2020/11/12

مديرة العلاقات العامة الاعلامية رحاب الدمشقي ( مكتب سوريا ) : هل انتهى زمن الصحافة الورقية ؟

 



جودت هوشيار 

1- الصحافة الورقية في أزمة 

شهدت الصحافة الورقية خلال السنوات الأخيرة أزمه حقيقية، أخذ تتفاقم من سنة إلى أخرى في العديد من الدول الغربية المتقدمة نتيجة لثورة الاتصالات والمعلومات وظهور شبكة الإنترنت. وتتمثل هذه الأزمة في عزوف الكثير من القراء عن اقتناء أو مطالعة الصحف الورقية ونشوء جيل جديد لم يعد يتعامل مع الورق، وفي تغيّر أنماط الاهتمام والقراءة لدى مجتمع المعرفة، وشيوع ثقافة الحصول المجاني على المعلومة. كل هذا أدى إلى التراجع المتواصل لمبيعات الصحف الورقية وانخفاض عائداتها من الإعلانات، التي تتحرك بسرعة صوب شبكة الإنترنت. 

وقد لجأت مجموعة كبيرة من الصحف ذائعة الصيت إلى تقليص أرقام توزيعها وإلغاء آلاف الوظائف وتسريح عدد كبير من العاملين فيها، بينها صحف، واسعة الانتشار مثل شيكاغو تربيون، بوسطن غلوب وأنجلوس تايمز، وحتى المجلة الأوسع انتشارا في العالم وهي مجلة تايم الأميركية الشهيرة. 

وثمة صحف أخرى، تحولت إلى صحف رقمية، مثل كريستيان ساينس مونيتور التي الغث طبعتها الورقية منذ العام 2008 م، واكتفت بنسخة رقمية على موقعها على شبكة الأنترنت. 

وأعلنت مجلة نيوز يوك الأسبوعية الأميركية الشهيرة توقف نسختها الورقية عن الصدور منذ نهاية العام الماضي واقتصارها على نسختها الإلكترونية التي حملت عنوان نيوزويك غلوبال من بداية العام الحالي. كما توقفت مجلة يو أس نيوز أند ريبورت وهي الثالثة الأوسع انتشارا في أميركا في نوفمبر من العام 2010م، إضافة إلى المئات من الصحف المحلية الأميركية، التي اختفت عن الوجود نهائياً. وتشير الإحصاءات إلى ان عدد الوظائف في الصحافة الورقية الأميركية قد تقلص بحوالي 30% منذ عام 2008 ومن المتوقع أن تستمر هذه العملية بوتائر أسرع في المستقبل المنظور. 

ولم تقتصر الأزمة على الولايات المتحدة، ففي بريطانيا تم إغلاق صحيفة ذي لندن بيبير بعد الإعلان عن إغلاق أكثر من مائة صحيفة محلية لفشلها في التكيّف مع ظروف المنافسة الحادة مع الإعلام الإلكتروني. ويبدو أن صحيفة الغارديان اليومية، واسعة الانتشار على وشك إيقاف القطاع المطبوع من الصحيفة وملحقها الأسبوعي الأوبزيرفر نظرا لتكبد هذا القطاع خسارة تقدر بحوالي 44 مليون دولار سنويا. 

وقد رضخت ثلاث صحف تقليدية كبرى في لندن إلى أن تعتمد مقاسات أصغر لصحفها، تنافسا مع باقي الصحف الأخرى التي اعتمدت مقياس أقرب إلى مقاييس صحف التابلويد النصفية، كما اضطرت هذه الصحف إلى أن تعيد النظر في تبويباتها الصحافية لتواكب احتياجات سوق الجمهور من القراء. 

وفي فرنسا توقفت جريدة فرانس سوار عن الصدور منذ شهر نوفمبر 2011م، واكتفت بنسخة على الأنترنت، وكانت إلى عهد قريب مؤسسة إعلامية مرموقة، عمل فيها مجموعة كبيرة من الإعلاميين على مستوى العالم. 

وفي إسرائيل توقفت صحيفة معاريف عن توزيع طبعتها الورقية في الثالث من سبتمبر العام الماضي مع استمرار نسختها الإلكترونية على شبكة الإنترنت. 

وأزمة الطباعة والنشر شاملة ولا تقتصر على نوع محدد من المطبوعات الدورية. فقد اضطرت أشهر موسوعة عالمية وهي “الموسوعة البريطانية” إلى التوقف عن نشر نسختها المطبوعة والاقتصار على نسختها الإلكترونية. كما تراجعت أرقام مبيعات الكتب الورقية، في حين أن الكتب الإلكترونية تلقي رواجاً كبيراً وهذا يدل على التحول السريع والواسع من النشر الورقي إلى النشر الإلكتروني. 

وقد أتخذ هذا التحول أشكالا عديدة فهنالك صحف إلكترونية تعد نسخة كاملة موازية لطبعاتها الورقية وأخري يقتصر النشر الإلكتروني فيها على أجزاء مختارة من المحتوى. ولكن معظم الصحف الإلكترونية ليس لها نسخ ورقية رديفة ويقتصر على النشر الإلكتروني وحسب.

ويرى الملياردير روبرت مردوك، الذي يملك أكبر إمبراطورية إعلامية في العالم – أن صح التعبير – أن كثيرا من الصحف الحالية في المملكة المتحدة ستتلاشى في القريب العاجل، ولن يتحمل سوق الصحف أكثر من صحيفة واحدة في كل سوق صحافية. وقد بينت الإحصائيات والاستبيانات الأخيرة صحة ما ذهب إليه مردوك.

وعلى النقيض من الدول الغربية، فأن الصحافة الورقية في البلدان النامية تشهد طفرة حقيقية ففي أفريقيا، ارتفع توزيعها بنسبة 14.2٪، وفي أميركا الجنوبية وآسيا لأكثر من 16٪.خلال السنوات الثلاث الأخيرة.       ويرجع السبب في ذلك إلى محدودية انتشار الإنترنت فيها، ويتوقع أن يتوقف هذا الازدهار ويتراجع عندما يتم استخدام الإنترنت على نطاق واسع في العالم النامي. 

ويبلغ عدد قراء الصحف الورقية في العالم حالياً نحو 1.7 مليار شخص. ولكن في مقابل هؤلاء فإن هناك حوالي 2.5 مليار من البشر يتعاملون مع الإنترنت وصحافته الإلكترونية، التي تكتسب مزيدا من الجمهور القاري بمضي الزمن. 

إن هذه الأزمة تطرح قضية في غاية الأهمية وهي مدى قدرة الصحافة الورقية على التكيّف والتعايش مع التطورات المتسارعة في ثورة الاتصالات والمعلومات وانعكاسات الأخيرة على ممارسات العمل الصحفي.


2  -عادات القراءة الجديدة

يعتقد البعض أن ما يحدث للصحافة الورقية من تراجع وانحسار، ليس بمعزل عن الأزمة المالية العالمية الحالية، التي قد تكون مؤقتة وعابرة، ولكن التحدي الحقيقي المتواصل، الذي تواجهه الصحافة المطبوعة في العصر الرقمي، هو التغييرات الجذرية في عادات القراءة وأذواق الأجيال الجديدة، التي تتوجه بقوة صوب الصحافة الإلكترونية، حيث أن الكثير من القراء، الذين كانوا يواظبون على قراءة صحفهم المفضلة مع قهوة الصباح، تحولوا إلى استخدام شبكة الإنترنت لمتابعة الأخبار اليومية ومعرفة أحدث المعلومات من مصادر متعددة، وخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات. 

الجيل الجديد في عالم اليوم يريد الحصول على الأخبار بسرعة، كما يأكل في مطاعم “الفاست فوود”. وهذا التحول في عادات القراءة تشكل جوهر الأزمة التي تعاني منها الصحافة الورقية في العالم. 

إن تصفح الصحف الإلكترونية أقل تكلفة، والوصول إليها أسهل بكثير من الصحف الورقية. بإمكانك أن تتصفح ما تشاء من صحف العالم سواء كنت في بيتك تحتسي قهوة الصباح أو في مكان عملك أو أي مكان آخر تتوفر فيه خدمة الإنترنت. 

معظم المتصفحين من الفئة الشبابية، لا يهتمون كثيراً بالمقالات الجادة والتقارير المطولة ولا بتفاصيل الأخبار، بل يلقون نظرة عابرة على العناوين في الصفحة الأولى. وهذه حقيقة ادركها فتى إنجليزي في السابعة عشرة من العمر يدعي نك دي اليوزي، الذي وضع برنامجاً لتلخيص الأخبار وتحول إلى مليونير في فترة وجيزة. 

التطبيق الجديد يقوم بتحليل الخبر ومن ثم تحويله إلى نص مكون من 400 حرف، بحيث يحصل المستخدم على الخلاصة المفيدة من الخبر. وحسب قناة بي بي سي يشير نك إلى أنه وجد أن قراءة التقارير الإخبارية المطولة على شاشة الهاتف الذكي الصغيرة أمر غير مريح، من هنا قام ببرمجة هذا التطبيق.

3 -صحافة تفاعلية جديدة 

كتب احد أبرز المدافعين عن الصحافة الورقية في العالم العربي وهو الصحفي المعروف الأستاذ عبدالرحمن الراشد مقالا في جريدة الشرق الأوسط يقول فيها: 

” هل سيصبح مصير الصحف الورقية مثل مصير الحمير والبغال والخيول في زمن ظهور السيارة؟ هل فعلا حان موعد تفكيك المؤسسات الصحافية والانتقال إلى الوسيلة الجديدة، المواقع الإلكترونية؟ رغم احتفاء الزميلات من المواقع الإلكترونية بأنباء وفيات الصحف المنتشرة في أنحاء العالم، كما لو أن وباء قد أصابها، فإنها قراءة خاطئة في نظري، وستثبت الأيام أن الصحف الورقية باقية لكن بلا ورق. وهنا يقع خلط، وربما تدليس متعمد، بإضافة كلمة الورقية إلى الصحف. فالصحيفة شكلا ورقية لكنها في واقع الأمر محتوي، أي الأخبار والآراء، أي المنتج المكتوب سواء كان على ورق أو جدران، كما كان يفعل الصينيون في الماضي، حيث تعلق ورقة على لوح في الحي ليصطف الناس في طابور لقراءتها بسبب نقص الورق وكثافة السكان، أو مثل الصحيفة اليوم من خلال الصفحات الإلكترونية. (لن تموت الصحافة.. عبدالرحمن الراشد، جريدة الشرق الأوسط، العدد 11509 الصادر في 2 يونيو 2010م)

هذا الرأي – رغم احترامنا للكاتب – غير صحيح، لأن الصحافة الإلكترونية تختلف عن الورقية ليس فقط من حيث الوسيلة المستخدمة لتقديم المادة الصحفية أو للقراءة، بل من حيث المحتوى أيضاً، فالصحافة الإلكترونية لا تقتصر على المنتج المكتوب، بل قدمت أنواعا جديدة من طرق عرض الخبر مثل الفيديوهات، التي تنقل القارئ مباشرة إلى موقع الحدث بالصوت والصورة في الوقت الذي تكون فيه الصحيفة الورقية مضطرة لانتظار 24 ساعة لطبع الخبر وقد تكون أحداث أخرى قد جرت بعد ذلك، وبهذا تكون الصحف الورقية قد فقدت اهم عنصر من عناصر النجاح وهو ما يسمي بـ” السبق الصحفي”. 

ولعل ابلغ دليل على قدرة الصحافة الإلكترونية على نشر الأخبار بشكل فوري وعلي أوسع نطاق إلى جميع أنحاء العالم، هو أن الرئيس الأميركي باراك أوباما اختار موقع “تويتر” ليشكر مؤيديه بعد فوزه بولاية ثانية ليكون أول رئيس أميركي يعلن فوزه في تأريخ سباق رئاسة الولايات المتحدة عبر موقع للتواصل الاجتماعي. وقال أوباما عبر تغريده على موقعه في “تويتر”، “شكرا لكم.. لقد حدث هذا بسببكم”. 

لا تستطيع الصحف الورقية مجاراة الصحف الإلكترونية كوسيط نقل جديد للمعلومة والإعلان والتنافس مع مواقع التواصل الاجتماعية على الإنترنت – التي تجتذب مئات الملايين من المتصفحين مثل “التويتر”، “الفيسبوك” وغيرهما – في سرعة نشر الخبر للقارئ وقت حدوثه وتحديثه لحظة بلحظة، في زمن يتقادم فيه الخبر بسرعة بالغة، وإتاحة المجال للقراء للمشاركة في تحريرها والتعبير عن آرائهم ومناقشتها مع قراء آخرين بكل حرية على نحو لم يسبق له مثيلا.

كل ما تقدمه الصحافة الورقية من محتوى مرة في اليوم أو الأسبوع، تقدمه الصحف الرقمية مجانا وفورا بكل سهولة. ولعل فوز الصحيفة الإلكترونية هفنجتون بوست بجائزة بوليتزر للصحافة لعام 2012م بعد أن تخطّت صحفاً عريقة لتنال الجائزة الأهم في الإعلام الأميركي، هو اعتراف صريح بالتفوق الرقمي على الورقي التقليدي.       

ولا يقتصر الاختلاف بين الصحافتين على سرعة النشر والوسيلة المستخدمة لنقل المحتوى كما يظن البعض، فالصحافة الرقمية تقدم خدمات إعلامية كثيرة تعجز عنها الورقية منها الندوات وبرامج المحادثة (الشات) وشريط الأخبار المتحرك، إضافة إلى عدم وجود محددات لحجم المواد المنشورة وزمن العرض. وعلى خلاف الصحافة الورقية فأن الصحيفة الإلكترونية بإمكانها تقديم المعلومة الجديدة بالحجم الكامل في أي وقت. كما تسمح شبكة الإنترنت بتراكم المعلومات وحفظها وأرشفتها. وبدلا من إيراد مقتطفات من المصادر، فأن النشر الإلكتروني يسمح للكاتب بوضع روابط لمصادر ومراجع المادة المنشورة سواء أكانت مقالة أو دراسة أو حتى كتابا كاملا. بذلك يقتصد الباحث أو الكاتب كثيرا في حجم البحث أو الدراسة. 

وثمة إمكانيات فنية أخرى للصحف الإلكترونية منها خدمة الانتقال إلى الإذاعات والقنوات الفضائية، وخدمات التعليقات، الردود الآنية، الربط بالمواقع الأخرى والإحصائيات الخاصة بالموقع الإلكتروني (عدد القراءات لكل مادة صحفية وتوزيع القراء حسب البلدان والفئات العمرية والتحصيل العلمي وغيرها من البيانات)، التي تتيح للصحيفة الإلكترونية معرفة مواطن القوة والضعف في عملها من اجل التطوير اللاحق. 

4- مستقبل الصحافة الورقية 

يتبنى خبراء الأعلام رؤية متشائمة لمستقبل الصحف والمجلات المطبوعة. ويرى عملاق الصحافة روبيرت مردوك أن الصحافة الورقية سوف تختفي بحلول عام 2020. 

ويقول مؤلف كتاب “النهاية الحتمية للأعلام الورقي” فيليب ماييرز أن آخر مطبوع ورقي سيصدر في عام 2043م. 

