2017/12/04

سفير الاعلام العربي في لبنان ربيع مينا : الجنرال عون يؤكد مقولة الرئيس بحنكة وشجاعة

الجنرال عون يؤكد مقولة الرئيس القوي بحنكة وشجاعة:



"لبنان وطن يصعب استباحته ما دام يعتصم بوحدته الداخلية"
والمفتي دريان يستعيد دور دار الفتوى .
 بقلم ربيع مينا .
________________________
في حوار أجرته صحيفة "لاستامبا" الإيطالية مع رئيس الجمهورية الجنرال ميشال عون خلال زيارته لروما، ذكر الصحافي جوردانو ستابيلي الذي أجرى الحوار معه أن "رئيس الجمهورية أدار بحنكة عسكرية إحدى أصعب الأزمات التي تعرض لها لبنان منذ قرابة عقد من الزمن، والتي تمثلت باحتجاز الرئيس سعد الحريري في الرياض".
وللإنصاف يمكننا القول أن الرئيس عون أدار الأزمة وأوصلها إلى خواتيمها السعيدة ليس فقط بحنكة العسكري فحسب، بل بإرادة الرئيس القوي الذي جمع كل اللبنانيين، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والطائفية والمذهبية، خلف قيادته الحكيمة، مؤكداً أن قوة لبنان بوحدة شعبه وليس بضعفه كما كان سائداً في عهود سابقة، حيث كان لبنان يتلقى الصفعات من القريب والبعيد، من العدو والصديق، وكان يكتفي بالتلطّي خلف ثوب الضعف الذي يتسربل به منذ استقلاله إلى أن أثبت مقدرته على مقارعة خصومه بكل ندّيّة وقوة واستطاع دحر الإحتلال الإسرائيلي عن أراضيه في سابقة لم يعرفها تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي، وصولاً إلى العهد الحالي حيث أثبت الرئيس عون صحة الإصرار على الرئيس القوي قبل انتخابه رئيساً للجمهورية.
عندما أعلن الرئيس سعد الحريري إستقالته من العاصمة السعودية – الرياض كان الإعتقاد السائد، وكانت التحليلات والتوقعات تشير إلى أن لبنان على موعد مع حرب أهلية، أو فوضى عارمة، تتزامن مع حرب خارجية عليه، وأن مصير هذا البلد سيكون أكثر سوءاً من البلدان العربية المجاورة، إلا أن ما قام به رئيس الجمهورية من مشاورات واسعة شملت كل القوى والشخصيات والأحزاب والفعاليات، على خلفية الأزمة، وتعاضده مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، وتمسكه برفض الإستقالة إلا إذا صدرت من لبنان، وما رافق ذلك من تأكيدات أن الرئيس الحريري مضغوط على أمره وهو محتجز في السعودية، واستقالته لم تكن خياره الشخصي، والنجاح في كسب التأييد الشعبي، شبه الكامل، في دعم مواقفه، كلها عوامل أوصلت إلى "الإفراج" عن رئيس الحكومة وعودته إلى بلده.
وكان لافتاً تأكيد الرئيس عون "أن الأزمة الحكومية شكلت للحكم وللشعب اللبناني اختباراً صادماً وتحدياً بحجم القضايا الوطنية الكبرى، يستحيل  إغفالها والسكوت عنها. ولا يجوز التغاضي عن واجب وطني فرض علينا"، مؤكداً أنها "مسألة كرامة وطن وشعب أظهر حيالها تماسكاً وطنياً فريداً، فالسيادة كل لا يتجزأ سواء على الأرض أو في السياستين الداخلية والخارجية". واعتبر عون أن "التعاطي مع لبنان يحتاج إلى الكثير من الحكمة والتعقل، وخلاف ذلك هو دفعٌ له باتجاه النار"، موضحاً "أن وطناً بذل الدماء السخية، شعباً وجيشاً، ضد العدو الإسرائيلي كما التكفيري، وسطر بطولات وتضحيات في تحرير أرضه من الإثنين معاً، ليس وطناً تسهل استباحته ما دام يعتصم بوحدته الداخلية في وجه الفتن التي هي الشر الأكبر".
لقد نجح الرئيس ميشال عون في تخطي الصعوبات والعبور بسلام بين الألغام والمحافظة على كرامة لبنان واللبنانيين، وحوّل قصر بعبدا الذي كان قد أطلق عليه تسمية "بيت الشعب" عندما كان رئيساً للحكومة العسكرية إلى محجة لكل اللبنانيين وللبعثات الدبلوماسية والوفود الأجنبية التي تأكدت يقيناً أن لبنان الصغير بحجمه كبير بشعبه وهو عصي على الرياح العاتية التي تعصف في أرجاء المنطقة.
وهكذا استعاد لبنان حرية رئيس حكومته، وبالتفاهم بين الرؤساء الثلاثة: ميشال عون، نبيه بري، سعد الحريري كان التراجع عن الإستقالة، وكانت المشاورات مع الأحزاب والكتل البرلمانية لإنضاج تسوية تعيد ترسيخ مبدأ النأي بالنفس، وتعيد الحياة إلى اتفاق الطائف، وتؤكد إلتزام لبنان بعلاقاته مع البلدان العربية بعيداً عن المحاور والصراعات الإقليمية.
وبالتوازي مع  حركة الرئيس ميشال عون كان لافتاً حراك مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان الذي استطاع إستعادة الدور المحوري لدار الفتوى، هذا الدور الذي افتقدته الدار منذ العام 1989 باغتيال المفتي الشهيد حسن خالد، إذ فتحت دار الفتوى، بالتوازي مع قصر بعبدا أبوابها، بُعيد استقالة الرئيس الحريري، أمام القيادات السياسية والدبلوماسية للتشاور مع المفتي دريان باعتباره رأس هرم الطائفة السنية التي ينتمي إليها الرئيس الحريري، بغية البحث عن حلّ للأزمة المستجدة وإمتصاص غضب الشارع والتأكيد على أن دار الفتوى هي دار كل اللبنانيين وليس المسلمين فقط.
وهكذا أكد المفتي دريان أن المشاورات والحوار الهادئ والحكمة في معالجة الأمور هي ضرورة وطنية خاصة في ظل الظروف الدقيقة التي يمر بها لبنان، مع التأكيد على تفهم أسباب استقالة الحريري والتريّث في اتخاذ أي موقف منها، وضرورة التماسك الداخلي والمحافظة على الوحدة الوطنية.
وبذلك استطاعت دار الفتوى التأكيد أنها صمام أمان وأن الطائفة الإسلامية السنّية ليست مجرد طائفة بل هي بحجم وطن وأنها حريصة على الوحدة الوطنية بغض النظر عما أصابها في الماضي من ضعف، وما قدمه بعض قياداتها من تنازلات هنا وهناك.
لبنان نجح في تجاوز قطوع إستقالة الرئيس الحريري، ويعود الفضل في الدرجة الأولى إلى حنكة وشجاعة الرئيس ميشال عون الرئيس القوي فعلاً وليس قولاً، وإلى بُعد نظر مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، وإلى اللبنانيين عامة، وقياداتهم السياسية خاصة، وإلى المواقف الدولية الداعمة والمساندة.