2020/10/09

رحلة في حياة العظماء جعلت من الصحراء مدينة متطورة تصنع التاريخ الدكتورة هيفاءالد الأمين – مديرة ال صحيفة الشبكة العربية في الإمارات- أبوظبي في 7-10-2020

 

في حياة الأمم والشعوب شخصيات عظيمة تصنع التاريخ، وتبني المجد، لتنقل شعوبها إلى صدارة التاريخ بإنجازاتهم وقدرتهم على صياغة الأحداث. شخصيات لا يقدر النسيان على طيها لأن صفحاتهم مشرفة مشرقة ناصعة وسجلات رحيلهم عن الدنيا لا زالت مفتوحة، بل بقيت سيرتهم عالقة ومحفورة في ذاكرة الوطن، تتناقلها الأجيال وتقتدي بها، كشخصية المغفور له الشيخ راشد بن سعيد بن مكتوم بن حشر بن مكتوم بن بطي بن سهيل آل مكتوم الفلاسي (طيب الله ثراه) هذا اسمه الكامل، ولد عام م 1912. .


نشأ في منطقة الشندغة بإمارة دبي في كنف والده الشيخ سعيد بن مكتوم آل مكتوم المعروف بالتقوى والحكمة وسعة الصدر ورجاحة العقل. والدته هي الشيخة حصة بنت المر بن حريز الفلاسي المعروفة بـ (أم دبي) كانت لها مكانة خاصة في قلوب أهل دبي، عُرفت بقوة تحملها وإرادتها العالية وطموحها واشتهرت بكرمها وحبها للخير ومدّ يد العون لكل محتاج، كان تأثير الشيخة حصة واضحاً في شخصية ابنها الشيخ راشد، تلقى الشيخ راشد دراسته الأولى في الكتاتيب حيث كانت المنطقة حينها تفتقر وجود المدارس النظامية، وتعلم أصول الفقه الإسلامي واللغة العربية، وعند بداية الدراسة النظامية وافتتاح المدرسة الأحمدية كان الشيخ راشد من أوائل الطلبة الملتحقين بها، ومنذ صغره اتصف بنضجه وفكره السابق لعصره، وعُرف بأنه شابٌّ مثابرٌ ومحبٌّ للبحث والاطلاع، ومن أهم هواياته الصيد بالصقور وركوب الهجن والخيل والرماية.

ارتبط الشيخ راشد بمجلس أبيه واستفاد منه الكثير؛ إذ تعلم كيفية إدارة المنطقة وتسيير أمورها وكان مطّلعاً على كل ما يحدث في هذا المجلس ليتعرّف على أمور الحكم ويتدرّب على تحمل المسؤولية من بعد والده، وقد عُيّن الشيخ راشد ولياً للعهد عام 1939م وساند والده في تسيير شؤون المنطقة، وأثبت جدارته في تحمل المسؤولية، واستطاع أن ينهض بدبي من أزمات اقتصادية كثيرة أهمها أزمة انهيار تجارة اللؤلؤ والحصار البحري الذي فرضته بريطانيا على موانئ الخليج العربي بعد الحرب العالمية الثانية، تولى حكم إمارة دبي عام 1958م، وامتدت سنوات حكمه اثنين وثلاثين عاماً، تطورت فيها دبي ونمت نموًّا سريعاً في كل المجالات.، شجع المواطنين على خوض غمار التجارة، وفي سبيل ذلك كان يمنح كل من يرغب في إنشاء مشروع خاص أرضاً للتشجيع على ريادة الأعمال، كما طور منطقة الخور، وأنشأ ميناء راشد الذي كان يعد أكبر ميناء في المنطقة آنذاك، كما أنشأ مركز دبي التجاري وشركة الكابلات ومصنع الألمنيوم، بالإضافة إلى إنشاء ميناء جبل علي، فحققت دبي تحت إدارته طفرة تنموية شملت إنشاء الطرق والجسور التي تربط شطري الإمارة، وتوسيع خور دبي، وتعزيز موقعها التجاري بإنشاء مزيد من الموانئ حول الإمارة، فأصبحت دبي مركزاً تجارياً بين الشرق والغرب. بعد وفاة والده الشيخ سعيد بن مكتوم عام 1958م .

 

انتقل الشيخ راشد بن سعيد مع عائلته للإقامة في قصره بمنطقة زعبيل، وعمل منذ توليه الحكم لتثبيت مركز دبي التجاري، لاسيما أن عوائد البترول حينها كانت لا تفي بالتزامات الإمارة، فاهتم بالأسواق ودعم التجار وشجّع الاستثمار التجاري في الإمارة وخطّط لآفاق بعيدة ورؤى مستقبلية لمدينة دبي، واهتم أيضاً بإنشاء الدوائر التي تقدّم خدماتها للسكان وتساهم في تطوير الإمارة كالبلدية والأراضي، والشرطة والجمارك، والمحاكم والكهرباء والمياه، وغيرها من الدوائر.