كما تشير الدراسات الخاصة بمستقبل الصحافة الورقية إلى أن الصحافيين أنفسهم يعتقدون أن أنها ستكون أقل أهمية في الحياة العامة في السنوات القادمة. 

ولكننا نعتقد إن تزايد قوة وفاعلية الصحافة الإلكترونية، لا يعني بأي حال من الأحوال انقراض الصحافة الورقية المطبوعة في المستقبل المنظور، فما يحدث غالباً أن الوسائط الأكثر الحداثة، لا تؤدي بالضرورة إلى انقراض الوسائل القديمة. فالصحافة الرقمية لا تلغي دور الصحافة الورقية وأنهما يمكن إن يتعاشيا مع بعضهما البعض، خاصة وان لكل منهما قارئه الخاص به ومصدره في استقاء الأخبار. 

ومن متابعتنا للصحافة الرقمية وجدنا أن الجزء الأكبر من محتواها، سطحي، مما يؤدي إلى قمع حب الاستطلاع الذهني لدى الشباب، لأنهم يسبحون على سطح بحر المعلومات من دون نزول إلى الأعماق، حيث المعرفة الحقيقية. أما قارئ الصحف الورقية فهو يبحث عن المعلومات المعمقة والتفاصيل الدقيقة وكل ما ينمي تفكيره ويثري ثقافته. 

لم ينته بعد، زمن الصحف الورقية في العصر الحاضر ولن ينتهي قريباً كما يزعم المتشائمون، ولكن على الصحف تأهيل نفسها للعصر الرقمي والإطلالة على العالم بنسخ إلكترونية لها على الإنترنت، لأن المواقع الإلكترونية هي نافذة الصحافة الورقية للقراء. وثمة مفارقة بالغة الدلالة على حيوية الصحف الورقية وهي إن كثيراً من الصحف التي بدأت بداية إلكترونية فقط، توجهت بعد ذلك إلى الطباعة الورقية، ويبدو إن العلاقة المتبادلة بين الوسيلتين الورقية والرقمية ماضية إلى مزيد من التجسير والتكامل رغم المنافسة الشديدة القائمة حاليا بينهما. 

وتجربة موقع “ويكليكس” وهو احد اشهر المواقع الإلكترونية العالمية دليل آخر على إن الصحافة الورقية ما زالت مؤثرة جدا، رغم كل ما يقال عن سطوة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص، فالوثائق السرية التي نشرها الموقع المذكور اتسع تأثيره كثيراً، بعد لجوء صاحب الموقع جوليان أسانج إلى كبريات المؤسسات الصحفية في جميع دول العالم لنشر ما بحوزته من وثائق في صحفها المطبوعة بشكل ورقي لاسيما في بريطانيا، وقد احدث هذا النشر ضجة كبرى اهتزت لها الحكومات في شتى أنحاء العالم وبخاصة الفاسدة منها. وهذا دليل آخر على أن الصحافة الرقمية لن تكون بديلا عن الصحافة الورقية في المستقبل المنظور على الأقل، وان الوقت ما يزال مبكرا للحديث عن اختفاء الصحف المطبوعة قريبا. 

وتبقى مسألة جوهرية في غاية الأهمية لا يمكن تجاهلها أو التقليل من شأنها بأي حال من الأحوال، وهي إن الصحافة الإلكترونية تفتقر إلى الديمومة التي تتصف بها المطبوعات الورقية. وان معظم ما نعرفه عن ماضي البشرية مدون بطرق مختلفة على الأشياء المادية: ألواح الطين، أوراق البردي، الأحجار، الجلود، ثم الورق ولولا هذا التدوين لضاع تاريخ البشرية ولم يكن بوسع العلماء تفكيك طلاسم اللغات القديمة المندثرة. والأسوأ من ذلك إن التراث الرقمي – إن صح التعبير – يمكن تغييره أو تحريفه بسهولة، خلافا للآثار المادية للتأريخ ثمة إمكانية للوقوف على أي تغيير أو تحوير أو تشويه في الآثار المكتوبة ومنها المطبوعة، أما في النصوص الإلكترونية فلا يمكن اكتشاف ذلك أبدا. 

الصحافة الورقية عصية على الموت، ولا يزال هناك عدد غفير من الناس وبضمنهم أصحاب ألمع العقول البشرية وخيرة المثقفين، الذين تربطهم علاقة عاطفية بالورقة والقلم ولا يمكنهم الاستغناء عن الصحافة المطبوعة والنشر الورقي طيلة حياتهم، أضافة إلى مئات الملايين من القراء الذين لم يكتشفوا بعد العالم الرقمي ولا يتعاملون إلا مع الورق 

فصل من كتابنا ” السلطة الخامسة ” . وقد نشر لأول مرة كمقال في موقع ” ميدا ايست اونلاين ” في 6-6-2013 م وقد أثبتت الأيام صحة ما جاء فيه من آراء وتوقعات .

صحيفة النهار اللبنانية: “نهار أبيض بوجه الظلمة”

22 أكتوبر، 2018 م • آخر المقالات • أبرز المواضيع • أزمة الصحافة الورقية بالعالم العربي • اقتصاد الإعلام • الصحافة المتخصصة • ملفات • المحرر وداد حمدي

صدر عدد صحيفة “النهار” اللبنانية يوم الخميس 11 أكتوبر 2018 م في خطوة غير مسبوقة بثماني صفحات بيضاء دون محتوى مع الاكتفاء باسم الجريدة في الوسط وصورة مديرها السابق النائب الشهيد جبران تويني مع قسمه على اليمين.

وأعلنت النهار أنها أطلقت شعار “نهار أبيض بوجه الظلمة”، معربة عن أملها أن يكون هذا الإصدار نقطة تحول في الصحافة اللبنانية وناقوس خطر تجاه الأوضاع المتأزمة إعلاميا وسياسيا.

ولم تقتصر الصفحات البيضاء الفارغة للنهار على النسخة الورقية فقط بل شملت الموقع الإلكتروني وصفحات الجريدة في مواقع التواصل الاجتماعي التي صدرت أيضا بشاشة بيضاء.

تعدّ جريدة النهار التي تأسست عام 1933 م من أكبر الصحف اليومية في لبنان، لكنها ومنذ سنوات حالها حال كل الصحافة في البلاد تعاني أزمات متعددة جراء الضبابية السياسية والصعوبات المالية التي يعاني منها لبنان والتي انعكست على الصحافة المكتوبة.

أوضاع لبنان غير المستقرة دفعت النهار لهذه الخطوة التصعيدية وحسب تصريح لرئيسة تحرير الجريدة نايلة تويني فان القرار جاء عقب ازدياد الخطر” وصفحات النهار البيضاء اليوم هي لحظة تعبير مختلفة عن شعورنا الأخلاقي العميق بالمسؤولية كمؤسسة إعلامية وطنية تجاه وضع البلد الكارثي”.

نايلة تويني صرحت أيضا أن النهار” تعبت وهي تكتب عن الوعود والذرائع المتكرّرة والفارغة. انتظرنا سنتين لتعيدوا إلى الشعب حقّ انتخاب نوابه، وأشهراً لانتخاب رئيس الجمهورية، ولنزال ننتظر ولادة الحكومة منذ 5 أشهر، فإذا بها لعبة تقاسم الحصص، ووحده الله يعلم عدد الأيام التي سنظلّ ننتظر ليطل اليوم الأبيض الذي ينتظره اللبنانيون”.

أزمه سياسية انعكست على الصحافة المكتوبة التي تعيش منذ سنوات أزمات عديدة انطلاقا من التمويل والوضع السياسي المتعطّل مرورا إلى أزمات التوريث وصولا الى الإطار القانوني غير الواضح، كلها أسباب عندما اجتمعت دفعت النهار الى تقليل عدد صفحاتها من 12 صفحة إلى ثمان، بعد ما كانت 24 صفحة.

اختارت جريدة النهار نشر عدد بصفحات بيضاء كرسالة بأن الصحافة الورقية في أزمة وذلك بعد أن التجأت إلى التقليص من عدد الصفحات في محاولة منها للصمود، بينما اضطرت العديد من الصحف الى التوقف عن الصدور، ومنها جريدة السفير التي كانت احدى اهم أعمدة الصحافة وبإقفالها نهاية عام 2016   بعد صدورها طوال 42 سنة بسبب مشاكل مالية، وقال رئيس تحرير السفير طلال سلمان، “إن الصحيفة توقفت بسبب الأزمة المالية” لتخسر الصحافة المكتوبة اللبنانية “صوت من لا صوت له”.

ولم يتوقف سيل إغلاق الصحف باحتجاب “السفير” عن الصدور، ففي نهاية سبتمبر 2018م، أعلنت “دار الصياد” التي تملك صحيفة “الأنوار” وعددا من المجلات الفنية والمنوعة عن توقف “الأنوار” عن الصدور، إضافة إلى توقف جميع المجلات الصادرة عن الدار” وبرّرت الصحيفة القرار بـ “الخسائر المادية” بتوقف الأنوار وضعت دار الصياد نقطة النهاية في مسيرة جريدة قاربت سنتها الستين حيث تأسست عام 1959م وأصدرت 19911 عددا.

من يعرف تاريخ الصحافة في لبنان يعرف أن هذا البلد كان عاصمة للصحافة العربية، لكنه اليوم مهدّد بأن يكون “بلد الجريدة الوحيدة” إذ تبدو جريدة “الأخبار” المقربة من “حزب الله” الجريدة الوحيدة التي لا تعيش أزمة مالية والقادرة على الصمود والاستمرار.

وليس هناك من عبارة تشخيص للصحافة اللبنانية المكتوبة خير من توصيف الصحفية جوني فخري، معربة عن خوفها من توقف صدور صحيفة “النهار” كما فعلت زميلاتها “السفير” والأنوار”، والتي كتبت: “لا حبر ولا ورق، السفير تقاعد، الأنوار انطفأت، والنهار ليل.. بئس هذا الزمن”.

طلال سلمان رئيس تحرير صحيفة السفير: اندثار الصحافة هو إعلان موت السياسة

6 ديسمبر، 2017 م • آخر المقالات • أبرز المواضيع • أزمة الصحافة الورقية بالعالم العربي • اقتصاد الإعلام • نماذج اقتصاديّة • المحررة سيف الدين العامري انطلق طلال سلمان رئيس تحرير صحيفة السفير اللبنانية في مداخلته أثناء مؤتمر ”الإعلام العربي ورهانات التغيير في ظل التحولات“ والتي حملت عنوان ”الصحافة في عالم متغير: أزمة ”مصير“ بالإشارة إلى أزمة ”عصر الورق والكتاب“ مؤكدا أن هذا العصر على وشك الانتهاء وأن كل فرد الآن أصبح قادرا على الاستغناء عن الكتاب والصحيفة بمجرد امتلاكه للتكنولوجيات الحديثة (كالكومبيوتر ومشتقاته) وهي الوسائل الأساسية للولوج إلى عالم الإنترنت، أين توجد كل الصحف تقريبا في شكلها الرقمي.

وربط سلمان تدريجيا في مداخلته بين أزمة الصحافة الورقية في الوطن العربي وبين أزمة العرب في ذاتهم وكانت الكلمة المفتاح في توصيف هذه الأزمة تتمثل في ”انعدام السياسة في الوطن العربي جميعا، ومن ضمنه لبنان“. ويشير طلال سلمان في هذا السياق إلى أن الأنظمة العربية في مجملها تحيط نفسها بهالة من المستشارين والخبراء في السياسة وتسيّر دواليب الدولة دون أي انفتاح على الجماهير والمواطنين، بل واعتبار ”ممارسة المواطنين للسياسة رجس من عمل الشيطان وجب اجتنابه“، الأمر الذي أدى إلى استقالة الناس من الشأن العام وبالتالي موت الصحافة التي تتغذى على الجدل وصراع الأفكار وإيصال هموم الناس إلى السلطة. ويشدد سلمان على أن ضعف إقبال الناس على الصحافة المكتوبة الورقية هو في جوهره ضعف في إقبالهم على السياسة وليس ضعفا في قدرتهم على القراءة، ويضيف ”… الخواء السياسي الذي نعيش فيه ويعيش فيه الكثير من الشعوب العربية لأسباب مفهومة أخطرها مناخات الحروب الأهلية السائدة في الكثير من الأقطار العربية، قريبها والبعيد، هو أخطر ما يهدد الصحافة العربية في لبنان وخارجه، قبل وسائط التواصل الاجتماعي“.

وبالرغم من استدراك طلال سلمان في مستوى آخر مشيرا إلى أن الصحافة الورقية تشهد أزمة في كافة أنحاء العالم وليس في لبنان أو في الوطن العربي فقط، إلا أنه يؤكد في ذات الحين أن استمرار الصحف وديمومتها هو قرار سياسي تقوم بتنفيذه الدولة عبر إمكانياتها ”فالدولة في مجتمعات راقية مثل فرنسا تدخلت ففرضت على وسائل التواصل الاجتماعي ـ بسبب المنافسة غير المتكافئة ـ أن تدفع للصحف مقابل ماديا أمام ما تأخذه كاملا أو ما يقتبس منها“. أما في المجال العربي فيحدث العكس، إذ يمكن أن يقتطف أي شخص أو مجموعة أي مضمون وينشره دون ذكر المصدر.

يضع طلال سلمان الحياة السياسية العربية في مواجهة مع الإعلام (خاصة في المثال اللبناني) وقد تخللت مداخلته في خصوص الصحافة الورقية تقييما أخلاقيا لموقف الساسة العرب من الصحف، وخلص إلى أن ”انقراض السياسة أدى إلى انقراض الصحافة“ وأعاد ذلك إلى العودة العارمة إلى منطق الطائفية والمذهبية وباقي أشكال ما قبل المدنية، وهذا ما يؤثر مباشرة على حياة الصحف بل ويقضي عليها كما قضى على منطق الدولة ”التي اندثرت مقطوعة الرأس“ على حد تعبيره (في استيحاء من التجربة اللبنانية التي بقيت دون رئيس مدة طويلة بسبب الخلافات بين الفرقاء والتي تخفي النزعة الطائفية في السياسة).

ولم يكن موقف طلال سلمان متشددا تجاه ”النيوميديا“ التي اجتاحت الجماهير العربية، بل أكد في آخر مداخلته على أن تلك الوسائل من كمبيوتر وهواتف جوالة وغيرها هي ”عامل تنشيط للعمل السياسي وليس العكس“ ضاربا مثال الانتخابات الرئاسية الأمريكية والانتخابات في أيرلندا والانتخابات البلدية في فرنسا. كما أكد سلمان أن ”الصحافة مخلوق سياسي“ واندثارها هو إعلان عن وفاة السياسة.

مؤسس جريدة “السفير” طلال سلمان: “أوضاعنا العربية لا تقبلني ولا أقبلها “

29 مايو، 2017 م • آخر المقالات • أبرز المواضيع • أزمة الصحافة الورقية بالعالم العربي • اقتصاد الإعلام • الإعلام والسياسة • الرقابة • حرية الصحافة • نماذج اقتصاديّة • المحررة نهى بلعيد

BBC

“جريدة لبنان في الوطن العربي وجريدة الوطن العربي في لبنان”، هكذا كان أول شعار لصحيفة السفير اللبنانيّة التي مثّل احتجابها صدمة تجاوزت حدود لبنان، حيث استقطبت هذه الصحيفة منذ نشأتها أغلب الأدباء والمثقفين بالعالم العربي مع غياب منابر للتعبير عن أفكارهم ببلدانهم بكلّ حريّة. وكان أولّ لقاء أجرته الصحيفة، مع الرئيس الفلسطيني الراحل “أبو عمار”، باعتبار أنّ “السفير” مناصرة منذ تأسيسها للقضية الفلسطينية.

