أن تشكل لوحاته عودة للاعتراف الفعلي باللون البيئوي الساحلي، المعبر عن تداعيات الحلم وإشارات الذاكرة الطفولية، حيث الحكاية تعيده في كل مرة، إلى الإيحاءات البحرية المزروعة في ألوان لوحاته السابقة والجديدة، وفي إيقاعات الخطوط المختصرة، ومظاهر الأشكال المستعادة كحلم ومناخ ومشاعر، كونه يرسم البحر والمراكب الورقية، مقترباً إلى حد بعيد من روح التأليف التشكيلي الحديث .
وهو من هذه الناحية يبرز كفنان متوسطي بامتياز، كونه ينتمي بكل أحاسيسه ومشاعره وتطلعاته وثقافته، الى أضواء وأنوار وألوان البحر والسماء، وكل ماتقع عليه عيناه من مؤثرات حميمية رافقته منذ أيام طفولته في مدينة الأحلام والتخيلات طرطوس . 
ومن أجل الوصول الى حالة خاصة متداخلة بين المرئي والمحسوس أو بين الواقعي والتعبيري، يعتمد أديب مخزوم على الرسم العقلاني والتلقائي في آن واحد، مبتعداً كل البعد عن أجواء العبث التشكيلي المتواجد بكثرة في معارض الفنانين السوريين، ولاسيما معارض الشباب،فالمشهد البحري في لوحاته يتحول من حالة الى حالة في ظل الاقتراب او الابتعاد عن الصياغة الواقعية . فهو احياناً يميل الى الواقعية الجديدة ، التي تحافظ على ملامح الأشكال ، وأحياناً اخرى يصل الى حدود التبسيط التعبيري والرمزي والخيالي .
----------- قواربه الورقية ترمز الى طفولته المنسية ----------
فاللوحة هنا ( إلى جانب دلالاتها التشكيلية والتقنية والايقاعية ) تشكل فسحة لاستعادة معطيات ذاكرته الطفولية على امتداد الشاطىء الرملي في مدينته طرطوس . وهكذا تظهر ايقاعات القوارب الورقية المجسدة في لوحاته كحلقات متتابعة تعكس رموز مدينته البحرية وأحاسيسه معاً، عبر هواجس تشكيلية حديثة وتصورات خيالية متنوعة الدرجات والحساسيات .
فالرموز البحرية تتداخل في اللوحة الواحدة عبر علاقات تشكيلية تنساب بحرية وعفوية، تتخطى الرؤية الواقعية التقليدية ، وتفتح أمدية داخل مساحة اللوحة ، وتذهب إلى الجوهر، وتؤكد صياغة فنية تزيد من حالات تحسسه لإيقاعات جمالية حديثة، تعرف كيف تختزل الأشكال الواقعية، وتبرز مشاعره الانفعالية ، حيث يغلب الطابع التعبيري على الناحية التصويرية التسجيلية.
وإذا كانت اللونية العامة تتجه إلى الحركة الانفعالية البعيدة عن السكونية ، فهذا يعني أننا نستطيع وبسهولة ملاحظة تلك الحساسية في معالجة تباينات الألوان وتركيبها وحركتها عموماً الحاضرة دائماً داخل إطار اللوحة ، وهذا يزيد من حالات ارتباطه بتوجهات الحداثة وما بعدها .
فالرسم العفوي هنا هو الحالة والهدف والجوهر، الذي يطمح الفنان الى بلوغه، والذي يخلصه من ضغط الصورة الواقعية، ويدفعه نحو عالم لوني ذاتي وانفعالي، لا يحافظ على شكل هندسي له اطاره الرياضي الصارم ، بقدر ما يتجه إلى كسر التكاوين الهندسية القاسية ، فتصبح المساحات أقرب إلى الهندسة اللونية البعيدة عن التسطيح والرزانة والدقة الباردة، وهذا يزيد من الايقاع الانفعالي الصادق والحاضر في مساحة اللوحة .
هكذا يبرز اللون البحري والمراكب الورقية والمرأة كعناصر تشكيلية أساسية يستخدمها في التأليف العام للوحة، إذ تتحول الأشكال إلى لمسات وخطوط عفوية، منسابة ومنكسرة، ومعبرة عن مدى حساسيته البصرية والروحية، ومدى علاقة هذه الحساسية بعشقه المزمن للفن الذي كرس له المدى الطويل من سنوات عمره.