 

وكان رجلاً سياسيًّا، وله علاقات أخوية طيبة مع جميع حكام منطقة الخليج العربي، وضع حجر الأساس الحقيقي لمدينة دبي الحديثة، واهتم بالعمران والتجارة، واستطاع استغلال كل الإمكانيات لمصلحة بلاده؛ إذ إنه استغلّ النفط في دبي استغلالاً تجاريًّا عام 1966م، فأنشأ دائرة خاصة بشؤون النفط، ودائرة للطيران والقضاء، وبدأت التحولات الحقيقية في حياة دبي، فعمل لتوسيع خور دبي وتعميقه؛ لأن ضحالة مياه الخور كانت تهدد الملاحة فيه وتُصعّب على السفن التجارية الكبيرة دخول الخور بسبب قرب رمال الخور من سطح المياه، وتم مشروع التعميق، وأصبح خور دبي من أفضل الموانئ التجارية والاقتصادية.

شهدت دبي طفرة تنموية شملت إنشاء الطرق والمطار والموانئ، ففي أكتوبر عام 1972م افتُتِح ميناء راشد البحري، وكان هذا الميناء الضخم داعماً اقتصاديًّا قويًّا لإمارة دبي خاصة والإمارات عامة، وكان يشجع التجارة والتجار ويطمح لزيادة الموارد وتشجيع الخطوط العالمية للمرور بها، فأصبحت مركزاً تجاريًّا بين الشرق والغرب. أدّت دبي بقيادته صاحب العقل والحكمة دوراً كبيراً في مهمة اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، واتفقت رؤيته مع رؤية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه بضرورة قيام اتحاد يجمع سبع إمارات من إمارات ساحل الخليج العربي، وأسفرت هذه الجهود بينهما عن توقيع اتفاقية السميح المشهورة استقطب المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ راشد، الشركات العالمية الكبيرة لتصبح إمارة دبي في عهده مركزاً رئيسياً لكبريات الشركات، بعد أن كان مقرها الرئيس في دولة لبنان منذ الخمسينات من القرن الماضي، وكان التجار يضطرون للسفر إلى لبنان للتعاقد مع هذه الشركات قبل أن يستقطبها إلى دبي.

وتوفي الشيخ راشد في ال7 أكتوبر عام 1990 م في مثل هذا اليوم وقبل ثلاثة عقود، كانت مدة حكمه: 32 سنة، انتقل إلى جوار ربه قبل 30 عاماً: بعد فترة حكم مليئة بالإنجازات التي حولت دبي من منطقة بسيطة إلى منطقة تجارية مهمة. ورغم طول المدة والزمن لم ينسه. العالم، وبقي حاضراً في وجدان أبناء الإمارات بصفة عامة، وأبناء دبي خاصة، حيث يشهد له تاريخ الإمارات أنه قائد استثنائي ترك بصمة واضحة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة، من خلال رؤية ثاقبة وبصيرة نافذة استشرف مستقبل نهضة الإمارة ليجعلها محط أنظار العالم، وحملت رؤيته راية التطور والتقدم في الدولة، وأسهمت في توحد وتلاحم الشعب والقيادة فيها، عبر فكر مستنير أضاء طريق الاستقرار لتحقيق السعادة للجميع، وبدد الصعاب والمعوقات وحولها إلى فرص عمل أسهمت في نجاح المسيرة التنموية.، فهو قائد نهضة دبي وباني اقتصادها، وأحد العظماء الذين حملوا مشاعل التطور والتقدم في دولة الإمارات العربية المتحدة وبفضل جهوده المخلصة أصبحت دولة الإمارات نموذجاً وملتقى عالمياً في المجالات كافة. لقد كان سموه قائدان مثابراً ونشطاً ونموذجاً في العمل الوطني المخلص حتى أصبحت مسيرته الحافلة بالبذل والعطاء والعمل المخلص مضرب الأمثال ونموذجاً يحتذى به في الدول العربية جمعاء وغيرها الكثير من دول العالم. إن الإمكانيات المادية والثروات الاقتصادية لا تبني وطناً مهما كان حجمها حيث إن بناء الوطن يحتاج إلى فكر وتخطيط وجهد قادةٍ يستغلون ثرواته في بناء الإنسان وتعليمه وتطوير قدراته وإمكانياته بالقدر الذي يسهم بدرجة كبيرة في بناء الدولة الحديثة وتطويرها في كل المجالات وهذا ما وضعه سموه نصب عينيه بالتنسيق والتعاون مع حكام دولتنا الفتية.

 

وسار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئس الدولة رئس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، على نهج والده في صنع الحضارة وبناء النهضة التنموية الشاملة لإمارة دبي، حتى أصبحت دبي مركزاً للشركات العالمية. وتابع: هذا التطور الذي نفخر به جميعاً لم يقتصر على النهضة الاقتصادية، بل طال البنية التحتية وإنشاء الجسور والطرقات والمطارات الدولية، لتغدو دبي قبلة للبناء والنمو والتطور، مشيراً إلى أن الشيخ راشد رحمه الله، من المساهمين بشكل فعال في بناء الدولة وتدعيم الاتحاد، ثم كان يداً بيد مع إخوته حكام الإمارات لدفع عجلة التقدم والتنمية وتحقيق الرخاء للمواطنين.