في حوار مع الإعلامية اللبنانية جيزيل خوري، بثته قناة البي البي سي اللندنيّة، ذكر طلال سلمان مؤسس جريدة “السفير” والذي عرف بمواقفه الحادّة تجاه القضايا السياسية الكبرى بالعالم العربّي، أنّ العديد من الأسباب تكمن وراء قرار غلقه للجريدة التي أسسها في مارس 1974م، ولعلّ أهمّ هذه الأسباب، المناخ السياسي الذي يسود العالم العربيّ حاليّا، بما في ذلك لبنان، وتغلّب وسائل التواصل الرقمي على المطبوع وانخفاض اهتمام نسبة القراءة لدى الجيل الجديد. وهو ما أفرز أوضاعا اعتبر طلال سلمان أنها ” لا تقبله كما لا يقبلها”.

وإن كان التحدي في الأول هو تأسيس صحيفة لبنانية عربيّة تقدمية فإن تحدّي الصحيفة اليوم هو الاستمرارية في الصدور لكنّ العائق المادّي صعب تجاوزه في غياب إعانة الدولة. وتطرق طلال سلمان إلى مسألة دعم فرنسا للإعلام عبر جبر “غوغل” على دفع معلوم لوسائل الإعلام المتواجدة على النيت . في المقابل تسعى الأنظمة العربيّة إلى نعي الصحف الورقية، في ظلّ غياب أي مبادرة لضمان استمراريتها ، حتّى وإن كانت صحيفة السفير، صحيفة العالم العربيّ.

سلاح كهدية في مولد ابنه الأول

لطالما كانت جريدة السفير منبرا حرّا لكافة كتابها وصحافيينا للتعبير عن آرائهم ومشاكلهم بالعالم العربي، ممّا أزعج بعض رجال السياسية. ولكن ذلك لم يمنع طلال سلمان من لقاء بعض أبرز رجال سياسية القرن الماضي. لهذا لم تتوان جيزيل خوري أن تسأله عن بعض رجال السياسية الذين التقى بهم خلال عمله الصحفي. وكان آخر حوار صحفي لرئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري قبل اغتياله سنة 2005، قد نشر بجريدة “السفير”.

ومن أغرب الهدايا التي تلّقاها طلال سلمان، كان هديّة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، بمناسبة ولادة الابن الأول لمؤسس جريدة “السفير”. فإن اعتاد الناس على تقديم باقات الورد أو الشكولاتة أو ألعاب الأطفال، فإنّ صدام حسين أهداه سلاحا حقيقيا. وأصرّ يومها على التقاط صورة تذكارية معه، حسب قول طلال سليمان.

وكان مؤسس جريدة “السفير” قد التقى بأبرز الشخصيات السياسية التي عرفها العالم العربي خلال القرن الماضي على غرار جمال عبد الناصر وحافظ الأسد وبشار الأسد وغيرهم.

كما تحدّث طلال سلمان في هذا الحوار عن محاولة اغتياله سنة 1984م. ولم تثبت إلى حدود هذه اللحظة هوية القاتل، غير أنّ الضحية تعتقد أن الرئيس أمين جميل، الرئيس اللبناني خلال تلك الفترة، هو المتهم الأول، ملغية تماما إمكانيّة تورّط الجيش السوري.

لمشاهدة الحوار كاملا: بعد احتجاب “السفير” : نهاية مدرسة إعلامية رائدة في العالم العربي

16 فبراير، 2017 م • آخر المقالات • أبرز المواضيع • أزمة الصحافة الورقية بالعالم العربي • اقتصاد الإعلام • ملفات • نماذج اقتصاديّة • المحرر رشيد خشانة

شعار جريدة السفير

أقفلت جريدة “السفير” اليومية اللبنانية العريقة أبوابها في مطلع العام الجاري (إلى الأبد؟)، وكان العدد 13552 هو الأخير. وباختفائها تُطوى صفحة خصيبة من تاريخ الصحافة والإعلام في العالم العربي، فـ ”السفير” التي كانت مدرسة تعلم منها وكتب فيها أعلام السياسة والثقافة العرب، على مدى نصف قرن، هي التعبير الرمزي عن الموت المحتوم للعديد من الصحف الورقية العربية، التي تتهاوى مثل أوراق الخريف، من موريتانيا إلى عُمان. وقد أعلنت صحف مُحتضرة عديدة أنها على وشك وقف إصدارها الورقي والاكتفاء بموقع إلكتروني. أما “السفير” التي أسسها الصحافي اللبناني طلال سلمان في 26 مارس 1974 م فلم يتبق شيءٌ من رمادها… حتى ولو كان موقعا إلكترونيا.

غطت السفير بحرفية عالية أطوار الحرب الأهلية في لبنان (1975-1990م)، وكان شعارها “صوت الذين لا صوت لهم”. ورافقت المقاومة الفلسطينية عن كثب أثناء وجودها في لبنان إلى أن أخرجت منه في سبتمبر 1982م، وواكبت الأحداث الكبرى في العالم العربي والعالم عموما، مثل انهيار جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفياتي ويوغسلافيا، والحروب الأمريكية على العراق. ولم تُهمل المغرب العربي، الذي ينحدر منه كثير من كتابها، فقد كانت تعتبر نفسها “جريدة لبنان في الوطن العربي، وجريدة الوطن العربي في لبنان”. بهذا المعنى فإن احتجابها ليس مجرد غياب عنوان صحفي عن الأكشاك في صباحات بيروت، بل هو علامة على المفترق الذي توجد فيه الصحافة والثقافة العربيتان.

كفاءات مهنية بارزة

كانت ولادة “السفير” في غمرة المد اليساري والقومي، خلال سبعينات القرن الماضي، فرصة تاريخية اقتنصتها من أجل التحول إلى أهم منبر إعلامي عربي. كل من له إنتاج فكري أو مشروع ثقافي أو مبادرة سياسية إلا واعتلى منصة “السفير” لكي يسمعه الناس في المشرق كما في المغرب. ويعود ذلك إلى أن الصحيفة استقطبت كفاءات مهنية بارزة تحريرا وإخراجا منها جوزف سماحة وحازم صاغية وكلوفيس مقصود وباسم السبع وراشد فايد ومحمود درويش، ومنها أيضا رسام الكاريكاتير الفلسطيني المبدع ناجي العلي، الذي انتقل إليها من صحيفة “القبس” الكويتية، فمنحها بصمة قوية من خلال شخصية حنظلة التي أصبحت لا تفارق الصحيفة. وكان كثير من هؤلاء ناشطين في اليسار اللبناني، فبدت الصحيفة معهم “وكأنها أرض اللقاء بين أهل اليسار بتنوعاتهم وتبايناتهم، من الشيوعيين إلى المحازبين إلى القوميين العرب، الذين كانوا قد استيسروا من دون أن يفقدوا جذور عروبتهم” مثلما يقول عنهم رئيس تحريرها طلال سلمان. واستقطبت “السفير” أيضا كفاءات غير لبنانية منها الفلسطيني بلال الحسن، الذي صار نائب رئيس التحرير قبل أن يهاجر إلى باريس، والسوري سعد الله ونوس والتونسي صالح بشير (السكوحي) والمصريون ابراهيم عامر ومصطفى الحسيني وحلمي التوني، والأخير هو من اختار شعار السفير (الحمامة) تذكيرا بالحمام الزاجل، ولونها المُميز (البرتقالي) الذي “يرمز إلى البرتقال في يافا وكل فلسطين”، كما كان يقول. وضع حلمي التوني أيضا ماكيت الصحيفة فأتت في ثوب جديد شكلا ومضمونا.

لم تكتمل مرحلة التأسيس حتى اندلعت الحرب الأهلية في لبنان في أبريل 1975م،   بعد شهور من صدور “السفير”، وسرعان ما بدأت الصحف والمجلات البيروتية تُهاجر إلى باريس ولندن واحدة بعد الأخرى: المستقبل، النهار العربي والدولي، كل العرب، الدستور، الوطن العربي… لكن “السفير” ظلت هي “السفير”. لا بل إنها عززت طاقمها بقامات إعلامية بارزة. والسؤال البديهي الذي يطرح نفسه هنا هو التالي: من كان يُمولُها؟ لم يكن سرا أن ليبيا هي التي تُمولُ “السفير”، غير أن حازم صاغية يشرح لعبة الالتفاف اليومي على إكراهات التمويل بهذه الكلمات “نشأت في “السفير” تلك التسوية التي عملتُ بموجبها، وعمل كثيرون غيري، لسنوات طوال: نضع المموّل بين هلالين، فلا نأتي على ذكره سلباً أو إيجاباً، ونستفيد من الحيّز المتاح كي نقول ما نريد قوله. هكذا نكون نؤمن بكلّ ما نكتب، لكنّنا لا نكتب كلّ ما نؤمن به. وطلال (سلمان)، بدوره، لم يسأل أحداً أن يكون غير ذلك”.

الهجرة الكبرى

تلقت “السفير” ضربة قوية مع الاجتياح العسكري الإسرائيلي للبنان وحصار بيروت في صيف 1982م، إذ كان على العديد من أعمدة الصحيفة غير اللبنانيين أن يغادروا البلد، فبلال الحسن هاجر إلى باريس حيث أسس مجلة “اليوم السابع”، وشارك آخرون في إعادة إصدار صحيفة “الحياة” من لندن، فيما عزز آخرون طواقم الصحافة المهاجرة الأخرى أو الإعلام الأوروبي.

وليست شقيقات “السفير” في بيروت بمنأى عن مصير أكبر صحيفة لبنانية، إذ أن الاختناق ثم الإغلاق يهددانها جميعا. ومن علامات هذه اللحظة المفصلية أن ثلاث جرائد أخرى في لبنان، مهد الصحافة العربية، قررت منذ العام الماضي صرف الصحفيين والتوقف عن الإصدار الورقي، وهي “النهار” واللواء” والمستقبل”. كما تمرُ أغلب وسائل الإعلام المرئية اللبنانية بأزمة اقتصادية خانقة، يدفع ثمنها الصحافيون والموظفون، من خلال تأخُر الرواتب أو الصرف من العمل.

اختناق


وفي مصر أيضا تواجه الصحافة الورقية منذ 2015 م محنة شبيهة بنظيرتها اللبنانية، بسبب انتشار وسائط الاتصال الحديثة، ما يُهددُ بقبر الصحافة الورقية والاستعاضة عنها بالمواقع الإلكترونية، لمجابهة أزمات مالية خانقة. ويتعلق الأمر بالصحف الخاصة وليس بالصحف “القومية” (صحافة القطاع العام)، فصحيفة “التحرير” الأسبوعية أوقفت إصدارها الورقي منذ أول سبتمبر من العام الماضي، بعد معاناة قاسية استمرت أكثر من سنتين. ولم تنقض سنة 2015 م إلا وصحيفة “البديل” تشهد المصير نفسه. ومردُ ذلك بحسب مجلس الإدارة إلى “العزوف عن الصحافة المطبوعة واعتماد الأغلبية على استخدام العالم الإلكتروني”. وفي الفترة نفسها بدأت صحيفة “المصري اليوم” تقتفي أثر الصحف المُهاجرة إلى العالم الافتراضي، في ظل صراع مرير بين إدارة الصحيفة والمُحررين، الذين ساندتهم نقابة الصحفيين.

وفي ليبيا توقفت صحيفتا “قورينا” و”أويا” عن الإصدار الورقي واقتصرتا على النسخة الإلكترونية، بالرغم من أنهما صحيفتان عريقتان كانتا تصدران قبل ثورة 17 فبراير 2011م، وفي الإمارات لم يشفع سوق الإعلان الضخم لصحيفة “الإمارات اليوم” الناطقة بالإنجليزية “Emirates Today” لتفادي وقف طبعتها الورقية لتقتصر على موقع إلكتروني.

توقف ست صُحُف

أما في الجزائر فتُواجه الصحافة الورقية صعوبات من نوع آخر، إذ أن تراجع المداخيل من المحروقات أربك قطاعات كثيرة، وانعكس ذلك في مداخيل الصحف أيضا. كما أن الأزمة التي اندلعت بين شركة الطباعة العمومية والجرائد التي تُطبع فيها حول ضرورة دفع المستحقات، أجبرت ست صحف على التوقف عن الصدور منذ جوان/يونيو الماضي. وهناك عشرون جريدة أخرى ينتظرها مصير مماثل إن لم تُسدد المستحقات المُستوجبة عليها. وأثار موقف الشركة تساؤلات عديدة في الأوساط الإعلامية عن احتمال وجود دوافع سياسية خلف هذا الإجراء، بالنظر إلى أن الصحافة الورقية في الجزائر هي أكثر جرأة من المحطات الإذاعية والتلفزية في نقد السلطة ورئيس الجمهورية.

مع ذلك توجد مؤشرات إيجابية توحي بأنه مازالت في عمر الصحافة الورقية فسحة، إذ أظهرت دراسة أجريت على صحف أمريكية في العام الماضي، أن نصف قراء الصحف لا يزورون المواقع الالكترونية لتلك الصحف، بل يُفضلون قراءتها في طبعاتها الورقية. وأوضح مركز “بيو” لاستطلاعات الرأي الذي قام بالدراسة أن “هذه النتائج مماثلة لنتائج المسح الوطني الأمريكي، التي أظهرت أن 56 في المئة من القراء يفضلون النسخة المطبوعة”. كما أثبت المسحُ كذلك أن نحو 75 في المئة من دخل الإشهار يأتي من النسخة الورقية.

هل تكتب الصحافة الورقية "المانشيت" الأخير؟

بعض الصحف العربية استغلت الجائحة لتعلن استسلامها

أمينة خيري صحافية

سعاد اليعلا صحافية

سوسن مهنا مراسلة @SawsanaMehanna أحمد مصطفى صحافي متخصص في الشؤون الدولية

الثلاثاء 9 يونيو 2020 م .

   اختصاصية أرشيف تعتني في المكتبة الشرقية ببيروت بإحدى أقدم الصحف العربية "حديقة الأخبار" (غيتي)

بينما مرضى الفيروس في مراحله الحرجة يعتمدون على أجهزة التنفس بحثاً عن أنفاس عزّت في زمن "كورونا"، فإن صحفاً وصحافيين ومطابع ومهنة تصارع من أجل البقاء لليوم التالي إلى أن يأذن الله أمراً كان مفعولاً.

يقول أحمد عصمت الذي يعد مشروعاً في التحول الرقمي في مجال صناعة الإعلام والترفيه إن الإجراءات التي اتخذها عدد من المؤسسات المصرية بتقليص أعداد الصحافيين أو مرات الإصدار لا تعني سوى افتقارها الى أية إجراءات أو تدابير أو تخطيط إستراتيجي. ويضيف أن البعض يفسر الإغلاق والتقليص بمحاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، في حين يرى البعض الآخر أن الفيروس جاء هدية من السماء لمن أرادوا الإغلاق وكتابة كلمة النهاية أمام الصحافة الورقية. وقد زاد طين كورونا على الصحافة الورقية المصرية بلة إشاعات ومعلومات مغلوطة تم تداولها في بداية الأزمة تفيد انتشار الفيروس عبر بيع وتوزيع الصحف والمجلات الورقية. ويعتبر الكاتب أحمد عبد التواب أن ترويج هذه الإشاعة ضاعف من حجم الضرر.

