2020/09/10

مديرة الشبكة العربية في تونس ايناس سلامي رغم قسوتها ... لا تتغير

 


رغم قسوتها.. لا تتغّير

 

في حياتنا، قد نختلف بالأواصر، الثقافات، اللغات ووجهات النظر، الرغبات والطموح، الأرزاق والنصيب إلا هناك دائماً كلمات مفتاحيةوأهداف أساسية حياتية تجمع اختلافاتنا؛ كالسعادة، السلاموالنجاح وهذا لأنه غذاء أرواحنا جميعاً باختلاف الأديان والأطيافوالمعتقدات ؛ الحب والحب يعني الحياة، الحياة التي لطالما كانتمركز جدل الانسان في فهمها ومواكبة تغيراتها الزمانية على مدىالعصور والتي دائماً نتوجه باتجاهاتنا وفق رغبتها ووفق الامتحاناتالتي تمتحننا إياها عن طريق القدر.

لطالما الحياة كانت قاسية الدرس معنا جميعاً، فهي شبيهة بالمعلمالصارم، الذي يهابه كل طلابه، فهو سلاح ذو حدين بعض طلابهيجتهدون فينجون والآخرون ضعفاء الأنفس يستسلمون بعد أولاختبار قاسي لهم، أعلم بأنه ليس سهلاً على الإطلاق أن نتعرضلخيبات الأمل ونواجه ظروف وتجارب حياتية صعبة وتضيع مشاعرناوتوقعاتنا على أشخاص لا يستحقون وفي كل مرة نبذل مجهودلإرضاء الجميع فلا نُكافَئ، وكيف لا يطرأ علينا أي تغيير فيشخصنا وأنفسنا بعد كل هذا، وهل يوجد أسهل من أن نغضبونحقد فنكره ونصبح قُسَاة قلب وبدن.

قد تسير آلاف الأميال وتمضي بك عشرات السنين وأنت تحاول، وفي كل مرة توشك بها على الوصول فتفاجئك الحياة بخيبة جديدة، تجعلك تتوقف منحني الرأس متعب ومجهم ولا طاقة للمزيد، ها هيتتنوع ردود أفعالنا لهذه الخيبات على شكل عصبية، أو أمراضبدنية ونفسية، أو لبكاء وأحياناً كثيراً لصمت أو ضحكات زائفةفتتحول لشخص نَكَّات أكثر من اللازم أو لاستسلام تام.. فموت.

سبق وأن بمرور السنين في غربتي أن أصادف بعض المشردين فيالشارع فأتفاجئ بأنهم مثقفون، بعضهم يتحدث أكثر من لغةوالبعض الآخر يمتلك معلومات ثقافية وسياسية ودينية أكثر منالطبيعيين الذين نقابلهم في حياتنا اليومية بين زملاء دراسة أو عمل، أصدقاء مقربين، عائلة ومنزل، ولا يكون لي ردة فعل إلا أنني أتسألما الذي واجهه هذا الشخص أو تعرض له من قهر وحصل له منظروف صعبة كي يصل لهذه المرحلة القاسية من الحياة بلا مأوىوبلا أدنى حقوق إنسان كريمة كالتعليم، الصحة، العمل، الأمانوالاستقرار، شريك حياة فأطفال وعائلة صغيرة سعيدة، فهكذايُطحَن ؟ لابد أنه القدر المعروف بحَزمِهِ وقسوته معنا على شكلدروس وخيبات أمل متنوّعة أشكالها كقصة حب فاشلة، كحلم لميكتمل، كمشروع وأفلس، كغدر وخيانة، ككذب وقلة أصل … وفيكل مرة اكتشف نفسي كم هي صغيرة أمام عملاقة هذه الحياةوأقدارها فأزداد خوفاً، أن يدور بي الزمان فيرهقني تعبهم هذا، فاللهم إني أسألك دائماً لُطّفَ الأقدار.

?

