2017/08/02

ديانا ربيع مينا : المحنطون .. ليس لها علاقة بتحنيط الملوك ... نتكلم عن الذين يتمسكون ب...

"المحنّطون" ✍🏻 ديانا ربيع مينا
====================

عنوان الإفتتاحية ليس له علاقة بعادة تحنيط الملوك بعد مماتهم التي بدأت مع فراعنة مصر واستمرت حتى اليوم في بعض البلدان، ولا علاقة لها بالذين لا تكفيهم السلطة في الدنيا فيتجهون إلى التحنيط، لعل بقاء أجسادهم يُطيل وجودهم كزعماء، بل تتكلم عن أولئك الأشخاص الذين يصلون إلى سدة المسؤولية رسمية أو حزبية فيتمسكون بمناصبهم بأسنانهم وأظافرهم حتى الرمق الأخير.
وسُنّة الحياة تؤكد أنه كلما كبر الإنسان كلما قلّ عطاؤه وتراجعت قدراته الجسدية والعقلية، وهذا أمر طبيعي لا جدال فيه، إلا أننا إذا نظرنا إلى الواقع الذي نعيشه اليوم نجد أن الأحزاب والجمعيات أصبحت ملكية بالرغم من تغنّيها بالديمقراطية وبمبدأ تداول المسؤولية، ولكن ذلك مجرد شعارات فارغة موجودة فقط في الكتب والدراسات ومعلقة على الجدران في بعض الأحيان.
ونادراً جداً ما سمعنا عن مسؤول في موقع رسمي أو غير رسمي استقال من منصبه لأنه لم يعد قادراً على العطاء بالمقدار اللازم، أو أحجم عن الترشح مراراً وتكراراً حتى لو تطلب الأمر إجراء تعديلات على الأنظمة والقوانين.
وفي أفضل الحالات يستمر هذا الشخص أو ذاك في منصبه إلى أن يتمكن من توريث منصبه إلى أحد أبنائه أو إلى أحد الأقرباء لأنه يعتقد أن منصبه هو ملك شخصي له لا يجوز انتقاله إلى الآخرين وكأن الأمر جريمة لا تُغتفر.
وكثير من هؤلاء مرت عقود على وجودهم في مناصبهم ومواقعهم بالرغم من أنهم أصبحوا محنّطين – أحياء، وكلما بلغوا في العمر عتياً كلما زاد تمسكم بالحياة، وهم يعتقدون أن التقاعد يشبه حكم الإعدام أو أنه يقلل من قيمتهم ومن إنجازاتهم ويضعهم "على الرف" إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
وهنا الطامة الكبرى، فهؤلاء الأشخاص يستحقون التقدير والإحترام على ما قدّموه من تضحيات وبذلوه من جهود، وبالإمكان الإستفادة من خبراتهم وتجاربهم والبناء عليها من أجل مستقبل أفضل وكي يستمر الدولاب بالدوران من جيل إلى جيل على قاعدة التزاوج بين حكمة الكبار وعزيمة الشباب.
وإذا أردنا تقييم وضع الأحزاب والمؤسسات التي أتيح لها تجديد دمها بتسليم دفة القيادة إلى الشباب نجد أنها حققت قفزات نوعية في أدائها وإنجازاتها، فالتجدد أمر لا بد منه تماماً كما تتجدد خلايا جسم الإنسان فيتجدد معها العزم والطاقة والقدرة على العمل.
حبذا لو ينتهي عصر التحنيط وتُبعث الحياة من جديد ويدرك كل واحد منا معنى مقولة: "لو دامت لغيرك ما وصلت إليك".
( بناء الإنسان )