2018/04/13

ربيع مينا التخلي عن الارتهان ... بفضل دخول السياسة


التخلي عن الإرتهان ! بقلم ربيع مينا                                  
( بناء الانسان )                      


                                         
----------------------------------------
لا شكّ أن النقابات والإتحادات والجمعيات والمؤسسات الأهلية والمدنية كانت تعيش قبل حرب العام 1975 عصراً ذهبياً بامتياز، هذا ما تتناقله الأخبار والأحاديث لأجيال ما بعد هذه المحطة المفصلية والهامة، وهذا ما تزال تحتفظ به ذاكرة من عايشوا تلك المرحلة.
فقد كانت تلك النقابات والإتحادات والمؤسسات تحمل قضايا وهموم الناس الوطنية والعربية والإنسانية ومطالبهم وحقوقهم الاجتماعية والمعيشية. في ذلك الزمان كانت أبسط القضايا تُحرّك الشارع وتهزّ أركان الدولة فارضة عليها تحقيق ما يطالب به الناس.
لقد خاض، على سبيل المثال، الاتحاد العمالي العام واتحاد الطلبة ونقابات المهن الحرة جولاتٍ وصولاتٍ كثيرة وقدمت تضحيات جسام من الأرواح والأملاك والحريات، وكان الشارع يلتفّ حولها بكل ما أوتي من قوة، قوة الإيمان بالحق والعدالة.
أما مرحلة ما بعد الحرب فقد شهدت مواتاً كاملاً بفضل دخول السياسة وهيمنتها على النقابات والإتحادات، وبالتالي إفراغها من محتواها ونزع الصفة الشعبية عنها، فأمعن السياسيون في شرذمتها وتشتيت قواها وإلحاقها بالزعيم والمسؤول، وصار الهم الوحيد إرضاء السياسيين فقط لا غير.
وبالرغم من الأوضاع المعيشية الصعبة جداً لم نعد نرى تظاهرة أو اعتصاماً أو مهرجاناً من أجل لقمة العيش وحبة الدواء والمقعد الدراسي، بينما تغصّ الشوارع والساحات تلبيةً لنداء هذا السياسي أو ذاك أو لدوافع طائفية ومذهبية.
بالأمس البعيد كان هناك من يحاول كمّ الأفواه الجائعة وتقييد السواعد الثائرة بشتى وسائل وأدوات الترهيب، أما في يومنا هذا فإن هذه الأفواه، بالرغم من حجمها الكبير والمتزايد، لا تصرخ من أجل حقوقها بل تصرخ لإرضاء أسيادها وكأن الجوع لم يعد كافراً.
إزاء ما نحن عليه اليوم من أزمات اجتماعية ومعيشية وإنسانية، ولأن الناس بحاجة إلى من يقودهم ويسير بهم في الاتجاه الصحيح، لا بدّ من دعوة النقابات والإتحادات والجمعيات والمؤسسات الأهلية والمدنية إلى ضرورة العودة إلى الأصالة، وأن تأخذ دورها في المطالبة بحقوق الناس والدفاع عنهم، والتخلي عن الإرتهان للسياسة والسياسيين، بل لا بدّ من إعادة إنتاج هذه القوى المجتمعية انطلاقاً من حاجة المجتمع المدني إليها بدلاً من أن تكون من إنتاج القوى والأحزاب السياسية التي تخوض الانتخابات، عادة، بدافع تحقيق المكاسب السياسية وتسجيل إنتصارٍ هنا أو هناك، وبعد الانتخابات كأن شيئاً لم يكن، فلا اهتمام أو دفاع عن حقوق الناس ومصالحهم وحقوقهم الإنسانية والاجتماعية والصحية والتعليمية.
وإذا كانت كل القوى السياسية تتشارك في الحكومات فلا يعود هناك من موالاة أو معارضة، وينتفي مبدأ الحساب والعقاب حتى في المؤسسة التشريعية (المجلس النيابي)، ولا يرتفع صوت واحد معترض إلا بشكل فلكلوري وعلى شاشات التلفزة، فإن عودة الحياة إلى مؤسسات المجتمع المدنية هي الكفيلة ليس في تبني مطالب الناس فحسب، بل في محاسبة السياسيين على أدائهم في صندوقة الإقتراع.
كلنا أمل باستعادة أمجاد العصر الذهبي الذي دفنته السياسة يوماً، فهل يتحقق الأمل ... ربما ؟!