ما الذي قد يُوِصل الإنسان لهذه المرحلة من الضياع رغم أنه كنزثمين أعزه خالقه، ولماذا الحياة تخفي كينون جماله بالصعوباتوالضغوطات بالفقر والحروب، حتى تأكدت بأن القدر المعروفبِحَزمهِ هذا ملهم عظيم لنا، قد لا نفهم دروسه في البداية ولكن بعدأن تَمُر بنا السنين ونواجه مواقف أخرى صعبة فنجد نفسناواجهناها ونجونا منها وتطرأ علينا تغييرات تشعرنا كم نحن أقوياءوأكثر حكمة من الماضي، نعي ذلك ونشكر هذا المعلم الذي يقسوعلينا أحياناً كي ندرك الصواب، ونجده مصباح عتمتنا يوم أراناالطريق الصحيح والفرصة الجديدة دائماً موجودة طالما نتنفس علىهذا الكوكب ؛ هناك شيء ما يستحق الحياة ونحن نستحق الحياةطالما أحياء.

أصبحت أعي جداً بأنه بأيدينا نصبح مشردين أو نصبح طبيعيين، ننجو من العدم إلى شيء ما.. لستُ أعلم ماهية هذا الشيء إلا أننيدائماً متيقنة أن هناك شيء جميل يختفي وراء كل هذا وأن كلشيء يحدث بسبب ولسبب ومع الوقت أكتشف في كل مرة نمر بهابتجارب صعبة ونتعرض لضغوط قاسية ما هي إلا إكسير لأرواحنالندرك أنفسنا ونثق بمدى قوة تحملنا وهل سنتغير وإذ تغيرنا إلىأين سوف نصل ؟ فكل متزن منا، ذو إرادة واصرار ؛ يصل وينجووالتاريخ يسجل بطل آخر يرسو على ميناء الحياة ؛ سالم، أماضعيف النفس والتي الحياة لا تستطيع استيعابه على أرضها، هوالذي يغوص في العدم ويفقد ضالته فتجده معترض مجهم علىالأقدار أو يتحول لشخص قاسي، يخون نفسه ولا يدرك الحب ولاتدركه الحياة وما أصعب من بلاء قسوة القلب وأن تكون قاسيأعمى.

قد أوجدنا الله جل جلاله على هذا الكون لأجل إعماره وسلامته، للحفاظ على اتزانه واتزان أنفسنا وفي حال تحولنا لوحوش تنهشهنا وهناك، ستعاقبنا الأرض ونجد أثر غضبها على شكل أمراض، فقر ومجاعات وحروب، سنجد أنفسنا أكثر لا إنسانية، أكثر تلاهيبشهواتنا ومغريات الحياة فتضيع منا تذكرة الاستقرار والأمانويفوتنا قطار الحب والسلام والسعادة.

هل جربت يوماً أن تتوقف عن هذا القلق وهذا الغضب، والمبالغة فيالتفكير وتحويل كل شيء سلبي لشيء إيجابي جميل، أن تتيقنبلطف الأقدار وأن غداً جميل وأن علينا ألا نضيع أصول تربيتناوقيمنا الإنسانية وألا نصبح فارغين الأنفس، هل جربت يوماً أنتستيقظ غير العادة مبكراً، مُستبشر بلون خضار الأشجار، ماضٍ بين الغابات متأمل جمال وهدوء الطبيعية، مستمتع بأصوات الطيوركزقزقة العصافير وهديل الحمام، سَبَاق على الصلاة والدعاء، مُجِدفي طريق السبيل.

هل جربت يوماً أن تترك أثر في حياة شخص ما، فيتعلم منك اللطفوالطيبة، أن يتذكرك ويبتسم، وأن تتوقف على مجاراة ضعفاء الأنفسوالقُساة وأن لا تهدر وقتك مع الكاذب أو الخائن، فتبتعد بكل السُبلعن كل ما يُضيق زاوية رؤيتك وحُبك للحياة، هل جربت يوماً أنتزرع ريحاناً وأن تعترف بمشاعرك، وأن تحبّني وأحبك، وأن تدقباب المتعفف للأجر والجار للعطاء والمُحب للاستقرار، هل جربتيوماً أن تضع يدك على قلبك وتؤمن برَبَّ هذا الكون ونفسك وأنكَّ تستحق قُبلة على جبينك تشعرك بأنكَّ كل شيء وقت أن كل شيءمن حولك لا شيء.