2017/07/10

الاديبة نجوى الدوزي للشبكة العربية : انا روائية متمسكة بالشكل العمودي

الأديبة التونسية نجوى الدوزى
انا روائية وشاعرة متمسكة بالشكل العمودى
ولن أتخلى عن ذلك
الحراك التونسى جعلنى فى حالة وهج ابداعى

الشبكة العربية مكتب القاهرة حوار سيد يونس

كاتبة تونسية , فائزة بالجائزة الأولى في القصة القصيرة للمؤتمر الوطني للاديب محمد البشروش خلال دورتين متتابعتين .. وشاعرة فاعلة في عديد الملتقيات الشعرية داخل تونس و خارجها و آخرها الدورة الخامسة للمهرجان الدولي الشعر بمدينة تيفلت بالمغرب الأقصى  . لها مجموعتان شعريتان و رواية في طريقهما للنشر .
 متى بدأت علاقتك بالشعرخاصة و الأدب عامة ؟
بدأت علاقتي بالأدب مبكّرا..في المرحلة الإبتدائية .. فبعد أن تشبّعت جوانح طفولتي بعبير الكلمة شعرا و نثرا, بدأت خربشاتي الأولى على الورق بقصائد راوحت بين العمودي و النثري .. و ترعرع عشق الكلمة في الخافق و امتدّت فروعها مثمرة بمحاولات في الكتابة .. فحصلت في المرحلة الإعداديّة من تعليمي على جوائز في الشعر و القصّة القصيرة و منذ ذلك الوقت ظلّت الكتابة قرينا ملازما لروحي لا ينفصل عنها .
أنت شاعرة متمسّكة بالعمودي رغم ما حدث من تطوّر في القصسدة العربيّة ؟
لست متمسّكة بالعمودي .. فالتمسّك يدلّ على الانحياز و الالتزام بهذا النمط الشعري عن قصد فكريّ.. و هو ما لا ينطبق على تجربتي مطلقا و إن كان لا بدّ من الحديث عن التمسّك فليكن بالقصيدة النثريّة فهي الاقرب إلى نفسي.. و لكن ما ألّفته من قصائد عموديّة إنّما يفهم في إطار مبدإ التجريب .. و هذا أمر مشروع للمؤلّف يرتقي بتجربته و يطوّرها ..  و على كلّ حال, فتجربة مختلف الأنواع الشعريّة يدلّ على أصالة الشاعر.. و الأصالة لا تعني أبدا التعصّب الشوفيني و الانغلاق على الذات بل تعني المعاصرة انطلاقا من مخزوننا الأدبيّ الغزير.. لذلك أقول : أنا قادرة على كتابة العمودي .. و لكن أفضّل القصائد بالنثر..

 هل النقد يواكب الإبداع في تونس ؟
إنّ النقد العربيّ هو إبن الحياة العربيّة يعيش ما تعيش و يعاني ما تعاني من إحباط و خلل .. و من هنا فإنّ معضلة النقد في تونس لا تختلف عن نظيراتها في الأقطار العربيّة عموما .. فهو مازال يعاني من ركود المناهج و تكلّسها و من التأرجح بين الأدوات التراثيّة المعياريّة و بين النقد الحداثي المتعثّر بسبب الترجمة و عوائق النقلة الحضاريّة .. ونقدنا هو في الغالب دراسات جامعيّة و بحوث تجميعيّة أكثر منها تفكّرا إبداعيّا ..كما أنّه مازال خاضعا للقراءة الاحتفائيّة ببعض النصوص مقابل تعرية مواطن ضعف بعض النصوص الأخرى.. و لئن كان هذا الطّابع الاحتفائي ضروريّا ,إلّا أنّه سيجعل النقد تابعا دائما للعمليّة الإبداعيّة .. في حين نتوق إلى جعله رائدا للإبداع .. فهو السابق و اللاحق , مع ضرورة تجاوزه لفكرة      "القلم المسموم " على حدّ عبارة رونان ماكدونالد الذي دعا  في نظريّته "موت الناقد" إلى فكرة التخلّص من الناقد القديم الوصّي غير المبدع ..
و لعلّ أحداث الربيع العربي ستلقي بظلالها على الحركة النقديّة العربيّة .. ففي حين يحاول المبدع أن يكون رائدا خلال هذه الأحداث بما ينتج من نصوص تنشر ورقيّا أو الكترونيّا , ظلّ النقد عاجزا على مواكبة هذا الواقع الجديد.. فهو يسير ببطء شديد نحو التوغلّ في قلب الحياة الأدبيّة و يعاني من عدم القدرة على مواكبة المستجدّات التكنولوجيّة...

