2018/01/04

سفير الاعلام العربي في لبنان ربيع مينا : طرابلس بحاجة الى من احبها وأحببته ...

في ذكرى رحيل الرئيس عمر كرامي:


ربيع مينا 

سفير الإعلام العربي في لبنان رئيس جمعية بناء الإنسان الخيرية .
"طرابلس بحاجة إلى من أحبها وأحبته".
=====================
قبل ثلاث سنوات رحل زعيم طرابلس، رحل الرئيس عمر كرامي الطرابلسي حتى النخاع، إبن رجل الاستقلال، الزعيم العروبي عبد الحميد، وشقيق الشهيد الرشيد. لم يكن عمر كرامي مجرد وريث لوالده وشقيقه وضعته الظروف في زعامة عائلته، بل كان زعيماً بكل معنى الكلمة، أحب طرابلس بجنون ولكن على طريقته، بغيابه خسر لبنان أحد كبار أعمدته الوطنية، وهو القائد الكبير المترفّع عن الصغائر السياسية، والذي كان يحمل هموم لبنان والوطن العربي، ذلك العاشق لفلسطين التي سكنت ضميره ووجدانه.
بعد مرور ثلاث سنوات على رحيله فإن "أبا خالد" ما يزال خالداً في ذاكرة الطرابلسيين الذين كانوا يكنون له كل احترام وتقدير ومحبة، سواء من إلتقى منهم معه في مواقفه السياسية أو من اختلف، لأنهم يدركون طيبة ذلك الرجل العظيم، سليل عائلة لها بصمات دامغة في مختلف القضايا السياسية والاجتماعية والإنسانية والدينية.
لقد كان الراحل قيمة وطنية وإنسانية كبيرة، وصوتاً حكيماً في أحلك الظروف وأصعبها التي مرت على لبنان عامة وطرابلس خاصة، وكان مدركاً لمعنى لبنان التعايش بين مختلف مكوّناته، فسلك نهج الاعتدال، وكما كان شقيقه الراحل الرئيس الرشيد، كان عمر كرامي من القيادات القلائل الذين نبذوا العنف، لم تتلطخ يداه بالدماء، لم تكن لديه ميليشيا لأنه لا يؤمن بالعنف والاقتتال بين الأشقاء والشركاء في الوطن، ولأن زعامته لم تقم على أكتاف وآلام الآخرين بل نتيجة لدوره ومواقفه الوطنية.
كان عمر كرامي صاحب نكتة لاذعة، كان بشوشاً يستقبل محبيه بابتسامة عريضة، لم يقفل مكتبه أو داره بوجه أحد، وبالرغم مما تعرض له من ضغوطات ومحاولات إقصاء من مقربين وبعيدين عنه إلا أنه بقي شامخاً شعاره الكرامة أكبر من المال، لم يساوم من أجل فتات الدنيا، لم يستجدِ منصباً أو يسعى إليه، وما تزال قضية تقديمه استقالة حكومته من على منبر مجلس النواب بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، خير شاهد على نزاهته وزهده وإنسانيته ووطنيته، وهو المدرك بأن الوطن أغلى من كل المناصب .
 بقي زعيماً كبيراً في طرابلس المدينة الوفية لآل كرامي، وبقي مرجعاً ورقماً صعباً لا يمكن تجاوزه في وقت راج فيه شراء الذمم والأصوات.
كان الرئيس الراحل صوتاً رصيناً يدعو إلى الحوار، وركناً أساسياً من أركان مدينة كانت وستبقى منارة الإشعاع الوطني وعنواناً للاعتدال والعيش الواحد بين مختلف أطيافها وأبنائها، فكان محور التلاقي على الثوابت الوطنية وقواعد العمل السياسي النزيه، كل همه مدينته وناسها وحقوقها.
في كل المحطات السياسية والانتخابية كان الكل ينتظر ما سيقوله عمر كرامي بلهجته الطرابلسية المحببة.
في يوم وفاته جمع كل الأضداد، كما في حياته، جمعهم في مأتمه المهيب، كما جمعهم في تقاطع مواقفهم وتصريحاتهم بشأن هذا العملاق الكبير الذي رحل في أحلك الظروف، حيث الانقسامات السياسية والطائفية والمذهبية عامودياً وأفقياً، وفي وقت كان فيه لبنان بأمسّ الحاجة إلى قامة وطنية من أمثال عمر كرامي.
في ذكراه  كم نحن بحاجة إلى أمثال الرئيس عمر كرامي في هذا الليل العربي الحالك السواد، ولو كان "أبو خالد" ما يزال حياً ماذا سيقول في كل ما يشهده لبنان من انقسامات وخلافات على الحصص الوزارية وصراعات على اقتسام البلد بين أصحاب المصالح؟
وماذا سيقول في الوضع العربي البائس حيث خرجت فلسطين من دائرة اهتمامات العرب، وحيث تسيل الدماء البريئة مغرقة الأرض العربية، وحيث الدمار الهائل في العديد من الدول العربية، وحيث الصراعات الطائفية والمذهبية تتصدر المشهد العربي البائس؟
رحم الله الرئيس عمر كرامي وأدخله فسيح جناته مع الأنبياء والشهداء والصديقين.