عدوى البيع والتوزيع

الضرر الذي لحق بتوزيع وبيع الصحف والمجلات الورقية حاولت بعض المؤسسات التغلب عليه عبر التغليف وإتباع إجراءات الحماية الاحترازية وغيرها، بحسب ما يشير المدرب في مجال فنون وأدوات الإعلام الجديد السيد خالد البرماوي. لكنه يلفت إلى أن منظومة توزيع الصحف في مصر سيئة للغاية، إذ تعتمد في أغلبها على البيع عبر الأكشاك وليس التوزيع بحسب الاشتراكات السنوية أو نصف السنوية، وهي منظومة ساهمت في مزيد من انخفاض المبيعات. ويقول: "حين تنخفض مبيعات الصحف في محافظة كبرى من محافظات صعيد مصر وعدد سكانها ثلاثة ملايين مواطن من 20 ألفاً إلى ألف نسخة بفعل كورونا، فإن هذا يعني أن الصحافة الورقية دخلت مرحلة الخطر الشديد".

مرحلة الخطر الشديد يعبر عنها ببلاغة فائقة مشهد كشك الجرائد الشهير في شارع الميرغني في حي مصر الجديدة (شرق القاهرة). "فرشة الجرائد" (الصحف والمجلات المفروشة على الرصيف) تقلصت من مساحة خمسة أمتار بعرض الرصيف إلى بضعة سنتميترات تعرض عدداً من الصحف اليومية التي تقلص عدد صفحات البعض منها من 24 إلى ثماني صفحات فقط لا غير. صاحب الكشك "عم مصطفى" يقول إنه على الرغم من تقليل عدد الصحف التي ترده يومياً، إلا أن ما يزيد على نصفها يتحول إلى مرتجع في آخر النهار. ويضيف أن الفيروس أثر سلباً حتى على الميسورون، وهم القلة التي حافظت على عادة شراء الصحف اليومية، ثم تخلت عنها سواء لبقائها في البيت واطلاعها على الأخبار عبر الإنترنت أو لتقليص النفقات بعد تأثر الدخل.

دليل سياحي مصري يقرأ الجريدة قرب مقبرة الفرعون رمسيس (غيتي)

بوابة الإعلانات 

تأثر مداخيل وأرباح المؤسسات الصحافية بـ"كورونا" جاء أيضاً من بوابة الإعلانات. يقول الدكتور أحمد عبد التواب إن "انخفاض الإعلانات بنسب لا تقل عن 70 في المئة في أغلب المؤسسات الصحافية ألقى بظلال وخيمة جداً على هذه المؤسسات والعاملين فيه ونمط عملية الصدور. ويضيف أن المعلن فطن إلى أن الوباء سيقلل من إقبال القراء على شراء الصحف فأحجم الكثيرون عن استمرار الإعلانات.

تعامل الدولة مع أزمة الصحافة الورقية في ظل كورونا جاء على سبيل تضميد ما يمكن تضميده من جراح. لجنة إدارة الأزمة في الهيئة الوطنية للصحافة عقدت اجتماعاً في نهاية آذار (مارس) الماضي حضره رؤساء مجالس إدارات المؤسسات الصحافية القومية وتم استعراض الموقف في ما يتعلق بتوافر خامات ومستلزمات الإنتاج من ورق وأحبار وألواح طباعة وغيرها. واطمأن المجتمعون إلى أن المستلزمات تكفي لمدة ستة أشهر. لكن الاجتماع لم يتطرق إلى محتوى الصحف الورقية، وهو أحد أطواق النجاة أو عوامل الغرق. 

مصير الصحافة الورقية

يقول خالد البرماوي إن مصير الصحافة الورقية أزمة عالمية ضربت دول العالم أجمع بدرجات متفاوتة حتى قبل كورونا. يقول: "بلغة الأرقام كانت مصر حتى أحداث يناير (كانون ثاني) 2011 م تطبع نحو مليوني نسخة صحف بأنواعها، تقلصت بفعل أحداث 2011 و2013 م إلى نحو 350 ألف نسخة، ثم انخفضت إلى نحو 50 ألف نسخة منذ انتشار الوباء. وكل جهود الدعم الحكومي المالي والتسهيلات ليست إلا محاولات إبقاء المريض على قيد الحياة فترة أطول". أما أحمد عصمت فيشير إلى أن "الصحافة المطبوعة يجب أن تتحول إلى الموضوعات العميقة والتحليل بنكهات وتستخدم أدوات تختلف عن تلك الموجودة على مواقع التواصل الاجتماعي والتي لعبت دوراً كبيراً في تهميش دور الصحافة المكتوبة عموماً والمطبوعة بشكل خاص. وللعلم التحول الرقمي ليس مجرد تكنولوجيا، لكنه تقنيات مع ثقافة ومحتوى وإدارة رشيدة وتخطيط ومعرفة الجمهور بشكل أعمق. جمهور اليوم يختلف تماماً عن جمهور الأمس".

السيدة نيفين سليم (69 سنة) تمثل جمهور الأمس المخلص لصحافته الورقية. تقرأ "الأهرام" يوم الجمعة، و"أخبار اليوم" يوم السبت، وتتأرجح بين "المصري اليوم" و"الوطن" بقية أيام الأسبوع. ليس هذا فقط، بل إنها تشتري أحياناً مجلتي "صباح الخير" و"روز اليوسف" كعادة والدها رحمه الله. تقول: "على الرغم من الوباء ما زلت أصر على شراء الجرائد يومياً. اقرأها وزوجي. محاولات أبنائي وأحفادي إثنائي عن قراءة الصحف عبر تحميل تطبيقات أو إرسال روابط على الإنترنت لم تحل دون شرائي الصحف والمجلات. لنسمِها عادة أو ارتباطاً أو حنيناً إلى ما مضى".

السعودية

في السعودية، العام 2020 م وأحداثه المتسارعة السيئة، حمل خبر إقفال صحيفة "الحياة" الشهيرة في السعودية بعد 70 عاماً من انطلاقها، حيث نعاها كتاب وصحافيون وصدم جمهورها بما آل إليه حالها.

وكتب المحلل السياسي خالد الزعتر "لن تكون صحيفة الحياة وحدها من تفارق الحياة، الصحف الورقية جميعها مهددة، بخاصة تلك التي لا تزال تدار بالعقلية القديمة أو التي تحاول أن تقود المرحلة الإلكترونية بالعقلية الورقية نفسها، أيتها الصحف افتحي أبوابك للمبدعين واعطي فرصة للجديد ولا تتمسكي بالقديم".

وفنّد أستاذ الإعلام والاتصال، علي شويل القرني، لـ"اندبندنت عربية" واقع الصحافة الورقية في العالم، وقال "سنجد ثلاث كتل رئيسة في العالم، على النحو التالي: صحافة لم تتأثر تقريباً من الأزمة، مثل بعض الدول الآسيوية كالصين واليابان والهند، أو ما يمكن أن نطلق عليه التجربة الآسيوية. صحافة أعادت التكيف مع الأزمة مثل الولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا، حيث عملت غالبية الصحف في تلك الدول على تنظيم وجودها وحضورها، وبقيت كما هي حتى أثناء أزمة جائحة كورونا. وصحف انهارت، كما هي الحال في بعض صحف منطقة الشرق الأوسط وصحف الدول العربية، ومنها بعض الصحف السعودية. وضاعفت كورونا من أزمة الورقي فيها".

ويوضح القرني "مشكلة الورقي في العالم العربي، أنها لم تستطع بناء نموذج ناجح (business mode) بعد موجة انحسار الورقي في العالم، وتمثل ذلك في رد فعل استسلامي لما حدث في العالم، وأصبحت هذه الصحف تواجه الأزمة بالأسلحة القديمة".

في المقابل، يشير القرني أن "الإعلان عادة يبحث عن النجاح الإعلامي والوجود الجماهيري أينما كان، وليس غريباً أن يظل الإعلان في الورقي، إذا كان الورقي لا زال ناجحاً، ولكن يهرب ويبتعد منه إذا كان قد فشل في البقاء. وفي الصحافة العربية والخليجية لم تعد الصحف الورقية هي المستهدف الأول من الإعلانات، فقد حلت مكانها منافذ أخرى إلكترونية أكثر جدوى وأكثر انتشاراً".

ويقول الكاتب والروائي الإماراتي عبد الله النعيمي إن "الصحف الورقية ماتت، وتكفل كورونا تكفينها ودفنها. المواقع الإلكترونية للصحف شبه مهجورة، ولا يدخلها إلا قِلة من الناس، المنصات التابعة للصحف تفعل المستحيل لتأخذ لها مكاناً في السوشيال ميديا".

وأكد الكاتب الصحافي موفق النويصر، رئيس تحرير صحيفة "مكة"، في تصريح سابق أن "انتشار فيروس كورونا وإن كان ما زال محدوداً في السعودية، إلا أن التحسب له أجبرهم على إعادة صياغة طريقة عملهم بحسب المرحلة".

وأوضح النويصر أنه تم اعتماد صدور النسخة الإلكترونية والرقمية ومنصات التواصل الاجتماعي بالوتيرة ذاتها التي كانت عليها في السابق وتجهيز مجموعات "واتسآب" مختلفة بحسب كل قسم لتبادل الأسئلة والأفكار المراد تنفيذها في العدد، وضمان إبداء الملاحظات حيالها وتعديلها بحسب المطلوب.


قف الطباعة

الكويت منعت أيضاً طباعة الصحف الورقية أثناء الحظر الشامل على الرغم من اعتراض رؤساء تحرير بعض الصحف، مع التأكيد على التزام أقصى درجات الاشتراطات الصحية. وفي منتصف مارس (آذار) الماضي، قررت السلطات الأردنية وقف طباعة الصحف الورقية كونها تسهم في نقل العدوى في إطار الإجراءات الاحترازية الجديدة لمواجهة تفشي فيروس كورونا المستجد في البلاد. وفي نهاية مارس الماضي قررت اللجنة العمانية العليا للتعامل مع فيروس كورونا، وقف الطباعة الورقية للصحف والمجلات والمنشورات بمختلف أنواعها، ومنع بيع وتداول الصحف والمجلات والمنشورات التي تصدر خارج السلطنة. كذلك طالبت وزارة الثقافة والشباب والرياضة المغربية جميع ناشري الصحف والجرائد الورقية بتعليق إصدار ونشر وتوزيع الطبعات الورقية، وأوضحت أن هذه الدعوة تأتي في إطار حالة الطوارئ الصحية المعلنة في المملكة.

بداية الأونلاين

يرى بعض الباحثين أن ولادة الصحافة الإلكترونية كانت مع بداية السبعينيات، وظهور خدمة (التلتكست) عام 1976، كثمرة تعاون بين، مؤسستيIndependent Broadcasting  وBBC. وشهد عام 1979 م ولادة خدمة (الفيديوتكست) الأكثر تفاعلية مع نظام Prestel على يد مؤسسة British Telecom Authority البريطانية. وبناءً على النجاح الذي أحرزته هذه المؤسسات في توفير خدمة النصوص التفاعلية للمستفيدين، بدأ عدد من المؤسسات الصحافية الأميركية، في منتصف الثمانينيات، بالعمل على توفير النصوص الصحافية بشكل إلكتروني إلى المستفيدين عبر الاتصال المباشر. ومن بين هذه المؤسساتTimes ، Mirror، وKnight Riders Viewtron. إلا أن هذه التجربة لم تلق نجاحاً، وتكبدت خسائر قدرت بـ200 مليون دولار. ويعود سبب ذلك إلى عوامل عدة منها، نقص الاهتمام بهذا النوع من الخدمات إلا لدى فئة محدودة من المستفيدين والمعلنين، في ذلك الوقت. مع هذا، لا يوجد تاريخ دقيق لانطلاق الصحيفة الإلكترونية الأولى.

11 سبتمبر الانطلاقة الجدية

يرى الباحث الأميركي مارك ديويز، في دراسة له عن تاريخ الصحافة الإلكترونية، أن الصحيفة الأولى في الولايات المتحدة التي دشنت عام 1992 م نسخة إلكترونية لها على الإنترنت هي "شيكاغو تريبيون"، تحت عنوان "شيكاغو أون لاين". وتوالى بعد ذلك ظهور المواقع الإخبارية والصحافية على الإنترنت، سواء التابعة للصحف والقنوات التلفزيونية أو المواقع الإخبارية المستقلة التي تعد قناة صحافية إلكترونية مستقلة في حد ذاتها. وازدهرت الصحافة الإلكترونية بعد 11 سبتمبر، الحدث الذي هزَّ العالم، إذ استطاعت الصحف والمواقع الإخبارية الإلكترونية أن تنقل بالكلمة والصوت والصورة ذلك الحدث، بينما أخفقت صحف وقنوات فضائية في ذلك.

الصحف اللبنانية

في لبنان، صدرت صحيفة "النهار"، في أكتوبر 2018م ، بعدد أبيض خالٍ من أي كلمة على كامل الصفحات. ظنَّ البعض أن هناك خللاً في الطباعة، ليتبين أن الأمر مقصود، وكان توضيح "النهار" يومها، "خلص الحكي".

هدفت "النهار" من ذلك العدد إلى التضامن مع حرية الصحافة، إضافة إلى التعبير عن الخوف من تراجع الصحافة المكتوبة في مقابل الصحافة الإلكترونية. وفي 31 مارس 2016م، أعلن رئيس تحرير جريدة "السفير" طلال سلمان، أنه سيتم إيقاف الصحيفة وموقعها الإلكتروني، نتيجة تراجع عائدات الإعلانات والانقسامات الطائفية والمذهبية في لبنان والعالم العربي.

كذلك في العام نفسه أعلنت دار "الصيّاد" مالكة صحيفة "الأنوار" وعدد من المجلات الفنية والمنوعة، التوقف عن الصدور، بعد 70 عاماً من إصدار مطبوعاتها. وأوضحت "الأنوار" التي تأسّست في العام 1959 م أن القرار متعلق بـ"الخسائر المادية"، مضيفةً أن "كل من يتابع أوضاع الصحف الحرة المستقلة" يعلمها. أما صحيفة "الاتحاد" فلم تصمد لأكثر من شهرين. صدرت في أكتوبر 2017م، في بيروت، وقيل حينها إنها قد تكون بديلاً من جريدة "السفير"، ولم يصدر عنها تعليل واضح عن أسباب توقفها عن الصدور.

