2019/09/22

الدكتورة امينة رضوان : حقوق الأجراء في نظام صعوبات المقاولة عرف المغرب ...






عرف المغرب نظام الإفلاس مع بداية مرحلة الحماية الفرنسية؛ فقد تضمّن القانون التجاري تضمن بتاريخ 12 غشت 1913، في كتابه الثاني، مقتضيات تهم "الإفلاس والتفالس والتصفية القضائية ورد الاعتبار". وكان الهدف من هذا القانون تصفويا محضا، يتمثل في أداء الديون، بحيث لم يكن يعر أية أهمية للمقاولة المدينة كخلية اقتصادية ومنشأ مصالح متباينة يجب العمل على حمايتها. 
وبعد مرور أكثر من ثمانية عقود ونيف، تنبّه المشرع إلى هذه المسألة. ومن ثم، ارتأى أن يستبدله بنظام آخر يكون أكثر ملاءمة للظرفية الاقتصادية الحالية، يتعلق الأمر بـ: "نظام معالجة صعوبات المقاولة"، الذي تضمّنه الكتاب الخامس من القانون رقم 95/15 بمثابة مدونة التجارة الجديدة. وقد عمل هذا النظام الجديد على استشعار الصعوبات في مهدها والوقاية منها بإحداث آليتي الوقاية الداخلية والوقاية الخارجية، وقيامه على الفلسفة العلاجية، بحيث أصبح لا يلجأ إلى التصفية القضائية إلا بعد فشل مخططي الاستمرارية والتفويت.
ولا يعني مرور المقاولة أو المؤسسة بصعوبات اقتصادية بالضرورة توقف نشاطها، إذ إن هذا الأخير يتابع حتى بعد إصدار حكم التسوية القضائية، مما يعني استمرار عقود الشغل، والحفاظ على مناصب تشغيل الأجراء، إلا إذا دعت الضرورة القصوى إلى إنهاء البعض منها، حيث يكون ذلك وفق مسطرة حمائية تنظمها المواد من 66 إلى 71 من م. ش.
وقد تنبّه المشرع كذلك إلى ما يترتب في ذمة المقاولة المدينة من ديون، بما فيها دين الأجير؛ فمتع هذا الأخير بحماية خاصة. كما سخر مجموعة من الأجهزة القضائية وغير القضائية للسهر على حماية المصالح الموجودة بالمقاولة، بما فيها مصلحة الأجراء. ومن بين تلك الأجهزة نذكر: مراقب الحسابات، الذي يعد المعلن عن الوقائع التي من شأنها الإخلال باستمرارية الاستغلال؛ والسنديك المكلف بتسيير عمليات التسوية والتصفية القضائية، ابتداء من تاريخ صدور فتح المسطرة حتى قفلها؛ والقاضي المنتدب الساهر على السير السريع للمسطرة وعلى حماية المصالح الموجودة بها، بالإضافة إلى تنامي دور جهاز القضاء في التدخل في مسطرة المعالجة، حيث لم يعد دوره بعديا يقتصر على فض النزاعات والخلافات التي قد تطرأ؛ بل أصبح دوره قبليا.
ويتجسد هذا الدور المنوط بجهاز القضاء في مجموعة من المقتضيات 
التي تتخلل مدونة التجارة؛ كسلطة المحكمة في الفتح التلقائي للمسطرة، واختيارها للحل المناسب لتسوية وضعية المقاولة، وموازنتها بين العروض، والرقابة على الفصل الاقتصادي للأجراء، إلى غير ذلك من المقتضيات التي تؤكد غلبة الطابع الاقتصادي لوظيفة القضاء على الوظائف القانونية الكلاسيكية أو التقليدية.
ولما كان عنوان هذا الكتاب هو: " حقوق الأجراء في نظام صعوبات المقاولة"، فقد ارتأينا أن نلقي نظرة على مفهومي "الأجراء" و"صعوبات المقاولة"، قبل التعرض لأهمية الموضوع وتحديد الإشكالية وعرض خطة البحث.
أولا - مفهوما الأجراء وصعوبات المقاولة
أ - مفهوم الأجراء
ورد في معجم المصطلحات القانونية للأستاذ عبد الواحد كرمأن الأجير هو: "الشخص الذي يلتزم بأداء الشغل"، وعرفته المادة الأولى من قانون العمل المصري الجديد رقم 12 لسنة 2003 بأنه: "كل شخص طبيعي يعمل لقاء أجر لدى صاحب العمل وتحت إدارته وإشرافه"، وورد في المادة الثانية من قانون العمل اللبناني الصادر بتاريخ 23 أيلول 1946 أن الأجير هو: "كل رجل أو امرأة أو حدث يعمل بأجر عند رب العمل في الأحوال المبينة في المادة السابقة بموجب اتفاق فردي أو إجمالي خطيا كان أو شفهيا"، وعرفته المادة الأولى من قانون العمل بالمملكة الأردنية الهاشمية (قانون مؤقت رقم 51 لسنة 2002) بأنه: "كل شخص طبيعي يعمل لقاء أجر لدى صاحب العمل وتحت إدارته وإشرافه"، ونصت الفقرة الأولى من المادة السادسة من م. ش على أنه: "كل شخص التزم ببذل نشاطه المهني، تحت تبعية مشغل واحد أو عدة مشغلين لقاء أجر أيا كان نوعه وطريقة أدائه".
وبخصوص الفقه، عرّفه الأستاذ محمد الشرقاني بأنه: "كل شخص طبيعي / ذاتي يشتغل شخصيا تحت تبعية المشغل مقابل أجر، أو هو بعبارة موجزة المرتبط بمقاولة ما بعقد شغل". وعرّفه الأستاذ المصطفى شنضيض بأنه: "كل شخص، سواء كان ذكرا أم أنثى، التزم بالقيام بعمل، لقاء أجر، في خدمة مشغل واحد (أو عدة مشغلين) تحت إدارته وإشرافه ومراقبته".
ونرى أن كل هاته التعاريف التي أضفيت على الأجير، سواء منها التشريعية أم الفقهية، هي متقاربة فيما بينها؛ فجميعها تؤكد أن الأجير هو "كل شخص طبيعي يؤدي عمله

