2017/11/23

سفيرة الشعر العربي في تونس ايناس سلامي : لنحبَّ لوجه الله ... ماذا يحدث على سطح الارض

هاهو النص بعنوان : لنحبَّ لوجه اللّه 
_________________


لا وجود لحب حقيقي لا يكون مصيره الخلود السعيد.

ما يحدث على سطح الأرض هي عمليات خادعة تسمى بالحب، ولكنها تخفي داخلها كل الشرور المتناقضة جوهرياً مع معنى الحب: أتحدث عن حب الامتلاك، والهيمنة، والاستيلاء على خيرات الآخر المادية والمعنوية والجنسية.. إلخ.

الحب هو النور الذي يربط الإنسان إلى كون آخر مختلف تماماً عن هذا العالم الحقير.

فالحب بالأساس سمو في الروح ويقظة في الفكر وصلابة في القيم.. إنه لا يقوم كعملية معزولة بين الأنا والآخر، لكنه ينهض كموقف روحاني من عالم تسليع الإنسان وتسليع القيم: إنه الرحمة مقابل قسوة الأقدار ومكر الآخرين.. إنه الحصن الذي نفر إليه من هيجاء الانحطاط.. وهو الفانوس الذي يضيء طريقنا أثناء رحيلنا المضني للحاق بالحقيقة.

نحن لا نعرف الحب إلا قليلاً جداً.. إنما نسعى ونتمنى أن تلمسنا أنواره فنتخلص من أوثان هذا العالم الداعر ونلحق بمدارات النور.

أصبحنا نعيش أزمة حب خانقة في زمن طغت فيه المادة والجسد على العقل والروح، شوشتنا وسائل الاتصال الحديثة وقصص العشق الدرامية، وانتقلت إلينا عدوى المفاهيم والفلسفات الغربية التي تبدو براقة أنيقة تنضح بالرومانسية الحالمة بما فيها مفهوم الحب والإغراء؛ ليتم تسويقها بشكل جذاب يقبله الجميع، حتى أصبح السواد الأعظم من العشاق يعبرون عن مشاعر مزيفة لمجرد الإعجاب والانبهار الأول ويبوحون بكلام آلي متكرر بلا روح ولا عاطفة.

ومع ترسخ ثقافة المواعدة في أذهان الشباب وتقليدهم الأعمى للغرب العلماني المتحرر، الذي لا يؤمن سوى بالإباحية المطلقة، على أساس أنها انفتاح وحداثة تتماشى مع روح العصر، أضحت العلاقات الغرامية أمراً ضرورياً في حياة كل شاب ومحور اهتمامه، وإلا اتهم بالغرابة والتخلف والرجعية من قبل أقرانه، واستجابة لنداء العاطفة ونظراً لغياب الوازع الديني والأخلاقي، ينسجون في الظلام قصصهم الوهمية بعيداً عن الأعراف والتقاليد المحافظة تحدياً لكل قوانين المجتمع، ويتسابقون من أجل الظفر بلذة عابرة والخوض في مغامرات جديدة، مما يولد الرغبة في التجديد والتنويع ودس مزيد من الحطب إلى لهيب الشهوة الخامدة؛ لهذا ما يلبث الحب أن يتداعى ويسقط في مستنقع آسن مليء بالشك والغيرة والقسوة، وهكذا يتحول الحب من فطرته السليمة القائمة على ائتلاف الأرواح والقلوب، إلى سلعة مادية مستهلكة في إطار علاقات مريضة يشتغل أصحابها بالتنكيل والانتقام لشعورهم الدفين بالتعاسة والألم، فالحب المادي محكوم عليه بالخيبة والملل والفشل ومقضيّ عليه بتغير القلوب وتقلبها إلى الأسوأ.

ولهذا اهتم الإسلام بالتوافق الروحي بين الأزواج، ووضع هذه العاطفة السامية في إطارها الصحيح لتنمو وتثمر فتسمو معها العلاقات الإنسانية، وتظهر معانيها العظيمة على المتحابين في طاعة الله، وما رد إلا الحب الذي يتخلله الرجس والفحش فيكون آخره الزنا والعار.

وإنما الحب الذي أكتب عنه يومياً لا يقف عند حدود الانشغال الحالم بعظمة الأنوثة أو الرجولة.

الحب عندي أساساً هو جوهر من جواهر الوجود، أسلوب من أساليب الحقيقة.. وسند من أسانيد المعنى، الحب الخالي من النفعية.

الحب الذي يمنح دون أن يتوقع الأخذ، الذي ينهمر غيثاً نافعاً على كل البشر، ففي لحظة من لحظات الحب الكبيرة ننسى أننا بصدد علاقة ما مع الآخر.

إذ نتفطن إلى أننا في الحقيقة في حب شامل لخالق هذا الآخر: نحن في نهاية المطاف نحب الله.. ولذلك قلت دوماً إن الحب الحقيقي ينتهي دوماً للانتصار على جميع المشكلات ذلك أن الله ينتظرنا هناك.. على الضفة الأخرى للحقيقة ليوسمنا بوسام النصر والخلود.

طبعاً.. أنا من المؤمنين عميقاً أن الحب لا يكون في خاتمة المطاف إلا رحيلاً خالصاً إلى الله.

لا وجود لأي حل لمشكلات الحب غير المزيد من الحب.. فحين نحب حباً حقيقياً وعميقاً لن يوقفنا شيء عن المضي قدماً صوب الخلود السعيد.