"ما الذي يختلف؟"

يعتبر الأكاديمي وسام سعادة، في حديث إلى "اندبندنت عربية"، أنه ينبغي الانطلاق من الإطار التكنولوجي للمسألة. ويضيف أن الأسئلة نفسها طُرحت مع اختراع الراديو، وكذلك اختراع التلفزيون". نسأل "ما الذي يختلف بين وقتها والآن؟". فيجيب "لو اقتُصر الموضوع على الإنترنت و الأونلاين، لاختلف الأمر. ما يحصل تكنولوجياً، هو الترابط أكثر فأكثر بين ما نسميه التلفزيون والكومبيوتر والراديو والهاتف. كلها تتجه إلى أن تكون جهازاً واحداً، وهي كذلك عملياً على هواتفنا الذكية. بالتالي، مجرد تأمل في ما تخبئه العقود الآتية من الآن حتى منتصف القرن الحالي مثلاً، تجعل الموضوع الورقي شائكاً وباعثاً على التشاؤم، طالما بقيت الصحف الورقية، خارج هذه المنظومة المتداخلة بين الراديو والتلفزيون والهاتف، فإنها مرشحة لأن تزداد تركيباً وتعقيداً". ويشرح سعادة أن حصول تعايش بين هذه المنظومة المعلوماتية الاتصالية المركبة، وبين المطبوعات الورقية، "صعبٌ لكنه ممكن، والتعويل على النوستالجيا (الحنين) للصحف الورقية، لن يكون فعالاً إلا للمتقدمين في السن، إذ إن الأجيال الجديدة، المفطورة على الرقمية، أمرها مختلف". ويلاحظ سعادة أن "الصحف الورقية مرتبطة تاريخياً بفضاءات، المقاهي، وسائل النقل المشترك (القطارات والمترو والطائرات)، والمشكلة تطرح نفسها بشكل أكثر مأزقية في البلدان الذي تتراجع فيها هذه الفضاءات المشتركة".

كبار السن الأكثر تعلقاً بالصحف الورقية (غيتي)

عالمياً 

جاء إعلان "نيوز كورب"، إمبراطورية ملياردير الإعلام روبرت مردوخ، قبل أيام من إغلاق أكثر من 100 صحيفة محلية وإقليمية تابعة للمجموعة في أستراليا، مكملاً لسلسلة من إعلانات الإغلاق ووقف الطبع لعشرات الصحف اليومية والأسبوعية في دول عدّة، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، بسبب تبعات فيروس كورونا (كوفيد-19). وقبل قرار "نيوز كورب" بأيام، أعلنت "بزفيد" وقف عملياتها في إنجلترا وأستراليا في إطار تخفيض حجم نشاطها الإعلامي بشكل عام، بسبب الوباء. وسبق ذلك إغلاق عدد من الصحف ومنافذ الإعلام أو تحوّلها إلى النشر الرقمي فقط، مثل شبكة 10 في سيدني التي أغلقت موقعها الإخباري. وفي أبريل (نيسان)، أعلنت مجموعة الإعلام المجتمعي الأسترالية ACM التي تنشر 170 مطبوعة في أنحاء البلاد، عن وقف طبع غالبية الصحف غير اليومية والمجلات حتى نهاية العام، مع الإبقاء على 14 مطبوعة يومية فقط. كذلك أغلقت تماماً بعض الصحف ذات الملكية العائلية والمستقلة في أستراليا. لكن إعلان "نيوز كورب" و"سيفن ويست ميديا" وغيرها، يظهر أن كورونا لم يصب الصحافة الإقليمية والمحلية فقط، وإنما أيضاً الإعلام الرئيس أيضاً.

 

 

في بريطانيا

وفي المملكة المتحدة، أوقفت 50 صحيفة محلية وإقليمية الطبع، واكتفت غالبيتها بالنشر الرقمي عبر الإنترنت. ولا يقتصر الأمر على الصحف المحلية فقط، بل إن الصحف الرئيسة أيضاً تعاني بشكل مزدوج من انهيار عائد الإعلانات مع توقف الأعمال، بسبب الإغلاق للحدّ من انتشار الفيروس وانهيار التوزيع نتيجة مكوث الأشخاص في بيوتهم وعدم شرائهم الصحيفة. وهذا ما دعا وزير الثقافة البريطاني إلى الظهور على التلفزيون مطالباً المواطنين بشراء الصحف، مشيراً إلى أن ذلك واجب على الجميع في إطار الجهد الوطني العام لمكافحة وباء كورونا. لكن كثيرين يشكّكون في أن تكون هذه الخطوة كافية لمساعدة الصحافة المطبوعة في البلاد. وفي الولايات المتحدة، اضطُرت عشرات الصحف لوقف الطبع، حتى تلك التي تحوّلت إلى النشر الرقمي توقف بعضها لأسباب مالية. فإلى جانب أن عائدات الإعلانات الرقمية لا تصل إلى ربع عائدات الإعلانات المطبوعة، غالبية تلك الصحف لا تملك بوابات دفع إلكتروني تمكّنها من جمع اشتراكات.

ضربة قاضية

وكما يقول أكثر من ناشر، خصوصاً في أميركا، فإنّ الصحافة المطبوعة وإن كانت تعاني منذ فترة، إلّا أنّ الحاجة إليها في وقت أزمة الوباء أصبحت مضاعفة. ففي عددٍ كبيرٍ من المناطق في ولايات أميركية عدّة، تعتمد الهيئات الصحية المحلية على الصحف لإيصال رسالتها وتوجيهاتها المستمرة إلى الجمهور. وفي حال غياب تلك الصحف، تجد الهيئات صعوبة في نقل المعلومات الرسمية للسكان. ويزيد ذلك خطر انتشار المعلومات المغلوطة والضارة عبر مواقع التواصل أو غيرها من قنوات الاتصال غير الصحف المحلية، التي يثق بها الجمهور وتستند إليها الجهات الرسمية. على سبيل المثال، في شمال كاليفورنيا لم تعد "فيذر بابليشينغ" تطبع الصحف الأربع في المنطقة، ونقلت صحيفة "لوس أنجلس تايمز" عن متحدثة باسم إدارة الصحة المحلية أن توقف الصحف جعل من الصعب عليهم إيصال المعلومات والنصائح بشأن فيروس كورونا إلى الجمهور في المنطقة". في بعض المناطق الريفية النائية من كاليفورنيا، كانت تستخدم الصحيفة بعد قراءتها في إشعال حطب التدفئة في الشتاء القارس"، كما تقول مديرة تحرير إحدى الصحف الأربع التي تملكها الشركة العائلية "فيذر بابليشينغ". ومع أن المواقع الإلكترونية للصحف الرئيسة تشهد إقبالاً متزايداً في الآونة الأخيرة، نظراً إلى ارتفاع استهلاك الملايين الذين يقبعون في بيوتهم للأخبار، إلّا أنّ ذلك لا يوفر عائداً مادياً للصحف.

 

نمط الاستهلاك

وبحسب مؤسسة "بيو" للأبحاث، فقد انخفض عدد المنازل الأميركية المشتركة في صحيفة من 55 مليون عام 2000 إلى حوالى نصف هذا العدد حالياً. وفي السنوات الأخيرة، أغلقت نحو 1800 صحيفة تماماً بسبب عدم قدرتها على الطبع أو التحوّل إلى النشر الرقمي. أدى ذلك إلى انهيار التوزيع تقريباً، خصوصاً في بلد مثل بريطانيا لا يعتمد على اشتراكات وتوصيل الصحف إلى المنازل كما في أميركا، بل على شراء الأفراد للصحف من منافذ في الشوارع. ومع إجراءات كورونا، توقفت محال بيع الصحف عن العمل تقريباً أو أغلقت بغالبيتها. كما أن العدد القليل من المعلنين الذين ينشرون رقمياً في الصحف على الإنترنت، اشترطوا ألّا توضع إعلاناتهم مع أخبار وباء كورونا. وبما أن غالبية الأخبار الآن هي عن الفيروس، فقد زاد ذلك الضغط المادي على الصحف حتى تلك التي لديها نشر رقمي بملايين المتابعين.

في المقابل، ارتفعت مكاسب شركات الإنترنت والتكنولوجيا الرقمية الكبرى، وفي مقدمتها منصات تجميع الأخبار من مصادر الإعلام الرئيسة مثل "آبل" و"غوغل" وغيرها. لذا لجأت أستراليا إلى فرض رسوم على الشركات العملاقة، تلك التي تستخدم في دعم الصحف ووسائل إعلام تصل إلى الأفراد في منازلهم. وطالبت نقابة الصحافيين البريطانية NUJ، الحكومة بمضاعفة ضريبة الأرباح على شركات التكنولوجيا التي تزيد عائداتها السنوية على نصف مليار دولار، واستخدام العائد للاستثمار في الصحف التي توشك على الانهيار. لكن كل ذلك لا يبدو كافياً لإنقاذ الصحافة المطبوعة من عثرتها، التي جاء الوباء ليقضي على مَن استطاع منها الثبات والمتابعة، ولن يبقى من منافذ الإعلام سوى من سيتمكّن من الاستمرار رقمياً مع عدد قليل من المطبوعات التي ستصمد حتى ما بعد الوباء.

القبس في كورونا 9 مايو 2020 م ، المشاهدات:846 أزمة الوباء ضربة للصحافة الورقية العربية! الإمارات أعلنت في 21 مارس الماضي وقف تداول الصحف والمجلات الورقية بسبب «كورونا» AA ضغوط كبيرة عانتها الصحافة الورقية في العالم العربي، نتيجة أزمة فيروس كورونا المستجد، التي تسبّبت في فقدان إيرادات وعجز عن دفع رواتب. وفي تقرير مشترك، رصد موقع «الجزيرة نت» الواقع الاقتصادي والمالي للمؤسسات الصحافية العربية وموظفيها، متطرّقاً إلى الوضع في المغرب، فبعد يومين من تفعيل حالة الطوارئ الصحية، اعتباراً من 20 مارس، دعت الحكومة ناشري الصحف الورقية إلى تعليق إصدار ونشر وتوزيع الطبعات حتى إشعار آخر، مع الاستمرار في تقديم خدمة إعلامية بصيغ بديلة في الظروف الحالية. وتحوّلت الصحف ـــــ إثر هذا القرار ـــــ إلى الإصدار الرقمي بصيغة «بي دي إف» مجاناً على مواقعها الإلكترونية وعبر منصات عدة. وانعكس توقّف الطبع والتوزيع على المؤسسات الإعلامية والعاملين بها؛ إذ اتجه الكثير من الصحف إلى التوقيف المؤقت للإداريين والتقنيين، والتخفيض من أجور الصحافيين، والاستغناء عن بعضهم. احتجاب 3 صحف وفي الجزائر، احتجبت ثلاث صحف كبرى: «النهار، الخبر، الوطن الناطقة بالفرنسية» عن الظهور، مع بدء تدابير الحجر الصحي، ما دفع وزارة الاتصال للتدخّل يوم 25 مارس، مؤكدة «ضرورة استمرار مختلف وسائل الإعلام العمومية والخاصة، وبكل أصنافها في أداء دورها الحيوي». وتعهّدت الوزارة في بيان بتقديم تراخيص إدارية لكل العاملين بالقطاع للتنقّل بحريّة، في ظل إجراءات الحجر الصحي، غير أن تعقيدات الوضع أجبرت الصحف الورقيّة على التواري، سوى من حضور رمزي في المشهد العام. وقلّصت كل الصحف الإصدار إلى مستوياته الدنيا، بعد انكماش الإعلانات الإشهارية بفعل الأزمة. وتوقّف دفع الأجور منذ فبراير الماضي في أغلب المؤسسات الإعلامية. وفي تونس، حجب «كورونا» الصحافة الورقية بعد توقّف جُل الجرائد عن الصدور، في وقت أطلقت فيه جامعة مديري الصحف نداء استغاثة للحكومة لإنقاذ القطاع المتأزّم أصلا، وتأمين أجور المئات من الصحافيين المهددين بفقدان وظائفهم. تداعيات كارثية وتتوزّع المؤسسات الإعلامية المكتوبة بين سبع صحف يومية و28 دورية، وينشط أكثر من ثلاثة آلاف شخص بين عمال وتقنيين وصحافيين وموظفين في قطاع الصحافة الورقية. ووصف رئيس جامعة الصحف الطيب الزهار تداعيات الفيروس على قطاع الصحافة الورقية بالكارثي، خصوصاً أن أغلب المؤسسات الإعلامية التي توقفت عن الصدور باتت اليوم عاجزة عن أداء أجور موظفيها. أما في مصر، فتوقّفت الصيحات الليلية لباعة الصحف الجائلين بأسماء الصحف، بفعل «كورونا»، وكفّوا تماما عن النداء الشهير بأسماء الصحف «أهرام، أخبار، جمهورية»، وهي الصحف الثلاث الرئيسة. وباتت أكشاك بيع الصحف تغلق أبوابها مبكراً، انصياعاً لقرار غلق المحال في الخامسة مساء، وكانت معظم مبيعاتها ليلاً عقب صدور الصحف. وجاء وباء «كورونا» ليضاعف متاعب المؤسسات الصحافية الحكومية المثقلة بالديون التي تجاوزت عشرين مليار جنيه (نحو مليار وثلاثمئة مليون دولار)، فضلاً عن الصراع مع الصحافة الرقمية، ما دفع المصريين الى العزوف عن قراءتها، فتراجعت مبيعاتها. بدورها، عانت الصحف السودانية من الجائحة، كما يقول الفاتح وديدي مدير تحرير صحيفة الحداثة، مبيناً: «بينما يكابد العاملون في سوق الصحف، محاولين التمسّك بأسعار المطبوعات في حدودها الحالية، يطيح الفيروس آخرَ محاولات الصحف للصمود». واتخذت صحيفة الحداثة قرارها باكرا بالتوقّف عن الصدور مع بدايات ظهور المرض في البلاد، قبل أن تلحق بها كل الإصدارات الورقية. ويؤكد الهندي عز الدين مالك صحيفة المجهر تأثّر الصحف بنحو كبير بسبب الإجراءات الاحترازية للوباء. في لبنان، ومع بدء انتشار الفيروس، وصل تراجع الإعلانات المصدر الأساسي لمدخول الصحف المستقلة إلى %75، بسبب إقفال المكتبات، وتوقّف بيع الصحف، والتزام الناس المنازل. وحول المخاوف من إقفال صحف نتيجة تراكم الأزمات، قال جورج سولاج نائب نقيب مجلس نقابة الصحافة إن كل شيء وارد، معتبرا أن واقع العاملين في الصحف من صحافيين وإداريين أصبح مهدداً كباقي القطاعات الأخرى، نتيجة تداعيات الأزمة الاقتصادية وانتشار الوباء. إلى ذلك، تحوّل أغلب الصحف في العراق إلى إصدار أعدادها إلكترونياً فقط، وبعدد صفحات أقل من السابق، في وقت توقفت صحف أخرى عن الإصدار، وقامت بتقليص رواتب موظفيها لتجنّب إعلان إفلاسها و«موتها». ونقل عن علي حسين رئيس تحرير صحيفة «المدى»، وهي من كبرى الصحف في البلاد، قوله: «لجأنا إلى الإصدار الإلكتروني لتبقّى الصحيفة متواصلة مع جمهورها، في ظل توقّف العدد المطبوع بسبب جائحة فيروس كورونا». وأجبر حظر التجوّل الشامل الكثير من الصحف على الاحتجاب وعدم الصدور لأكثر من شهر. الصحافة الورقية كورونا

كورونا» يعمق أزمة الصحافة الورقية

جاءت جائحة فيروس كورونا المستجد «كوفيد- 19» لتعمق أزمة الصحافة الورقية التي اضطر كثير منها في وقت سابق إلى التوقف بعد خسارة التحدي مع الصحف ووسائل الإعلام الإلكترونية، وهو ما يزيد التساؤلات حول مستقبل هذه الصحف، وإذا ما كانت في طريقها إلى الاندثار بشكل تام.

