2016/11/20

الاديبة والشاعرة التونسية إيناس بن حميدة بن الضاوي السلامي: موطن الرحمان فلسطين

موطن الرحمان  'فلسطين'

بموطني أتغنى 
بموطني أتغزل ..
فيا موطني لا يكفيك كل الشذى و الحب 
لا تكفيك القصائد الشعرية 
فكل الكلام زائل .. و كل العبارات البهية فانية 

لا زال يلمسُكَ الغريبُ بكفِّهِ ياموطني
ويخطُّ فوقَكَ ذكرياتٍ ...
كانَ دوري أن أقومَ أنا بها
تجعيدُ وجهِكَ يرسمُ اسمَ سُلالتي 
في كلِّ تفصيلٍ أرى
بصماتِ كنعانَ الأخيرةَ كلَّها
أسماءَ أجدادي ...
فؤوسَ أكفِّهم
ضحكاتِهم...
ودموعَهم
وروائحَ العرقِ النبيلِ بجبهةٍ
زُرعِت بحبِّ التُربِ ...
لكن رغمَ ذلكَ لم يقف ذاك الغريبُ وما انتهى

لم يستمع لأنينِ صوتٍ تحتَ نعلِهِ من ثراك
مازالَ أمّيّاً هناك
لم يدرِ معنى الأرضِ أو لغةَ الحنينِ...
ولم يذبْ فيها إلى حدِّ الهلاك
لم يدرِ ما معنى القراءةِ فوقَ جدرانِ البلادِ ...
ولا رآك
مازالَ مشغولاً بتفسيرِ الحقيقةِ لا الخيالِ...
بأنَّ طفلاً بُعثِرتْ أشلاؤهُ يوماً ....
لكي تبني سماك
ولأنَّهُ لم يفهمِ الأشعارَ...
أو طبعَ البلادِ وأهلِها
لم يقتنع أبداً بطفلٍ باعَ روحَهُ واشتراك
فيا ويحتاه... ستونَ عاماً هاهنا زمنٌ صغيرٌ
ليس يكفلُ أن يعلّمَهُ جنونَ النارِ ...
من حجرٍ على حجرٍ نتيجةَ الاحتكاك

لم يدرِ أنَّ الشوقَ نحوَ الكرمِ متّجهٌ يُصلّي...
بعدما بدأ الوضوءَ بدمعِهِ وندى دِماك
فالتينُ والزيتونُ كرمٌ كاملٌ ...
قد عرَّشتْ أغصانُهُ في آيةٍ من خالقٍ
قد جلَّ أن ينساكَ من فوقِ السِماك
لهُ فيكَ ألفُ رسالةٍ ونبوةٍ 
فلكم أحبَّكَ خالقي ياتُرى حتى اصطفاك
ذاكَ التافهُ المرميُّ في وطني 
لم و لن يدر جلالةَ مستواك

لتخبره عن داوودَ...
تتبعهُ الجبالُ مسخّراتٍ تحتَ أمرِهِ...
كي يهندسَها بشكلٍ مُحكمٍ
لتصيرَ يوماً موطناً 
لجميعِ من حلفوا بأن يحموا حِماك

أو عن سليمانَ الحكيمِ وملكِهِ
هل كانَ قصرُهُ مرّةً 
سيشدُّ بلقيساً ويأسرُ عقلَها
لو كانَ ذاكَ القصرُ في وطنٍ سواك

أخبرهُ عن يعقوبَ ...
شمَّ قميصَ يوسُفَ ...
قبلَ أن تأتيهِ منهُ بشارةٌ...
هل كانَ شمَّ قميصَهُ لولا هواك 

هل كانَ يوسُفُ يوسُفاً في الحسنِ...
لولا أن ترعرعَ في رُباك

أخبرهُ عن موسى...
يُكلِّمُ ربَّهُ ...
من جانبِ الطورِ المقدَّسِ خاشعاً 
ويخرُّ مغشياً عليهِ...
إذا تبدَّى طيفُ ربي في ذراك

أو قل لهُ عن مريمَ العذراءِ تحبلُ ثورةً...
وتهزُّ جذعَ النخلِ يُسقطُ فوقَها 
رُطباً جنياً ... كي تساعدَ حملَها
ماحكمةُ الرحمنِ ...
أن يحيا المسيحُ على ثمارٍ من ثراك


أو قل لهُ عن سيّدِ الثقلينِ فوقَ براقِهِ 
هل كانَ يسري ((من بلادي)) للإلهِ ومجدِهِ 
لو لم تكن هي أقصرُ الطرقاتِ نحو الله دوماً...
لم يكن يوماً ليعبرَ من مداك
ياموطني أنتَ السماءُ ولا سماءَ لنا عَدَاك
يا موطنَ الرحمنِ ما أغبى عِداك

ياموطنَ الرحمنِ ...
أخبرهُ بما لايشتهي
أجبِ المعرِّشَ فوقَ أشلائي وأشيائي...
جواباً واضحاً
لن أنتهي 
إني هنا
من كلِّ موتٍ سوفَ أولدُ عشرَ مرّاتٍ ...
وأطلعُ من زوايا البيتِ ملياري انا
أخبرهُ أنَّ البعد لايعني لنا
فأنا هنا
يعني هناك
في كلِّ زاويةٍ لنا أثرٌ ...
ونحنُ بوجهِ كلِّ رصاصةٍ حجرٌ...
هنا قدرٌ ... 
بأن نفنى أيا وطني لكي نحظى رِضاك

عندي احتمالٌ أن أعيشَ وأنتصر
وكذا احتمالٌ آخرٌ 
أني أموتُ وأنتصر
النصرُ إمّا النصرُ من دونِ احتمالٍ ثالثٍ
إن لم يكن هذا فذاكْ

فلتملأوا الآفاقَ بالفسفورِ يسعى نحو أرضِ الأنبياء
إنّا هنا باقونَ نُعطي للتمرُّدِ جرعةً
نُعطي البقاءَ هنا دروساً بالبقاء
نُعطي الفداءَ هنا دروساً بالفداء
ونحاصرُ البارودَ بالمقلاعِ...
نُغرِقُ طائراتِ عدوِّنا دوماً ببحرٍ من دماء
لغةُ الدماءِ فصيحةٌ
وضِعَتْ لنحكي مانشاء
لنقولَ أنَّ الأرضَ قد كانت لنا
لنقولَ أنَّ الأرضَ مازالت لنا
وتظلُّ دوماً ملكَنا ... وتظلُّ دوماً ملكَنا ... وتظلُّ دوماً ملكَنا
مادامَ عرشُ الله يسكنُ في السماء