يقال أنّ السرد يتفوّق على الشعر في تونس و أنّ الشعر لم يفرز منجزا متعارفا عليه ؟
مستوى السرد و الشعر في تونس  متفوّق على نظيره في كثير من الدول العربيّة .. و كلاهما قد أفرز منجزا متعارفا عليه, بل مشهودا له بالتميّز على الساحة الأدبيّة العربيّة ..
فبالنسبة للسرد , كانت لحظة محمود المسعدي علامة فارقة في الكتابة السرديّة تونسيّا و عربيّا .. ثمّ كانت الرواية في أرقى أشكالها مع البشير خريّف برؤيته العميقة التي تنزع إلى النمذجة و الكونيّة.. و كان محمد البشروش رائد القصّة القصيرة في تونس في بدايات القرن الماضي..
لقد حقّق السرد التونسي منجزا متميّزا انطلاقا من جيل الاستقلال في إطار الرواية التاريخيّة و الواقعيّة  الكلاسيكيّة.. و مرورا بجيل ما بعد الاستقلال  الذي انفتح على الخصائص التجريبيّة بتوظيف الارتداد الزمني و التداعي و تدمير الحبكة الكلاسيكيّة و تحويل الرواية إلى مغامرة لغويّة.. و وصولا إلى اللحظة الراهنة حيث بلغ التجريب الروائي ذروته مع ظافر ناجي ,حسن بن عثمان , حسونة المصباحي , صلاح الدين بو جاه , شكري المبخوت و الروائي التونسي الذي نال إعجاب النقاد ابراهيم الدرغوثي في مماحكة السّائد و الثالوث المحرّم باعتماد التناص .. و قد دعّمت الثورة التونسيّة الكتابة السرديّة بأقلام صافي سعيد و الحبيب السالمي و غيرهما.. و كانوا يطلّون على تونس من النافذة فأصبحوا يكتبون من الدّاخل ..و قد ضخّوا موتيفات جديدة في السرد التونسي... و بواسطة هذه الأقلام و غيرها أكّد السرد التونسي أحقيّة منجزه و لكن لا ينفي هذا ما حقّقه المنجز الشعري التونسي من تفوّق خاصة في التسعينات ..
يمكن القول أنّ صالح القرمادي (1970) كان رائد قصيدة النثر في تونس حيث حاول إرساء شعريّة جديدة تعتمد موتيفات الكلمة من الداخل .. لكن جاءت فترة التسعينات بتنوعاتها و تفجّراتها لتغيّر المشهد تماما , إذ  وقع كسر نسق الكتابة الشعريّة القائمة على المضامين و الإلتزام بالقواعدالشكليّة للقصيدة العموديّة  أو  قصيدة التفعيلة.. و هنا كان التحوّل بالشعر إلى المبحث الجمالي إذ عمل العديد من الشعراء في إطار الورشات الشعرية المفتوحة.. فكانت كتابات محمد رضا الجلّالي و  كمال بوعجيلة و محمد علي اليوسفي و يوسف خديم الله و الهادي الدبابي في إطار التجريب و البحث عن مراق جماليّة للكتابة الشعريّة ممّا أدّى إلى تخريب الأرشيف الجمالي الرسمي و زعزعته .. و كان الحفر اللغويّ عن لآلئ اللّغة و نحت إيحاءاتها .. 
و رغم قلق بعض الباحثين من تراجع هاجس البحث بعد الثورة بسبب وقوع الشعر في مصيدة السياسة إلّا أنّ الكثير من الشعراء مازال يحاول الاستفادة من منجزات الفترة الذهبيّة للشعر التونسي و يشتغلون في صمت. و هذا ما أدّى إلى ظهور القصيدة الومضة ذات الكثافة المركّزة على الساحة الشعريّة التونسيّة اليوم ..
.
هل أنت شاعرة تكتب في صمت ؟ و لماذا؟ 
كتبت مدّة طويلة في صمت بحكم تفرّغي لواجباتي الأسريّة إذ وضعت تربية أطفالي في رأس أولوياتي .. و قد واصلت الكتابة خارج السياق الثقافي العام لسنوات طويلة .. ولكن ماحدث في تونس من مستجدّات سياسيّة و ثقافيّة حرّك بداخلي الرغبة في العودة من جديد إلى الفعل الثقافي , خاصة في مناخ الحرّيات الذي توفر بعيدا عن القيود المكبّلة للمثقف عموما ..