فرض ظهور الصحف ووسائل الإعلام الإلكترونية تحديات ضخمة على الصحافة الورقية، التي ظلت لعقود طويلة متربعة على عرش الصحافة، حيث اضطر كثير منها إلى التوقف عن الصدور وتسريح الصحفيين والعاملين فيها، وبعضها الآخر اكتفى فقط بإصدار نسخ إلكترونية، وإن كان عدد من الصحف الذي يمتلك موارد مالية ضخمة قد استطاع الجمع بين الإصدار الورقي والإصدار الإلكتروني في الوقت نفسه.

وقد حدث ذلك في ظل تنامي وسائل الإعلام الإلكترونية التي دخلت في منافسة حامية الوطيس مع الصحافة الورقية، وتم حسم الأمر لصالح منابر الإعلام الإلكتروني، في ظل ما يعيشه العالم من ثورة غير مسبوقة في مجال الاتصالات والمعلومات؛ ما وفر ميزات كثيرة لهذه المنابر في مواجهة الصحافة الورقية، ومنها انخفاض التكلفة وسرعة إيصال الخبر والمعلومة والتحليل.

وبطبيعة الحال، فإن الصحافة الورقية المدعومة من قبل حكومات بعينها أو تلك المدعومة من قبل جهات محددة، لم تواجه مثل هذه الأزمة التي واجهتها الصحافة الورقية الأخرى، بحكم توافر التمويل اللازم لها، وهنا نشير إلى أن الكثير من الحكومات والأنظمة السياسية حريصة على أن تكون لها صحف ورقية تعبر عن توجهات، وتدعم سياسات هذه الحكومات والأنظمة.

وإذا كان بعض الصحافة الورقية قد استطاع الصمود بحكم ما لديه من موارد مالية، أو بحكم نجاحه في الجمع بين الإعلام التقليدي والإعلام الإلكتروني، أو بحكم ما حققه من مكاسب من عملية التوزيع أو الإعلان، فإن هذا النوع الأخير من الصحف على وجه التحديد واجه تحديات جديدة مع جائحة فيروس كورونا المستجد «كوفيد- 19» التي غزت العالم بشكل مفاجئ، وحولته إلى جزر منعزلة بين عشية وضحاها، حيث أحجم القراء عن شراء الصحافة الورقية خوفاً من العدوى، وبادر كثير من ناشري هذه الصحف تحت وطأة هذا الوضع إلى وقف صدور صحفهم، ويتخوف محبو الصحافة الورقية من أن يطول مدى اختفائها مع أزمة «كوفيد- 19»، أو ألا تعود هذه الصحف للصدور مرة أخرى، كما يتخوف ناشرو هذه الصحف من ألا يتمكنوا مرة أخرى من إعادة إصدار صحفهم إذا ما طال أمد هذه الأزمة، لأن جمهور القراء لهذه الصحف سيكون قد لجأ إلى مصادر إعلامية أخرى وتعود عليها بديلاً للصحافة الورقية.

وعلى هذا النحو، يمكن القول إن جائحة فيروس كورونا المستجد ستؤدي إلى تعميق أزمة الصحافة الورقية وقد تكتب تاريخ نهايتها، ومما لا شك فيه أن اختفاء مثل هذا النوع من الصحف سيعني حدوث تحول كبير في خريطة وسائل الإعلام، التي ظلت الصحافة الورقية تحتل فيها مكانة بارزة.

وفي الواقع، فإن الكثيرين من المختصين بقضايا الإعلام والنشر يعتبرون أن اختفاء الصحافة الورقية يعد مسألة وقت، ويؤكدون أن وسائل الإعلام الإلكتروني ستكون هي الوحيدة بعد وقت طال أو قصر، ومن ثم يجب على ناشري الصحف الورقية اتخاذ خطوات حاسمة في سبيل التحول الكلي باتجاه الصحافة الإلكترونية. وهذا الرأي صحيح تماماً، ولكن يمكن القول إن الصحافة الورقية لن تختفي في زمن قصير، وفي كل دول العالم بشكل متزامن، وبخاصة في تلك الدول التي لا تمتلك بنية تكنولوجية قوية تساعد في تمكين وسائل الإعلام الإلكتروني فيها. بيد أن ما يجب تأكيده في نهاية المطاف، أن مكانة الصحافة الورقية سوف تتلاشى شيئاً فشيئاً إلى أن تختفي، مع تصاعد سطوة وسائل الإعلام الإلكتروني، وثورة الاتصالات التي خلقت جيلاً جديداً لم يعتَد قراءة الصحافة الورقية أصلاً.

28 و29 يونيو الجزيرة للدراسات ينظم مؤتمرا بحثيا يتناول: تحديات الصحافة الورقية والرقمية في العالم العربي بعد كورونا


لوسيل  24 يونيو 2020 م   

ينظِّم مركز الجزيرة للدراسات مؤتمرًا بحثيًّا بعنوان "تحديات الصحافة الورقية والرقمية في العالم العربي"، يومي 28 و29 يونيو 2020م، لدراسة الأزمات التي يعيشها هذا القطاع على المستويين، البنيوي والوظيفي، وطبيعة اقتصاديات المؤسسات الصحفية الورقية والرقمية، وأبعاد تأثير حرية التعبير والسلوك الاتصالي للجمهور والمستخدمين في مستقبل هذه الصناعة، والبحث أيضًا في انعكاسات جائحة كورونا على الصحافة الورقية التي اتجه معظمها إلى وقف أو تعليق إصدار طبعاتها الورقية.

وهو ما يطرح سؤال النموذج الاقتصادي أو الجدوى الاقتصادية للصحافة الورقية في العالم العربي؛ حيث لا يمكنها الاعتماد على ما توزعه الصحف (المبيعات) لتغطية نفقاتها، ولا حتى على مداخيلها من الإعلانات التي تراجعت اليوم بشكل غير مسبوق في سياق الأزمة الراهنة لانتشار وباء كورونا، خاصة بعد توقف أو تعليق هذه الصحف لنشاطها سواء في السوق المحلية أو الإقليمية.

وفي بيان للمركز امس حول المؤتمر ورد:" لم تستطع المؤسسة الصحفية أن تبلور نموذجًا اقتصاديًّا جديدًا يُمكِّنها من تأمين استمرار مشروعها رغم الدعم المالي الذي ظلت تتلقاه خلال العقود الماضية سواء من قبل الدولة أو المؤسسات الحزبية أو الجهات الخارجية. وتجد الصحافة الرقمية نفسها أيضًا في بيئة اقتصادية ومنظومة اتصالية لا تساعدها على إنشاء وتطوير مؤسسات صحفية منتجة ذات جدوى اقتصادية؛ إذ لا تزال تعتمد النموذج التقليدي (الإعلانات، التمويل) في تغطية نفقاتها، وهو ما يجعل المؤسسة الصحفية مرتهنة للجهات الممولة لها. كما أن خيار "الدفع" من قبل المستخدمين مقابل الحصول على المعلومة والخبر تحول دونه عقبات كثيرة".

وأشار البيان الى إن :" المؤتمر البحثي يهدف  إلى استكشاف الإشكاليات والتحديات التي يعرفها واقع الصحافة الورقية في العالم العربي بنيويًّا ووظيفيًّا من خلال دراسة أزمات الحالات البارزة (في لبنان، وتونس، والمغرب، والأردن..) وبحث مواطن خلل البيئة الإعلامية وسياقاتها المختلفة (الاقتصادية والسياسية والاجتماعي والتكنولوجية...) التي تدفع بالمؤسسة الصحفية إلى التوقف عن النشر والخروج من المشهد الإعلامي، ثم دراسة أسباب عجز هذه الصحافة عن التكيُّف مع البيئة الإعلامية والاتصالية/الرقمية التي فرضت أساليبَ جديدةً لتلقي الجمهور للأخبار والمعلومات، وأنماطًا صحفيةً مبتكرة. ويسعى المؤتمر أيضًا إلى استقصاء بيئة الصحافة الرقمية وإشكالاتها، واستشراف مستقبلها في ظل الكوابح التي تُعطِّل تحوَّلها إلى تجارب مهنية مؤسسية أو صناعة إخبارية وخدماتية ذات جدوى اقتصادية".

ويشارك في المؤتمر، الذي يُبَثُّ على قناة الجزيرة مباشر وعلى منصات مركز الجزيرة للدراسات على شبكات التواصل الاجتماعي، نخبة من الأكاديميين والباحثين المختصين، وتتوزع أعماله إلى أربع جلسات بحثية

. هل يقضي وباء (كورونا) على الصحافة العربية المطبوعة؟

07 يوليو 2020 م

هل يقضي وباء (كورونا) على الصحافة العربية المطبوعة ؟من الصحافة العربية المطبوعة

حجم الخط

مع انتشار جائحة فيروس كورونا/ COVID-19 في الشرق الأوسط؛ أخذت أجراس الصحافة المطبوعة باللغة العربية تُقرع، حيث تعاني الصحف اليومية العربية آثار حظر التجوّل، وانهيار دخلها من الإعلانات، إضافة إلى فرض حظر النشر على المطبوعات.

بخصوص الصحف التي كانت تجاهد بالفعل من أجل الحفاظ على حضورها في المشهد الإعلامي الذي تتحكّم فيه سلطات الاستبداد وسرعة التحول الرقمي، ربما كان انتشار الوباء “القشةَ الأخيرة التي قصمت ظهرها”.  ووفق تعبير أحد الصحافيين العراقيين: “جائحة كورونا أكملت الحرب على الصحف اليومية المطبوعة التي بدأتها صحافة الإنترنت” [1].

يشير تراجع الصحف المطبوعة إلى تحوّل كبير في المشهد الإعلامي العربي، يجاري ما يحصل في بقية العالم أيضًا. إنه ليس تحولًا سياسيًا، ولكن سيكون له آثار سياسية.

على الرغم من اختلاف الظروف السياسية والاقتصادية من بلد إلى آخر، فإن الصحف العربية المطبوعة، عمومًا، لا تخضع كثيرًا للرقابة والتحكم، مقارنةً بالإذاعة والتلفزيون. ولكن الصحف عمومًا تصرفت -سواء أكانت تحت ملكية الدولة المباشرة أم كانت تتبع سياسات الدولة- كمكبرات صوت للنخب الحاكمة في العالم العربي. إن ندرة الصحافة المستقلة الناقدة ذات النفوذ السياسي هي السبب الرئيس في تفسير ضعف الصحف العربية المطبوعة. ببساطة: من الصعب إبقاء القرّاء مهتمين بمنتَجٍ لا يهمّهم أو يلامس حياتهم.

ومع ذلك، تستحق الصحف العربية الاهتمام، ليس من أجل دورها في السياسة، فحسب، بل لكونها منتديات لمناقشة الثقافة المحلية والأدب والتاريخ ولعب دور في بناء الدولة، في منطقة مليئة بالشباب، في دول ما بعد الاستعمار. وبغض النظر عن الحنين إلى الماضي، نرى أن تراجع الصحافة المطبوعة، وصعود وسائل الإعلام الرقمية، يشيران إلى تغيير جوهري في التفاعل بين المعلومات والتعبئة السياسية. وما حصل أن آثار التغيير بدأت تظهر، في المقابل نجد أن انغماس الناس في السياسة على شبكة الإنترنت هو التحوّل الذي يزعزع الاستقرار كثيرًا، ويتضح ذلك من خلال الأحداث المتباينة، مثل الانتفاضات العربية لعام 2011، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وانتخاب دونالد ترامب.

استنادًا إلى مقابلات مع صحفيين وأكاديميين عرب، وإلى استطلاعات لتقارير حديثة عن وسائل الإعلام باللغة العربية، يبحث هذا التقرير في حالة الصحافة المطبوعة في العالم العربي، وتأثيرات فيروس كورونا.

صحافة بدون حرية صحافة

كونك صحفيًا عربيًا يعني أنك تواجه جملة من الأخطار، في منطقةٍ توصف بأنها الجزء الأقل ديمقراطية في العالم[2]. تعمل معظم الصحف العربية دائمًا تحت ضغط الأنظمة الاستبدادية، على الرغم من اختلاف الظروف من بلد إلى آخر، وبالطبع باختلاف الأوقات [3].

في نسخة عام 2020، من التصنيف السنوي لحرية الصحافة العالمية، منحت (مراسلون بلا حدود) دولة تونس أفضلَ درجة بين الدول العربية، بينما كانت في المرتبة الثانية والسبعين في العالم. من هنا؛ نجد أن الأنظمة القمعية الشديدة شغلت أسفل القائمة، مثل المملكة العربية السعودية (170)، وسورية (174) [4].

الدول العربية في تصنيف حرية الصحافة في مراسلون بلا حدود (2019-2020)

(النرويج: 1) (كوريا الشمالية: 180)

تونس​72

موريتانيا​97

لبنان​102

الكويت​109

الأردن​128

قطر​130

الإمارات العربية المتحدة​131

المغرب/ الصحراء الغربية​133

عُمان​135

فلسطين​137

الجزائر​146

السودان​159

العراق​162

ليبيا​164

مصر​166

اليمن​167

البحرين​169

السعودية170

سورية​174

المصدر: “تفاصيل المؤشر: بيانات حرية الصحافة لعام 2020″، مراسلون بلا حدود (RSF)، https://rsf.org/en/ranking_table.

عادة ما تنشر الحكومات العربية صحيفة أو أكثر، من الصحف اليومية المملوكة للدولة، وفي الدول الأكثر استبدادًا، تبدو الصحف الرسمية مثل قراءة أوراق الدعاية السوفيتية[5]، الأمثلة على هذا النوع المحزن هي الصحيفتان الوطنيتان لوزارة الإعلام السورية: (الثورة) و(تشرين)، وصحيفة (البعث) شبه الحكومية [6]. الصحف الثلاث مصنفات باهتة وغير مهنية، تُوزّع لنشر الدعاية الحكومية، ولم تبق متداولة إلا لأنها مدعومة من الدولة وتوزع على المكاتب الحكومية. وفي هذا السياق، يُذكر قول الصحفي السوري المستقل رجائي برهان: “اعتاد الناس شراءها من أجل الكلمات المتقاطعة أو تنظيف الزجاج الأمامي لسياراتهم”[7].

18 يناير 2008م ، الصفحة الأمامية لجريدة الثورة السورية حول رحلة وزير الخارجية وليد المعلم إلى ألمانيا. المصدر: آرون لوند

تقدّم مصر، التي فيها أربع صحف مطبوعة مملوكة للدولة، مثالًا لصحيفةٍ تديرها الحكومة وتحظى بمكانة أكبر من غيرها، وهي صحيفة (الأهرام) الرئيسية في البلاد[8]. وعلى الرغم من أن صحيفة (الأهرام) تُعدّ موالية تمامًا لحكّام مصر، فإن تاريخها الطويل الذي يمتد إلى نحو 150 عامًا تحوّل إلى ما يشبه مؤسسة وطنية لتأريخ التاريخ المصري، بقدر ما كانت أداة لفرض سياسات النظام. بين عامي 1957 و1974م، عمل الصحفي السياسي المؤثر محمد حسنين هيكل (1923–2016م) رئيس تحرير الأهرام، ونشر فيها عددٌ من أعظم العقول في مصر، مثل المفكر الرائد طه حسين (1889– 1973م) ونجيب محفوظ (1911-2006م) ، المؤلف الحائز على جائزة نوبل.