 تحت تبعية المشغل لقاء أجر".
ب- مفهوم صعوبات المقاولة
إذا كان القانون التجاري المؤرخ في 12/08/1913 عرّف الإفلاس في المادة 197 منه، فإن مدونة التجارة لم تعرّف صعوبات المقاولة، وإن كان المشرع المغربي استعمل عبارة الوقائع. ولا تتخذ هذه الأخيرة شكلا وحيدا؛ بل إنها تختلف حسب المرحلة التي وصلت إليها المقاولة. في مرحلة الوقاية، يعبر عنها بـ"الوقائع التي من شأنها الإخلال باستمرارية الاستغلال (المادة 546 من م. ت)". وفي مرحلة المعالجة، يعبر عنها بأنها تلك التي تجعل: "... وضعية المقاولة ليست مختلة بشكل لا رجعة فيه...(المادة 658 من م. ت). وفي مرحلة التصفية القضائية هي التي تجعل: "... وضعية المقاولة مختلة بشكل لا رجعة فيه... (المادة 619 من م. ت)".
وإن المساطر القانونية الكفيلة بتصحيح هذه الوقائع تتمثل إما في الوقاية الداخلية 
أو الوقاية الخارجية.
1/ مرحلة الوقاية الداخلية:
وتتمثل إجراءات هذه المرحلة في:
- تبليغ مراقب الحسابات -إن وجد- أو أيّ شريك في الشركة لرئيس المقاولة الوقائع التي من شأنها الإخلال باستمرارية الاستغلال، داخل ثمانية أيام من اكتشافه لها برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل يدعوه فيها إلى تصحيح ذلك الإخلال.
- إذا لم يستجب رئيس المقاولة لذلك خلال خمسة عشر يوما من التوصل أو لم يصل شخصيا أو بعد تداول مجلس الإدارة أو مجلس المراقبة، حسب الأحوال، إلى نتيجة مفيدة، وجب عليه العمل على تداول الجمعية العامة المقبلة في شأن ذلك بعد سماعها لتقرير المراقب (المادة 546 من م.ت).
- في حالة عدم تداول الجمعية العامة في الموضوع أو إذا لوحظ أن الاستمرارية ما زالت مختلة، بالرغم القرار المتخذ من قبل الجمعية العامة، أخبر رئيس المحكمة بذلك من قبل المراقب أو رئيس المقاولة (المادة 547 من م. ت).

2/ مرحلة الوقاية الخارجية:

