2016/11/14

الاعلامية وفاء بهاني :كبيرا منذ صغرك يا أحمد

كبيرا منذ صغرك يا أحمد
وفاء بهاني
  
أدرك الإحتلال "الإسرائيلي" أن مستقبل الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة مرهون بمستقبل أطفاله، لهذا عمد إلى إستهدافهم وإلحاق الأذى بهم، والتمادي في سياسته الممنهجة إلى حد تشريع القمع والتعذيب، والسماح لنفسه بحرمان أطفال بعمر الزهور من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، وقتل براءة وأحلام الطفل الفلسطيني الذي تتفتح عيونه على الحياة ويرى تلاوين القهر والظلم، والشعور بالخوف والقلق جراء ممارسات الإحتلال، والعمل على تكريس معاناة الأطفال وتحطيم واقعهم النفسي من خلال الممارسات الجائرة بحقه.  

لقد إنتشر منذ أيام  على مواقع التواصل الإجتماعي مقطع فيديو يظهر فيه تهديد محققين "اسرائيليين"للطفل أحمد مناصرة (12) عام، وتعنيفه  وممارسة الترهيب النفسي لإجباره على الإعتراف بمحاولة تنفيذ عملية طعن مستوطنين في مستوطنة " بسغات زئيف " شمال مدينة القدس المحتلة، والذي استشهد على أثرها ابن عمه وأصيب أحمد حينها وترك مضرجا بالدماء نافيا الطفل أحمد كل الاتهامات المنسوبة إليه وسط تعنيف وصراخ المحققين قائلا له "مش_ متذكر " !.  
إنه لا يستطيع التذكر بسبب الإعتداءات الوحشية والتنكيل به وإستخدام القوة المفرطة معه وهو مصاب، ليكشف عن إرهاب وعنصرية المستوطنين وجنود الإحتلال متجاهلين حقوقه بوصفه إنسانا .
لقد إعتاد جنود الإحتلال وقطعان المستوطنين إتباع سياسة عنصرية تجاه الأطفال الفلسطينيين بهدف صناعة جيل فلسطيني مضطرب نفسيا ومعتل جسديا وذلك من خلال استخدام العشرات من وسائل التعذيب ضده، ضاربين بعرض الحائط كل المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، واتفاقية جنيف الرابعة عام 1949، وكذلك إعلان حقوق الطفل عام 1959، وإتفاقية حقوق الطفل عام 1989.

إن معاناة الأطفال في سجون الإحتلال باتت من أبرز صور المعاناة للشعب الفلسطيني إذ يحرمون من ممارسة حياتهم الطبيعية التي من المفترض أن يعيشوها بين آبائهم وأمهاتهم وعائلاتهم، لا أن يزج بهم في معتقلات قمعية تغيب عنها أدنى الشروط الإنسانية، وتصبح الزنازين والغرف الضيقة ملاذا لهؤلاء الأطفال بعيدا عن العائلة والأهل، ناهيك عن ظروف الإعتقال الصعبة ومنها الإزدحام في الغرف وبرودتها الشديدة في فصل الشتاء، وشدة حرارتها في فصل الصيف وقلة المياه، والمنع من الإستحمام، وطبيعة الطعام المقدم لهم وحرمانهم من العناية الطبية، وكذلك حرمانهم من حقهم في التعليم ومصادرة الكتب والتضييق عليهم. 

وقد أشارت حركة الدفاع عن الأطفال في فلسطين في إحصائية لها إلى أن 1260 طفل تعرضوا للإعتقال خلال عام 2016، بينهم 330 طفلا تتراوح أعمارهم بين 12- 15 عام.   
لذلك ينبغي أن تتضاغف الجهود الفلسطينية الرسمية والشعبية لتوفير الحماية للطفل الفلسطيني، والسعي الجاد والحثيث لتفعيل دور المؤسسات الدولية في رعاية شؤون الطفل الفلسطيني ومتابعتها والإطلاع على حقيقة المعاناة التي يتعرض لها الأطفال في سجون الإحتلال، وكذلك الكشف عن الممارسات الإجرامية بحق الشعب الفلسطينيين التي لا تراعي فرقا بين رجل أو امرأة، وبين راشد أو قاصر، وبين معافى أو مريض.

وما صورة أحمد وكلماته " مش _ متذكر " أمام المحققين إلا مشهد تتجسد في جنباته التحدي أن يعيش الطفل كبيرا منذ صغره، كبيرا في أقسى الظروف، وكبيرا أمام وحشية وقمع السجان.