2020/09/30

الاديبة عبير المدهون : لماذا أنا بالذات !؟

 


اليوم وبينما كنت مستلقية على سريري ، أشعر باختناق وضيق شديدين ، ولا أعلم سبب ذلك ! راودتني أسئلة كثيرة : أهي الظروف المحيطة بي مَن ولدت هذا الشعور ؟ أم هي الغربة ؟ أم الشعور بالمسؤولية ؟ أم هي الوحدة ؟ بعيدة عن الأهل والأصدقاء ، أم هي اللغة التي تخنقني ؟ كل تلك الظروف تطبق على صدري فتشعرني بالضيق وعدم الارتياح .

فجأة سمعت صراخ ابنتي تستغيثان بي : أمي ، أمي ، هناك شيء ما يتحرك تحت السرير ، أغيثينا فقد أصابنا الفزع أماه .

ارتبكت ، وأصابني الفزع ، والخوف والذهول ؛ لكوني أعيش وسط غابة تعج بالحياة والحيوانات ، والطيور المختلفة ، فقمت مسرعة بدون تفكير، وقلبي يدق ، ويخفق بين ضلوعي بشدة من الخوف ، والأفكار تشتعل في رأسي تموج يمنةً ويسرة ، فربما كانت أفعى ، وربما سنجاباً ، وربما هو ثعلب صغير أو أرنب بري . تخيلات وأفكار كثيرة تصارعت في رأسي ، لكنّ كلّ همي كان حماية طفلتي . اتجهت مسرعة دون وعي إلى غرفة البنات ، اقتربت من السرير قليلاً ، انحنيت على الأرض علّي أستوضح الأمر ، وعندما نزلت لأستجلي الأمر  ومعرفة المجهول الذي كان يختبئ تحت السرير، ويتحرك بطريقة غريبة ، وإذ بي أمام عصفور صغير فائق الجمال ، تزركشه ألون بهية صفراء ، وزرقاء ، بلبل صغير يضرب بجناحيه الصغيرين كلّ شيء حوله ، يحاول الوقوف على ساقيه دون جدوى .

حاولت جاهدةً أن أصل إليه وسط صراخ ابنتي وهُنّ يحذرنني كي انتبه حتى لا ينقر يدي ، أو يجرحني . لكنني لم أكترث لتحذيرهن ،بل انقضضت عليه كشبكة صياد احترف مطاردة الطيور . وما أن أطبقت كفي عليه حتى استسلم لي تماماً. شعرت بالاستغراب رغم شعوري بدقات قلبه الصغير المتسارعة في يدي. نظرت إليه جيدًا وأنا أتساءل : لماذا تركت تلك الغابة الواسعة الرائعة وجئت إلى منزلي ؟ ألم ترَ أنّ أطفالاً صغاراً يتواجدون في المكان ؟ شعرت أن هناك نظرة حزن في عينيه ، كنت أسمع فراخ العصافير وهي تقف على غصن الشجرة المقابلة للنافذة وكأنها تنادي عليه ! نظرت جيداً إلى مخالبه الصغيرة وإذ بكتلة من شعر وصوف تقيدها ، لا أعلم من أين علقت بها !؟ ولكن كل ما شعرت به أن هذا الطائر لم يدخل غرفتي بالصدفة . شعرت أنّ الله مَن أرسله لي ، وأرسلني إليه حتى أساعده . حاولت فك كتل الشعر والصوف بكل عناية من مخالبه الصغيرة ، والتي كانت تمنعه من القدرة على الوقوف . كنت أتمتم لمَ أنا بالذات ؟ نسيت همومي وبدأت أفكر فقط كيف أحرره مما هو فيه ؟ كنت أشعر أن روحي هي المقيدة بأغلال الشعر ، كنت أشعر كم هو في ضيق،  ولكنه كان مستسلماً لإرادة الله . فإما أن أحرره بعد ذلك ، أو أضعه في قفص صغير حتى يستمتع برؤيته صغاري . لكنني كنت أحدثه بصمت ، لا تخفْ يا صغيري ، فأنا مثلك أتوق إلى الحرية ، أتمنى أن أحلق عالياً وأبتعد . أريد أن أتحرر من كل ما أنا فيه من قيود .. ووسط صراخ ابنتي وهُنّ يرجونني أمي أرجوك لا تحرمينا منه ، أبقيه في المنزل ، وسنشتري له قفصاً صغيراً ليعيش فيه .إلا أنني لم أكن أستمع سوى لنظرات الحزن في عينيه الصغيرتين ،  ولصوت في داخل قلبي يقول : حرري روحك وحرريه. 

خرجت مسرعة إلى حديقة المنزل حافية القدمين ، أحمله في يدي ، وما أن وصلت إلى المنتصف وسط صراخ ابنتي راجيات متوسلات أن أبقيه ؛حتى رفعت يدي إلى الأعلى ، أُطلق له العنان ليعانق السماء . كنت أحرر روحي قبل أن أحرره ليعانق الحرية مرة أخرى ، وكم كانت سعادتي كبيرة وأنا أراه يطير مره ثانية ،تلحق به العصافير الصغيرة وهي تغرد بفرح وسرور ، وكأنه أسير أُطلق سراحه ليعانق الحرية مرة ثانية في مشهد لن يتكرر ، وأنا اغرق في حديث نفس لا أجد له إجابة . لماذا دخلت منزلي أنا بالذات ؟؟؟

   🦋🦋عبير المدهون 

29/9/2020م