وتنقسم إلى طريقتين اثنتين:
- فبالنسبة إلى الطريقة الأولى، يقوم رئيس المحكمة باستدعاء رئيس المقاولة في الحالة المنصوص عليها في المادة 547 المشار إليها سالفا، أو في الحالة التي يتبين له من كل عقد 
أو وثيقة أو إجراء أن شركة تجارية أو مقاولة فردية تجارية أو حرفية تواجه صعوبات من شأنها أن تخل باستمرارية استغلالها، قصد النظر في الإجراءات الكفيلة بتصحيح الوضعية. وفي نهاية هذا الاجتماع، يمكن لرئيس المحكمة، على الرغم من أية مقتضيات تشريعية مخالفة، أن يطلع على معلومات من شأنها إعطاؤه صورة صحيحة عن الوضعية الاقتصادية والمالية للمدين؛ وذلك عن طريق مراقب الحسابات أو الإدارات أو الهيئات العمومية أو ممثل العمال أو أي شخص آخر (المادة 548 من م. ت). وإذا تبين أن صعوبات المقاولة قابلة للتذليل بفضل تدخل أحد الأغيار، يكون بمقدوره تخفيف الاعتراضات المحتملة للمتعاملين المعتادين مع المقاولة، عينه رئيس المحكمة بصفة وكيل خاص، وكلّفه بمهمة وحدد له أجلا لإنجازها (المادة 546 من م. ت).
- أما الطريقة الثانية، فهي التي تعرف بالتسوية الودية التي تكون مفتوحة أمام كل مقاولة تجارية أو حرفية، من دون أن تكون في وضعية التوقف عن الدفع، تعاني صعوبات قانونية أو اقتصادية أو مالية أو لها حاجات لا يمكن تغطيتها بواسطة تمويل يناسب إمكانات المقاولة (المادة 550 من م. ت).
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الصعوبات لا تقف عند هذا الحد، وإنما يمكن أن تصبح عبارة عن توقف عن الدفع؛ لكن دون أن تصبح وضعية المقاولة مختلة بشكل لا رجعة فيه. وفي هذه الحالة، تتم مواجهة هذه الصعوبات - بعد الحكم بالتسوية القضائية- إما باعتماد مخطط الاستمرارية أو مخطط التفويت، حتى إذا استعصى العلاج تم الحكم بالتصفية القضائية.
وصفوة القول، فإن وقوع المقاولات والمؤسسات في صعوبات اقتصادية وأزمات مالية يؤثر على جميع العناصر المشكلة لها والمتعاملة معها. ويبقى "الأجراء"
هم أكثر هذه العناصر تضررا وتأثرا؛ لأن الأمر يتعلق بالشغل الذي يعد الحاضر والمستقبل بالنسبة إليهم، وأيضا حاضر ومستقبل من يعيلونهم، وهو الأمر الذي يستلزم من المشرع أخذه بعين الاعتبار، وذلك بمنحه للطبقة الشغيلة ضمانات كافية حماية لحقوقها في إطار نظام معالجة صعوبات المقاولة.

ثانيا: أهمية الموضوع
إن خضوع المقاولات لصعوبات اقتصادية وأزمات مالية يكون له الوقع السلبي على جميع العناصر المشكلة للمقاولة، من دائنين ومتعاملين ومتعاقدين معها، وغيرهم؛ غير أن أكثر المتضررين هم الأجراء، ما دام الأمر يتعلق بعقود شغلهم، التي ستصبح مهددة بالإنهاء بين الفينة والأخرى. ويزداد الوضع حدة مع غياب نظام التأمين على البطالة الذي أصبحت تأخذ به أغلب التشريعات المقارنة، كمصر وفرنسا. من هنا، يأخذ الأجراء في التفكير حول المصير الذي ينتظرهم بعد الفصل، خاصة في ظل انعدام أية عروض للطلب على الشغل.
لكل هاته الاعتبارات وغيرها، وقع اختيارنا على موضوع " دور القضاء التجاري في حماية حقوق الأجراء في مسطرة صعوبات المقاولة "، للبحث والتنقيب عن الضمانات القانونية لحماية الطبقة الشغيلة والتي تخللت مقتضيات القانونيين رقم 95-15 بمثابة مدونة التجارة ورقم 99 -65 بمثابة مدونة الشغل.
ثالثا: إشكالية الموضوع
إن موضوع هذا الكتاب، المتمثل في "حقوق الأجراء في نظام صعوبات المقاولة"، ينم عن طبيعة الإشكالية التي سوف نعمل على تحليلها وبحثها؛ وهي، كما يبدو جليا، ستستهدف ماهية الضمانات التي يوفرها القضاء للأجراء عند فتح مسطرة معالجة صعوبات المقاولة ، عند اجتياز مقاولتهم أو مؤسستهم لأزمة اقتصادية. 
وفي هذا الصدد، يمكن إثارة الأسئلة التالية:
- ما مصير عقود شغل الأجراء أثناء فتح مسطرة المعالجة؟
- ما خصوصيات مسطرة الفصل لأسباب اقتصادية للأجراء؟ وهل تتضمن
أية مقتضيات حمائية تخص الطبقة الأجيرة؟
- ما طبيعة الحماية التي خص بها المشرع دين الأجراء؟
- أيّ دور للأجهزة القضائية وغير القضائية المتدخلة في مسطرة معالجة صعوبات المقاولة في إقرار الحماية للطبقة الأجيرة؟

رابعا: تقسيم الموضوع
لمعالجة موضوع "حقوق الأجراء في نظام صعوبات المقاولة"، سوف نعتمد منهجا ثنائيا وفق فصلين اثنين، إذ نخصص الفصل الأول لآليات حماية حقوق الأجراء في نظام صعوبات المقاولة. ونعالج في الفصل الثاني أهم الأجهزة المتدخلة لحماية حقوق الأجراء عند فتح مسطرة معالجة صعوبات المقاولة.
5