و لكن تأثّرت بمن في كتاباتك ؟
تأثّرت لفترة طويلة بتجربة نزار قبّاني في الكتابة الشعريّة .. إذ كنت منجذبة لصدق معانيه العاطفيّة خاصّة.. و لكن , أصبحت ذائقتي الأدبيّة اليوم تنجذب لكلّ نصّ جميل يزخر بالتكثيف و إشعاع الصورة التي تثير القارئ و توقع به في السؤال الجمالي بقطع النظر عن ك
اتب النص .. و ربّما في ذلك صدى لنظريّة "موت الكاتب " لرولان بارت.. و كما قال الأديب الفرنسي مارليه " اللّغة هي التي تتكلّم و ليس المؤلف"

 كيف ترين مسألة تقسيم الأجيال ؟
تقسيم الأجيال الأدبيّة حسب معيار زمنيّ يرتبط بأعمار الأدباء أو العشريّات ( ستّينيات , سبعينيات..)خطأ  منهجيّ فادح لان ذلك يوقعنا في التعسّف حتما.. و إن كان لابدّ من التّجييل الأدبي , فليكن  حسب معيار الأدب لا حياة الأدباء.. بمعنى ضرورة اعتماد خصائص الكتابة الأدبيّة و ليس الأطر التاريخيّة لحياة الأدباء أو التواتر العشري ..و من هنا, يمكن أن نتحدّث مثلا عن جيل التجريب وجيل ما قبل التجريب ... وهكذا يمكن لتجربة الكاتب الواحد أن تصنّف إلى جيلين أدبيين ,كأن يبدأ الكاتب كلاسيكيّا و ينتهي تجريبيّا .. كما يمكن أن نصنّف جيلين عمريين في جيل أدبيّ واحد كأن ينتمي جيل الآباء و الأبناء إلى نفس جيل التجريب مثلا من الناحية الأدبيّة.. و هذا يسمح بإدراج عشريّات متتابعة في نفس الجيل الأدبيّ إذا لم يكن هناك من تغيير يذكر في خصائص الكتابة ..و كمثال على صحّة تصوّري رواية "حدّث أبو هريرة قال " للأديب التونسي محمود المسعدي فهي كتبت في الأربعينيات و نشرت في السبعينيات , و لكن نجد أنّ ألكسندر كينش قد نسبها إلى جيل الرواية التجريبيّة بحكم خصائصها الفنّية (الغرائبيّة-إطار العتبة – التحولات الكرنفاليّة – مزج الأجناس – التناص).. و هكذا فكما يمكن أن ينتمي أديب واحد إلى جيلين , يمكن أن يقفز أديب آخر من جيل الماضي ليكون عنوان المستقبل..