وعلى الرغم من أن مصر ساعدت في ريادة أعمال الصحف العربية، فإنها أصبحت الآن بيئة معادية للصحافة المستقلة. حيث إن الصحافة النابضة بالحياة والنقد التي نمت في العقد الأخير من حكم الرئيس حسني مبارك وأزهرت بعد الانتفاضات العربية عام 2011م، أخمدها انقلاب الرئيس عبد الفتاح السيسي عام 2013م، وتسير معظم وسائل الإعلام المصرية الآن في مسيرة مغلقة مع الحكومة، أو الرقابة الذاتية، لتجنب المشكلات، في مناخ من التعصب والارتياب القومي[9]. إذا فشلت إحدى الصحف في إظهار الوقاحة المتوقعة؛ فإن الدولة مستعدة دائمًا للتدخل. في عام 2018م، على سبيل المثال، استولت المحكمة على صحيفة (المصريون) اليومية الخاصة بالقاهرة، ونقلت السيطرة التحريرية إلى صحيفة (أخبار اليوم) التي تديرها الدولة[10].

من المؤكد أن بصمات الاستقلالية لا تزال قائمة في وسائل الإعلام المصرية. ولكن إذا كان المواطنون يبحثون عن تحقيقات هادفة وناقدة في سلوك حكومتهم، فإن عليهم الابتعاد عن المطبوعات، ومتابعة الإنترنت. على سبيل المثال، “مدى مصر“، وهي مجموعة صغيرة من الصحفيين الذين أثار استهزاؤهم الجريء السلطات، وتعرضوا لمداهمات متكررة للشرطة، واعتُقل رئيس تحريرها في 17  مايو[11].

تعيش تونس الديمقراطية حالة تناقض حاد؛ بين ثقوب سوداء في منطقة تضمّ دولًا استبدادية شرسة، مثل سورية ومصر والمملكة العربية السعودية، وبين العديد من الدول العربية الأخرى التي تقدّم أيضًا قدرًا من حرية التعبير، كالجزائر والعراق والكويت ولبنان وموريتانيا والمغرب، وهي موطن لمجموعة متنوعة من وسائل الإعلام، من بينها الصحف التي يمكن أن تتحدى بعضها البعض، وإلى حد ما، تواجه حكوماتها. ولكن بعض هذه المطبوعات هي مجرد لسان حال، للأحزاب السياسية أو النخب القطاعية، ومع ذلك فإن المصالح الخاصة التنافسية لا تزال قادرة على إنتاج تنوع ذي مغزى في إعداد التقارير.

ومع ذلك، هناك تقييد لحرية التعبير في هذه البلدان، ويمكن أن تكون الصحافة خيارًا مهنيًا خطيرًا. فالصحفيون الجزائريون يواجهون مشكلات كبيرة، حين يعترضون طريق النخبة العسكرية الفاسدة في بلادهم، وكذلك الأمر عند المغاربة الذين يتجرؤون على انتقاد الملك محمد السادس أو مسألة احتلال المغرب للصحراء الغربية. يميل الدِّين أيضًا إلى أن يكون موضوعًا حساسًا جدًا، في جميع أنحاء المنطقة. إن المناقشات غير العنيفة حول الإسلام ليست مستهجنة فحسب، بل غالبًا ما تُقاضى بالقانون، كما أنها معرضة لخطر ردة فعل عنيفة من الجمهور.

يمكن للنزاعات أيضًا أن تهدد حرية الصحافة، بل يمكنها أن تفعل أكثر من ذلك: أن تقوض الجدوى العملية لنشر المطبوعات. كانت الصحافة الإخبارية اليمنية الحيوية ذات يوم مدهشة، ولكنها أنهِكت بسبب العنف والقمع في السنوات الأخيرة. على الرغم من أن سورية تمكنت من الحفاظ على الصحف اليومية وعلى أكشاك بيع الصحف حتى أثناء أزمة فيروس كورونا، فإن معظم محاولات إطلاق المنشورات المطبوعة في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة قد باءت بالفشل. في ليبيا، انتشرت مطبوعات جديدة بعد الإطاحة بمعمر القذافي في عام 2011م، لكن الفوضى التي تلت ذلك أضعفت الصحافة المطبوعة كثيرًا[12].

الصحف اليومية العربية

على الرغم من وجود العديد من اللهجات المنطوقة في اللغة العربية، لا يمكن فهمها بسلاسة من منطقة إلى أخرى، فإن اللغة العربية تستمر في توحيد العالم العربي. يتم استخدام شكل موحد من اللغة العربية الأدبية في جميع أنحاء المنطقة، في الأوساط الرسمية وفي وسائل الإعلام، وتستمر قراءتها وكتابتها وفهمها، وإلى حد ما يتحدث الناس بها من موريتانيا إلى عُمان، ومن سورية إلى السودان[13]. ونتيجة لذلك، فإن لدى الصحف الناطقة باللغة العربية قدرةً على جذب القراء من دول عدة، طالما أنها تستطيع نسج طريقها لتجاوز العقبات المالية واللوجستية والسياسية المصاحبة.

منذ أواخر السبعينيات، قام عدد قليل من الصحف الناطقة باللغة العربية بتأسيس سوق في لندن، وقد جعل ذلك المدينة مركزًا محتملًا للصحافة في الشرق الأوسط[14]. غالبًا ما كان المفكرون المغتربون من لبنان أو اللاجئون الفلسطينيون في الشتات يؤسسون هذه الصحف، لكنهم كانوا يضطرون في الغالب إلى الاعتماد على الدول النفطية الثرية للتمويل. وهذا بالطبع ترك بصماته على سياساتهم.

أول صحيفة إقليمية بدأت النشر في لندن كانت “العرب” التي أسسها وزير الإعلام الليبي السابق أحمد صالحين الهوني، عام 1977[15]. نظرًا لأصولها [أصول صاحبها] وميلها إلى “عكس وجهات النظر الليبية الرسمية”، كانت تُمول الصحيفة في العقود الأولى من وجودها من قبل نظام القذافي[16]. وتشمل إدارتها الحالية كلًا من نجل المؤسس محمد الهوني، وهيثم الزبيدي (عراقي). لا يُعرف بالضبط مَن الذي يموّل صحيفة “العرب” هذه الأيام، ولكن دعم الصحيفة القوي لمواقف الإمارات العربية المتحدة قد يوفر أدلة.

ربما كانت صحيفة “العرب” الأولى في مشهد لندن، لكنها بقيت متواضعة نسبيًا، مقارنة بأهم صحيفتين عربيتين: (الشرق الأوسط) و(الحياة)، وكلتاهما تُموّل بسخاء من قبل الأمراء السعوديين[17].

أفادت التقارير أن جريدة (الشرق الأوسط)، التي يسهل التعرف إليها من غلافها الأخضر الزمردي، تمتعت بأكبر أرقام تداول من بين جميع الصحف اليومية العربية، وهي تُطبع كل يوم في أربع عشرة مدينة، في أربع قارات[18]. أُطلقت الصحيفة في لندن عام 1978م، وهي مملوكة للمجموعة السعودية للأبحاث والتسويق (SRMG)، وهي مجموعة إعلامية مقرها الرياض وتسيطر على العديد من المنشورات الأخرى، مثل (Arab News) “عرب نيوز” باللغة الإنجليزية[19]. منذ البداية، كانت SRMG تحت السيطرة الفاعلة لملك المملكة العربية السعودية الحالي، سلمان بن عبد العزيز وعائلته، ومنهم بالأصل وليُّ العهد محمد بن سلمان. وقد عمل ثلاثة أبناء آخرين للملك: الأمراء أحمد، فيصل، وتركي بن سلمان، رؤساء للمجموعة على مرّ السنين.

من جانبها تعود إدارة صحيفة (الحياة) للأمير خالد بن سلطان (نجل وزير الدفاع السعودي الراحل سلطان بن عبد العزيز 1928 – 2011م)[20]. وعلى الرغم أن أرقام توزيعها ربما كانت أقل من أرقام (الشرق الأوسط)، فإن (الحياة) تمتعت مدة طويلة بحضور قوي في المشهد الإعلامي العربي، ويمكن القول إنها الأكثر شهرة بين الصحفيتين.

تمارس دولة قطر منافسة كبيرة للمملكة العربية السعودية، من خلال قناة (الجزيرة)، وهي شبكة تلفزيونية فضائية مقرها الدوحة، بدأت العمل في منتصف التسعينيات، لكنها [أي قطر] تاريخيًا تمتلك حصة قليلة جدًا في وسائل الإعلام المطبوعة، وفي السنوات الأخيرة، تغيّر ذلك.

موقع القدس العربي، جريدة عموم العرب في لندن. المصدر: آرون لوند

بحسب ما يُتداول، كان رجال المال القطريون هم الذين تدخلوا لإنقاذ (القدس العربي) في عام 2013[21]. بدأت الصحيفة عملها أولًا تحت القيادة الفلسطينية في عام 1989، وقد كافحت هذه الصحيفة الشعبية القومية ماليًا، سنوات عديدة، كصحيفة وحيدة منافسة لمثيلاتها المدعومة من السعودية. وخلال عمر الصحيفة، قامت كل من منظمة التحرير الفلسطينية والسودان والعراق “وأثرياء فلسطينيون مستقلون” وقطر، بتقديم الدعم المالي، إلا أن “ضعف” العملية التحريرية يشير إلى وجود نقص في الرعاية المستمرة[22]. يُزعم أن عملية الإنقاذ لعام 2013 جاءت على حساب الرقابة التحريرية، وأدّت إلى استقالة رئيس تحرير القدس العربي: عبد الباري عطوان[23].

كذلك كانت القوة المالية في قطر وراء إطلاق (العربي الجديد) 2014، وهو استثمار جديد نادر في عالم الصحف، بقيادة المفكر الفلسطيني عزمي بشارة المقيم في الدوحة[24]، ومقرها الرئيس في لندن.

على الرغم من أن الصحف اليومية التي تتخذ لندن مقرًا لها كانت، في أوجها، تُقرأ على نطاق واسع من قبل النخب السياسية والفكرية العربية، فإنّ أيًا من الصحف لم تحقق تداولًا واسع النطاق، يمكن مقارنته بالصحف الأميركية والبريطانية والفرنسية الرئيسية. في عام 2003، قدّر ويليام رو أن «الشرق الأوسط» بيعت على الأرجح بحدود 60 ألف نسخة في جميع أنحاء العالم، ثم الحياة بـ 40 ألفًا، والقدس العربي والعرب بـ 15 ألفًا و10 آلاف على التوالي[25]. على سبيل المقارنة، باعت صحيفة نيويورك تايمز أكثر من 1.13 مليون نسخة في متوسط أيام الأسبوع في 2003-2004[26]. وصل تقدير منفصل نشرته نشرة الإصلاح العربي في عام 2004 إلى أن أعلى أعداد لـ “الشرق الأوسط” بلغ ما يقرب من 235،000، والحياة (160،000-170،000)، لكن هذه الأرقام قليلة، بالمقارنة مع أكبر الصحف الوطنية في العالم العربي، مثل الأهرام المصرية (900,000)، والجزائر الجزائرية (400,000)، والسوداني في الخرطوم (305,000)[27].

كتبت نهى ميلور، أستاذة الإعلام في جامعة بيدفوردشير، في رسالة بالبريد الإلكتروني، أن أرقام تداول الصحف العربية التي أُبلغ عنها [من قبل الصحيفة نفسها] كانت دائمًا غير موثوقة ومبالغًا فيها، خاصة بالنظر إلى أن “هذه الأوراق عادةً ما تباع بأعداد محدودة في بعض البلدان العربية، حيث الصحف المحلية أكثر شعبية “. ومع ذلك، أشارت إلى أن الصحف اليومية في لندن ظلت ذات قيمة عند مموليها على مرّ السنين، لأن “سوق الإعلام العربي (سواء كان مطبوعًا أو تلفزيونًا) هو أداة مهمة في التنافس الإقليمي”[28].

بيئة إعلامية متغيرة

طوال العقدين الماضيين، تقريبًا، كانت الأخبار المطبوعة في العالم العربي في انحدار، كما هي الحال في أي مكان آخر. ويرجع هذا الأمر في جزء كبير منه إلى التحولات التكنولوجية العالمية، مثل ظهور التلفزيون والبث عبر الأقمار الصناعية، ثم النشر عبر الإنترنت، إلا أن بعضها يتعلق أيضًا بكيفية عرقلة الحكم الاستبدادي لتطور الصحافة العربية.

قال رامي خوري، أستاذ إعلام أردني-فلسطيني، في الجامعة الأميركية في بيروت: إن الصحف العربية “فقدت صدقيتها بشكل أساسي” مع قرائها، في مطلع القرن؛ “إذ كان يُنظر إليها على أنها إما أذرع دعائية للحكومة أو أذرع دعائية للمجموعات السياسية”، وأضاف: “استمر بعضها -مثل الحياة، الشرق الأوسط، النهار، الأهرام أو غيرها- في النشر في جميع أنحاء المنطقة، إلا أنها ظلت تعكس تاريخها السابق”[29].

الصفحة الأمامية لجريدة (الأهرام) المملوكة للدولة المصرية، يوم 9 يونيو 1967م، تتحدث عن حرب الأيام الستة، في اليوم الخامس: “المعركة العنيفة في منطقة رأس العشي مستمرة لمدة سبع ساعات”. المصدر: ويكيبيديا

لاحقًا، أدى صعود القنوات الفضائية والرقمنة إلى توجيه مزيد من الضربات إلى الصحافة المطبوعة، عن طريق إبعادها عن القراء وعن إيرادات الإعلانات.

على سبيل المثال، قدرت مجموعة أكسفورد للأعمال، وهي شركة أبحاث واستشارات، أن إيرادات سوق الطباعة الوطنية السعودية بلغت ذروتها عند 506.8 مليون دولار في عام 2006. وبعد عشر سنوات، انخفض هذا المبلغ إلى 205.9 مليون دولار[30]. ويبدو أن أرقام التوزيع انخفضت كثيرًا. في تموز/ يوليو 2019، قررت شركة التوزيع الوطنية السعودية وقف مبيعات الصحف في العديد من محافظات المملكة، بحجة أنها لم تعد مجدية اقتصاديًا[31].

أظهر استطلاع للرأي، أجراه فرع الدوحة بجامعة نورث وسترن عام 2013، أن 42 بالمئة، ممن أجريت معهم مقابلات في سبع دول عربية، قالوا إنهم يقرؤون بانتظام صحيفة، ولكنّ هذا العدد انخفض في عام 2019 إلى 16 بالمئة. في عام 2019، كان 68 في المئة من المستجيبين يقرؤون الأخبار عبر الإنترنت، و60 في المئة وجدوا أخبارًا على وسائل التواصل الاجتماعي. كما أوضحت بيانات الاستطلاع أن التمازج الثقافي في المنطقة، مع وسائل الإعلام الإلكترونية المجانية والإعلام التلفزيوني، كان سريعًا وعميقًا، وأدى ذلك إلى تقويض الأساس الاقتصادي لتقارير إخبارية مستقلة ذاتية التمويل. من بين الذين تم استجوابهم في عام 2019، قال ما بين 8 إلى 15 في المئة فقط إنهم سيفكرون في دفع ثمن الصحيفة[32].

