2017/08/24

هالة شكري القوتلي : مسيرة في رحاب الفن التشكيلي

هالة شكري القوتلي في كتاب تشكيلي ..
استعادة الأماكن والمشاهد بواقعية رمزية ..
 
ــــــــــــــــــــــ بقلم: أديب مخزوم ـــــــــــــــــــــــــ
" هالة القوتلي ـ مسيرة في رحاب الفن التشكيلي" هو عنوان الكتاب الذي صدر حديثاً ، متضمناً مجموعة من لوحاتها المنجزة ، منذ مطلع الستينات ، وحتى أحدث أعمالها، أو في مراحلها المختلفة ، ويذكر أنها درست الفن في روما ودمشق، وأقامت معارض فردية ومشتركة ، منذ مطلع الستينات، في دمشق وبيروت ودبي وباريس ولندن وغيرها .

ــــــــــــــــ  من أيام الطفولة ـــــــــــــــ
والكتاب من الحجم الكبير، ومخرج بطباعة فنية أنيقة وفاخرة، وتقول الفنانة في مقدمته : " أنها تهديه إلى وطنها سورية الحبيبة، وإلى زوجها وبناتها وإخوتها ، وتقدم فيه لمحة عن بعض رسوماتها بالريشة والألوان ، عن كل فترة من حياتها عبر السنين " وتضيف : " تعلقت بالرسم من صغري ، وكنت أرسم كل ما أراه من حولي ، وعندما رأى والداي اهتمامي بالرسم أرسلاني إلى روما .. وكانا يشجعاني دائماً في ذلك المجال ، وكانت أول لوحة رسمتها لوالدي ووالدتي ، وكنت من أوائل الرسامات السوريات في ذلك الوقت ، وقد تنقلت كثيراً في بلاد العالم .. واستقريت في دبي ، وأقمت معرضاً فيها عام 1979 . 
وتستعيد في بعض لوحاتها، المنشورة في صفحات الكتاب الأولى، بعض الصور التاريخية النضالية المشرقة، من مسيرة والدها الرئيس الراحل شكري القوتلي ( الذي لقب بالمواطن العربي الأول ، أثر تنحيه عن حكم سورية عام 1958 لصالح دولة الوحدة ) كما تجسد الوجوه ( بورتريهات لأولادها ) والعناصر الانسانية والزهور والطبيعة والبنى المعمارية القديمة في دمشق ودبي ، بعضها مستعاد من معطيات الذاكرة ( الربيع الدمشقي، وباب توما، والجامع الأموي ، والشروق على دمشق ، دمشق وقت الغروب، ربيع دمشق، منظر من دمشق، الفجر في دمشق، دمشق في الربيع، بيت قديم في دمشق، دمشق وحمام السلام وغيرها ) ولوحات عن الأحصنة والقدس ونواعير حماه وغيرها ..
ــــــــــــــ كسر أطراف المشهد ــــــــــــــ

وفي هذه اللوحات تثير مسألة العلاقة بالتراث والحداثة والعفوية اللونية، وتعود إلى مرتكزات الصياغة الواقعية ـ الرمزية، المستمدة من عناصر العمارة والتراث الحضاري، متخلية عن الدقة الواقعية التسجيلية، للوصول إلى تداخل عفوي في تركيب السطوح والعناصر، كما تكسر أطراف المشهد ، من جهاته الأربعة، لتكريس مسارها الأسلوبي، القائم على اللمسة التعبيرية الغنائية النابعة من القلب ( أي من الانفعال ) رغم انحياز العين لها.
هكذا تسعى وراء اللون الطبيعي المحلي، لصياغة فصول تكاوينها التعبيرية التي تدمج بين عدة عوالم وتكاوين ومشاهد (عناصر الطبيعة، بيوت، أشخاص، خيول، وجوه، طيور..) ولم تكن اللمسات العفوية المتحررة التي تبرز في بعض لوحاتها، إلا إعلاناً عن رغبات جمالية حديثة، في خطوات بحثها عن آفاق جديدة أكثر تفهماً لثقافة فنون العصر.
وعلى هذا الأساس يمكن القول أن هالة القوتلي لم تكن عاشقة للرسم الواقعي والرمزي الحديث فحسب، بل كانت ولا تزال تسعى لتحسس المادة اللونية العفوية ، والكشف عن الوهج والحركة وألوان الشمس ، من خلال البحث عن شاعرية النور وإيقاعية الظل، كما لو أن اللون طاقة ضوئية أو شمسية متصاعدة من اللمسة اللونية، التي تعزف حركة الأشكال والأشياء والأماكن والمشاهد، بألوانها العفوية، التي تستفيد أحياناً من أرضية اللوحة البيضاء، وتوازن بين اللمسة والأخرى بحركات مباشرة، تلتقط ألوان وأنوار وأضواء المدن القديمة والنواعير والبيوت والعناصر المطلة على البحر، كما تبدو العناصر معبرة عن تقلبات الحالة الجوية في مشهد المدينة القديمة والطبيعة ، ولقد عملت في مجموعة من لوحاتها، لإظهار رشاقة وحيوية حركة الحصان، المعبر عن البطولة والفروسية والأصالة العربية .  
ــــــــــــــــــ خصوصيات المكان ــــــــــــــــــــ
ورؤيتها التعبيرية شكلت الإطار الذي حفظ خصوصيات المكان، حين جمعت بين صور الواقع ومعطيات المخيلة، وأعادنا إلى الذاكرة اللونية المحلية، التي فسرت في النهاية حساسيتها التشكيلية، في استنطاق المشاهد والعناصر المستعادة في لوحاتها كحلم ومناخ رومانسي ، مع انشدادها الى التعامل مع هذه المشاهد بحنين واضح الى المكان ورموزه وعلاماته . ولقد أتجهت بإنطباعيتها التعبيرية لتسجيل حالات ورؤى داخلية وذاتية ، مستمدة من حياتها ومعايشتها اليومية لألوان البيوت والعناصر التي تعطي فسحة أمل كي لايموت العشب ، حيث تعيد الاخضرار  الى الاغصان، مع اطلالة كل ربيع، في دورة الأيام والشهور والفصول .  
ولم تكتفِ بتصوير أولادها والمعالم السياحية في سورية ودبي وغيرهما, بل آمنت ومنذ البداية ان البحث والاطلاع والتنقيب هو الطريق المفتوح, لكي يحقق رغبتها في التوثيق والتأريخ بأسلوبها الفني، فانطلقت من دمشق إلى المدن والأمكنة الأخرى, وذلك في خطوات التوغل في تأمل المظاهر والأجواء المميزة, والتي شكلت ولسنوات طويلة استراحة رومانسية, وساهمت بتسجيل ولادة جديدة لهذا التراث المعرض لمخاطر الاندثار والزوال . 
ومن أجل ذلك نرى أن لوحاتها تقترب من روح التأليف الانطباعي والواقعية الجديدة والرمزية والتعبيرية النابضة بالأحاسيس الملونة، وهي في ذلك تبرز قدرة في تركيزها لإظهار اللمسات اللونية المتتابعة والمتجاورة، والتي تسري في لوحاتها كمقطوعات بصرية تدخل في صلب التأليف المنضبط بأصول وقيود رغم كل العفوية والحداثة البارزة في حركة الخطوط والألوان .