وتكشف لوحاته عن شغفه الدائم واللامحدود بالعودة إلى ذاته، وإلى الاختبار الفني الذي يقرّبه من روح الحداثة والعصر، وإلى استلهام عناصر ورموز العالم البحري، فهو دائم البحث، دائم الاختبار، دائم الاطلاع،والارتكازعلى قواسم تشكيلية مشتركة، في خطوات التعبير عن مواضيع فسحة الحلم المشرع على مدى وأفق البحر. ولوحاته ترتكز على طريقة الرسم بألوان الأكريليك والزيت ، وهي تعطي فكرة موجزة عن آخر ما توصلت إليها تجربته المتفاوتة من الناحية الأسلوبية، ما بين الواقعية الحديثة والصياغة التعبيرية، والغارقة في إيماءات اللون الأزرق لمدى وافق البحر. والمرأة لديه تأخذ شكل الحلم الأنثوي الجذاب الذي لا يفارق لوحاته.
-------------  كي لايموت الياسمين ------------
في مجموعته الثانية، يغيب البحر والقوارب، لصالح حضور المشهد التشكيلي ، الأكثر تكثيفاً لإيقاعات وامتدادات أغصان وزهر الياسمين الناصع البياض، وتقديم مساحات لونية طيعة ، تستجيب لهدوئه وانفعاله في خطوات استعادة الأمكنة العابقة بزهر الياسمين، الذي لم يهجر دمشق عبر تعاقب العصور والأزمنة .
وهو يؤدي التعبير، في أحيان كثيرة ،بعفوية تتوافق مع التأليف الحديث للوحة ، في خطوات استعادة أنفاس الياسمين ، حتى أنه يحشد لوحاته أحيانا بهذه الايقاعات ويصل الى صياغات إرتجالية أو تعبيرية أو تجريدية، عن المكان الدمشقي، فهو يعمل لإظهار لوحة حديثة تجد صداها وجمهورها ، في الأوساط العامة ، وتحوز على قبول ورضى الجمهور من مختلف الأعمار والمستويات، وذلك لأن فيها قدر من الإحساس والعاطفة والصدق، والأهم من ذلك ماتحمله من حيوية، في تجسيد المشاهد والعناصر العابقة بالياسمين ،والباقية في القلب والذاكرة كبصمة لاتغيب .
هكذا يصبح الحلم الفني في لوحاته فسحة للانفلات من قلق المدن الحديثة ، والعودة الى البيوت القديمة العابقة بزهر الياسمين من الداخل والخارج معاً ، لأن صدمة المدينة وقلق الحياة الممكننة ومعاناة الناس في دهاليز الأبنية الأسمنتية ، تبدو بعيدة كل البعد، عن أحلام مدينة دمشق القديمة الباقية ببركها ونوافيرها وخضرتها وعبيرها بين القلب والذاكرة  .
فمفتاح السر في تجربته التشكيلية الحديثة، يكمن في الانحياز الكلي نحو الأجواء المحلية، التي تسجل قصيدة حب لأغصان الياسمين المزهرة . فقد وجد أديب مخزوم في بياض زهر الياسمين ، وفي وجه المرأة السورية العصرية، نقطة الانطلاق الفعلية لاكتشاف السحر القادر على الانبعاث والتجدد رغم كل صيحات الجنون الانساني  .
وفسحات الياسمين التي جسدها في بعض لوحاته، لم تطلق صرخة الحياة الصعبة في الازمنة الراهنة، بل كانت استرسالاً في حكاية النبض الدمشقي المرتبط بالأرض والهواء والماء ، وكانت بمثابة بدايات أضواء البهجة الموصولة بالفرح والمندفعة نحو المرح الذي يمزج ما بين الوجع وعفوية الإحساس بتجاوز قساوة الحياة بالقدرة على استعادة فردوس وطن مفتوح على نصاعة بياض زهر الياسمين الدائم العبق والاخضرار  .وهو لم يجسد عناصر المرأة وآلتها الموسيقية في المجموعة الثالثة من لوحاته ( العازفات )  إلا بخطوط خارجية مبسطة مع التركيز على أجواء اللمسة العفوية أو المتحررة للون، وبذلك ألغى التفاصيل الجاهزة وحاول الوصول إلى حالتها الروحية الصافية أو إلى نسيجها اللوني الشاعري والغنائي، فإذا تطلعنا إلى لوحاته لا تنطبع في أعيننا غير إيقاعات لونية بصرية، بحيث تتحول العناصر الواقعية، إلى تآليف لونية أو لمسات لونية عفوية فيها الطرب الإيقاعي الموسيقي والتنويع العاطفي والوجداني.