يلجأ كثير من المبدعين لكسر التابوهات خاصّة الجنس , كيف ترين ؟
ترتبط الكتابة بمبدإ الحريّة .. فالأديب حرّ في إبداعه  شكلا و مضمونا.. و من هذا المنطلق قام عديد المبدعين باختراق الثالوث المحرّم (دين – سياسة – جنس) أو ما يسمّى بالتابوهات .. و هي ليست إلّا موضوعات إنسانيّة كغيرها من المضامين الأخرى التي يمكن للأدب و الفنّ و الإبداع عامّة أن يضعها تحت المجهر .. و قد استاء البعض من كسر المبدعين لتابوه الجنس انطلاقا من نظرة أخلاقويّة ضيّقة باعتبار إنتمائنا لمجتمع محافظ.. لكن لا يمكن أن نخضع الأدب و الفن إلاّ لمقاييس جماليّة إبداعيّة خالصة .. و لذلك فلا حرج أن نبحث في مسألة الجنس موضوعا و صورة و معجما في كلّ أنماط الكتابة.. و حتّى بالمنطق الطّهوري في الفكر العربي نجد أنّ الخطاب الدّيني و الفقهي و الأدبي القديم  قد خاض في أدقّ التّفاصيل الجنسيّة و من أعلامه جلال الدين السّيوطي و غيره.. و انطلاقا من هذا, فكما أنّه لا حياء في الدّين .. فلا حياء في الأدب.. و هذه مسألة مبدئيّة.. و لكن من زاويتي الذوقيّة الشخصيّة , أنا لا أحبّذ التركّيز على مشغل الجنس بصفة مطلقة في الأعمال الروائيّة , لأنّه أحد المشاغل الإنسانيّة و ليس المشغل الوحيد.. و لكلّ إنسان ذوقه الجماليّ الخاص.. و حرّية الاختيار مكفولة للجميع ...

ما رأيك في تصنيف الإبداع : أدب نسويّ و أدب ذكوريّ ؟
أعتبر أن تصنيف الأدب إلى نسوي  و ذكوري أمر ممجوج.. إذ يوجد أدب و كفى ..أدب بالمعنى الإنساني .. إنّ هذا التمييز و حتّى إن تعلّق بخصائص الكتابة الإبداعيّة لا أكثر يفترض ضمنيّا مركزيّة ذكوريّة.. و هذا أمر يمس بجوهر المساواة الحقيقيّة بين الرجل و المرأة.. و الحال أنّ كليهما إنسان.. و كلّ منهما قد ينتج أدبا يتحدّث عن مواضيع إنسانيّة  كمعاناة المرأة  في المجتمع .. و ما يميّز الأديب عن الآخر هو خاصيّة كتابته و ليس جنسه ، رغم محاولات البعض الإقناع بأنّ الأدب النسوي هو مصطلح إبداعيّ يؤسّس لقيمة إبداعيّة للأنوثة مقابل مصطلح الفحولة الذي أنتجته الثقافة الأبويّة العربيّة بادّعاء أنّ خطاب الرجل يمتاز بالقؤّة  و الحزم و التركيز على القضايا الجادّة و ذلك على عكس كتابة " الأظافر الطويلة " أو الكتابة الرّخوة للمرأة التي تركّز على الأحاديث الهشّة و التفاصيل التافهة .. و من هنا يرى المؤمنون  بالأدب النسوي ضرورة سعي المرأة إلى تطويع اللّغة حتّى تحقّق حالة من المساواة مع الأدب الذكوري .. لكن أعتقد أنّ الحديث عن الادب النسوي مهما حاول البعض إضفاء صفة النبل عليه ، فهو مجرّد ردّة فعل على اعتبار المرأة كائنا يدور في فلك الرجل .. و إذا نجحت المرأة حقا في كسر ثنائيّة  (نسوي /رجالي) عندها فقط  ستكون حقّقت المساواة التامة في مجال الأدب .. إذ لا حديث في الأدب إلّا على المحدّدات الأجناسيّة من شعر و نثر.. بعيدا عن الحدود الجنسيّة الضيّقة..