كتبت موناليزا فريحة، محررة مساعدة في (النهار) اللبنانية، في رسالة نصية: “الصحافة المطبوعة في العالم العربي تعاني تمامًا مثل أي مكان في العالم. في مصر، تمر صحيفة (الأهرام) الرائدة بأوقات عصيبة، وكذلك (الرأي) في الأردن، لأن المعلنين يميلون أكثر إلى استخدام منصات الإنترنت لإعلاناتهم. في الخليج، أصبح (تويتر) المصدر الرئيس للمعلومات. أما لبنان فالمشكلة فيه أكبر، لأن الصحف لا تمولها الدولة، ومع الأزمة الاقتصادية تغلق الصحف واحدة تلو الأخرى. إن الرقمنة والأزمة الاقتصادية تضعان الصحافة المطبوعة في العالم العربي أمام تهديد وجودي”[33].

على الرغم من أن معظم الصحف العربية المطبوعة تُنشر على الإنترنت أيضًا، فإن القليل منها نجحت في تحقيق الدخل من النشر عبر الإنترنت، من خلال الاشتراكات والأموال المدفوعة. قد تشمل الأسباب وجود عدد قليل جدًا من القراء الراغبين أو القادرين على الدفع، إضافة إلى عدم وجود تقليد للاشتراكات المنزلية التي يمكن أن تنتقل إلى النشر عبر الإنترنت. لكن السبب الأكثر أهمية هو على الأرجح المنافسة القوية من وسائل الإعلام الممولة من الدولة، التي تضخ تدفقًا هائلًا من الأخبار والترفيه المجاني. لن تغلق المنافذ التي تدعمها الدولة أبدًا موادها خلف نظام حظر الاشتراك غير المدفوع؛ لأنها لا تعمل بشروط تجارية، فهي لا تسعى لتحقيق أقصى قدر من الربح، بل إلى أقصى حد لنشر سياساتها.

الصحافة اللبنانية تذبل

بيروت، العاصمة التقليدية للصحافة العربية، تفتخر منذ مدة طويلة بصحافتها الحرة، وإنْ كانت هذه التعددية قد دُمّرت، إلى حد ما، بسبب تأثير التمويل الأجنبي والمجموعات السياسية[34]. ولكن على مدى السنوات القليلة الماضية، استسلم عدد من الصحف اليومية اللبنانية لوطأة الأوضاع الاقتصادية[35].

عشية رأس السنة الجديدة 2016، انهارت (السفير) الصحيفة اليومية اليسارية ذات النفوذ، وذلك بعد سنوات من المشاكل الاقتصادية[36].  فقد مُوّلت (السفير) من ليبيا مدة، ووقعت في منافسة لكسب القرّاء مع صحيفة (الأخبار)، وهي صحيفة يومية قريبة من “حزب الله” وأفضل تمويلًا، أُطلقت عام 2006[37]. لكن محاولة موظفيها السابقين عام 2017 إحياء لقب قديم لها: (الاتحاد)، باءت بالفشل في غضون بضعة أشهر[38]. عام 2018 أفلت صحيفة (الأنوار) التي كانت صوت الحركة الناصرية في لبنان[39]. مع انسحاب الأنوار، صرخت نقابة محرري الصحف اللبنانية من أجل اتخاذ إجراء عاجل: “إن إنقاذ الصحافة المطبوعة يحفظ صورة لبنان الحضاري، المبني على إرث الحرية”[40].

لسوء الحظ، كانت الحكومة اللبنانية تنزلق نحو الإفلاس، من قبل تفشي الوباء، ولم تكن في وضع يسمح لها بتقديم الدعم الاقتصادي للصحف. وبدلًا من ذلك، استمرت عمليات الإغلاق، واضطرت عائلة الحريري المتحالفة مع السعودية، عام 2019، إلى إغلاق صحيفة (المستقبل) اليومية[41]. ويُتوقع إغلاق مزيد من الصحف، بشكل ينذر بالسوء، حيث إن صحيفة (النهار) اليمينية، أقدم صحيفة في لبنان، لم تتمكن من دفع رواتب موظفيها لشهور متتالية[42].

لكسر النمط، أطلق رجل الأعمال ميشيل مكتف صحيفة يومية جديدة تسمى (نداء الوطن) عام 2019، وهو قريب من حزب الكتائب اليميني. بدت الصحيفة الجديدة وكأنها ردّ واضح على النفوذ المتنامي لـ (الأخبار) القريبة من إيران، فقد أثارت شائعات بأن “مكتف” مدعوم بتمويل سعودي أو إماراتي[43]. في حين يشير إطلاق (نداء الوطن) إلى استمرار أهمية وسائل الإعلام المطبوعة للطبقة السياسية، فهو أيضًا تذكير بمدى تعقيد الصحافة، تمامًا كما هي حال السياسة.


هي حال السياسة.

موت (الحياة)

لا يوجد حدث واحد يوضح مشاكل الصحافة المطبوعة العربية أكثر من وفاة صحيفة (الحياة). توضح النهاية المتواضعة لهذه اليومية الإقليمية المؤثرة في 2018-2019 أن اللاعبين الرئيسيين هم أيضًا غير قادرين على التعامل مع التحول المالي والتكنولوجي لوسائل الإعلام. ومع ذلك، كان للسياسة أيضًا دور في زوال الحياة.

أسّس السياسي المخضرم كمال مروة صحيفة (الحياة) في بيروت عام 1946 وظل المحرّر فيها حتى اغتياله بعد عشرين عامًا، ربّما كان ذلك بناءً على أوامر من نظام جمال عبد الناصر في القاهرة. واضطرت الصحيفة إلى التوقف عن النشر عام 1976، عندما اندلعت الحرب الأهلية في لبنان[44]. في عام 1986، أعاد نجل المؤسس، جميل مروة، وجهاد الخازن، الصحفي الفلسطيني-اللبناني المعروف، (الحياة) في لندن. عملت (الحياة) في تجسيدها الجديد كمنشور إقليمي مدعوم من الأمير السعودي خالد بن سلطان[45].

بفضل التدفق النقدي المنتظم من الأمير والمستثمرين السعوديين الآخرين، تمكنت الحياة من تشغيل أكثر من عشرين مكتبًا ومراسلًا، في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع أنها عانت عجزًا سنويًا قدره 10 ملايين دولار، وكلفت مالكيها حوالي 160 مليون دولار بين 1986 و2002[46]. على الرغم من أن الحياة الجديدة لم تخلُ من الانتقاد، فإنها سرعان ما أثبتت نفسها كواحدة من أكثر الأصوات الصحفية نفوذًا في العالم العربي وباتت “المفضلة عند المثقفين العرب في جميع أنحاء المنطقة”، مع “أكثر الصفحات الثقافية تأثيرًا في أي مكان في العالم العربي”[47]. تميزت (الحياة) بمجموعة متنوعة نسبيًا من النقاد، ولكن التوجه الرئيس لسياستها كان تعزيز المصالح السعودية. مع مرور الوقت، نما هذا الجانب من مهمة الحياة على حساب الأخبار والآراء، وفي عام 2005 أنشأت الصحيفة نسخة منفصلة في الرياض، لتحقيق وصول أفضل إلى السوق السعودية. على الرغم من أن أرقام التوزيع لصحيفة (الحياة) تشير إلى أنها أقل من (الشرق الأوسط) التابعة للأمير سلمان، فقد كان يُنظر إليها على أنها العلامة التجارية والفكرية الأكثر شهرة، من بين الورقتين الدوليتين المدعومتين من السعودية.

ومع ذلك، أدى صعود وسائل الإعلام عبر الإنترنت إلى تدهورمسيرة (الحياة) مثل الصحف الأخرى ثم جاءت المشاكل في المملكة العربية السعودية. بدأ الملك سلمان، بعد أن ورث العرش في عام 2015، سياسته الجديدة بترقية ابنه (محمد) إلى ولي للعهد في عام 2017. وبدأ ولي العهد الجديد الضغط على المنافسين المحتملين، وفي ذلك الوقت، بدا أن تمويل الحياة قد نضب[48]. بالنظر إلى حالة سوق الإعلام بشكل عام، لم تتمكن الصحيفة من الاستمرار بشروط تجارية.

العلامات الأولى على أن شيئًا ما كان غريبًا يحصل في (الحياة) جاءت في أواخر عام 2016، عندما بدأت الصحيفة التخلي عن الموظفين. ومن الجدير بالذكر أن رئيس التحرير غسان شربل تحرّك لتولي المنصب نفسه في “الشرق الأوسط” التي من غير المرجح أن تواجه مشاكل في التمويل، بسبب ارتباطها بفرع سلمان في بيت آل سعود[49]. في عام 2018، علقت (الحياة)طبعتها المطبوعة، وأغلقت مكاتبها في لندن والقاهرة ودبي وبيروت. ولم تدفع مستحقات الموظفين، فأثار ذلك إضرابات بين الموظفين[50]. في خريف 2019، توقفت (الحياة) عن تحديث موقعها الإلكتروني، وفي أوائل آذار/ مارس 2020، أعلن رئيس تحريرها سعود الريّس أنه فقد الأمل في إحياء الصحيفة[51]. ولكن مع هذه الحالة، بالكاد استحوذت يومية إقليمية مرموقة على استهجان من الجمهور العربي، وهذا هو مدى ضآلة أهميتها. كانت الحياة قد فقدت منذ مدة طويلة الصدقية والمكانة التي كانت تتمتع بها في سنواتها السابقة، واتجه قرّاؤها إلى أشكال جديدة من وسائل الإعلام، مثل القنوات الفضائية والأخبار عبر الإنترنت.

ما بعد الطباعة

مع تراجع الصحف المطبوعة العربية، ظهرت أنواع أخرى من وسائل الإعلام لتحل محلها، سواء كمؤسسات صحفية أو كمتحدث باسم الحكومة. اليوم، يتلقى الجمهور العربي الأخبار والآراء من مجموعة متنوعة مذهلة من المواقع الإلكترونية. حيث تبقى تلك المواقع النشطة عبر الإنترنيت ذات التمويل الأفضل والأكثر جدية مرتبطة بالصحف المطبوعة أو بشبكات التلفزيون الفضائية، وكما هي الحال في الولايات المتحدة أو أوروبا، يتم الاعتماد على الحصول على الأخبار العامة بازدياد، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

تحتفظ المطبوعات بميزة مهمة واحدة. قالها إبراهيم حميدي، رئيس التحرير السياسي في “الشرق الأوسط“: “عندما تعمل في وسائل الإعلام المطبوعة، فأنت تعلم أن ما تكتبه لا يمكن تغييره، بمجرد نشر الصحيفة”. و”عندما تكتب عبر الإنترنت، يكون الأمر مختلفًا، حيث يمكنك إجراء التحديثات وإصلاح الأخطاء تدريجيًا”. ربما تكون الجودة المؤقتة للنصوص عبر الإنترنت قد عززت ما قال حميدي إنه شعور باقٍ في المنطقة بأن المطبوعات تحمل صدقية أكثر من الأخبار على الإنترنت فقط[52]. في الواقع، يبدو أن المكانة التي تأتي من كونها صحيفة حقيقية قد ثبطت بعض الناشرين عن التخلي عن الطبعات المرهقة اقتصاديًا، حتى عندما تكون إستراتيجيتهم الأساسية هي السعي لتحقيق النجاح عبر الإنترنت.

ومع ذلك، فإن المحور الرئيس لنظام المعلومات/ الأخبار المتطورة في العالم العربي هو القنوات الفضائية الإقليمية. فهي كبيرة الحجم وممولة بسخاء ومتقدمة تقنيًا، وهي تقدّم بثًا على مدار الساعة، من مواقع إخبارية محرّرة بشكل احترافي، وكل ذلك بالطبع يُقدّم مجانًا للجمهور. هذه القنوات التلفزيونية ومواقعها على الإنترنت هي التي تعمل الآن كأبواق رئيسية للحكومات والنخب القوية في الشرق الأوسط.

على الساحة التلفزيونية العربية، تمثل قطر قناة (الجزيرة) وقناة (العربي) الحديثة، في حين تلك التي تمثل وجهات نظر السعودية وتروجها هي قناة (العربية) وقناة (العربية الحدث) الشقيقة[53]. استثمرت الدول غير العربية أيضًا في القنوات الفضائية الناطقة باللغة العربية: روسيا وتركيا والولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة وإيران، تدير جميعها قنوات إخبارية عربية مجانية تموّلها الدول[54].

قد تكون وسائل الإعلام المطبوعة مرموقة، ولها بعض المزايا عندما يتعلق الأمر بالصدقية، لكنها الآن غير قابلة للحياة من دون تمويل سياسي. وبما أن شبكات التلفزيون العربية تصل إلى جمهور أكبر بكثير من الصحافة المطبوعة، فإن الاهتمام بتمويل وسائل الإعلام القديمة الخاسرة يتلاشى بسرعة بين النخب السياسية الإقليمية. حتى الحكومات العربية الأكثر استثمارًا في نشر الصحف المطبوعة الرسمية بدأت في شطبها على أنها غير مستدامة من الناحية المالية. مصر، على سبيل المثال، تخطط لإلغاء تمويل الدولة للصحف التي تديرها الحكومة بحلول عام 2025[55].

تأثير فيروس كورونا

إن الصحافة المطبوعة في العالم العربي -في حالتها الضعيفة والمزرية- غير مجهزة جيّدًا للتعامل مع تأثيرات وتبعات فيروس كورونا/ كوفيد-19.

حذرت منظمة الصحة العالمية من أن هذا الوباء يمكن أن يكون ذا تأثير مدمر في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تكافح أنظمة الرعاية الصحية المتخلفة والبيروقراطية المختلة، للتعامل مع احتياجات الفئات السكانية الضعيفة[56].  في مخيمات اللاجئين في العراق وليبيا والسودان وسورية واليمن، لا يمكن تنفيذ إجراءات العزل الذاتي، فضلًا عن غسل اليدين بانتظام بالماء الساخن والصابون[57].

على إثر انتشار فيروس كورونا، فرضت الدول العربية مجموعة من القيود، كان من ضمنها عمليات إغلاق صارمة وحظر للتجول، التي تجعل عملية بيع الصحف غايةً في الصعوبة؛ وكانت النتيجة خلق عامل دفع آخر نحو الإنترنت.

وجدت الحكومات حجة لاستغلال هذه الفرصة لتقييد حرية الصحافة، حيث قامت الجزائر، على سبيل المثال، بإصدار قانون جديد ضد “الأخبار المزيفة”[58]. وقال حميدي: إن أزمة فيروس كورونا “تذكرني بأحداث 11 أيلول/ سبتمبر، حين استخدمت بعض الحكومات تلك الهجمات ذريعة لقمع الصحافة”[59].

وإضافة إلى ذلك، تبخرت إيرادات الإعلانات في جميع أنحاء المنطقة. وبحسب عبد المحسن سلامة، رئيس مجلس إدارة الأهرام، فإن الوباء قلّص 75 بالمئة من سوق الإعلانات في مصر[60]. ربما يكون الوضع قاتمًا أكثر في البلدان الأخرى، وقال ميلور: “لا يُتوقع من الحكومات العربية إعطاء الأولوية لمساعدة المؤسسات الإعلامية أو إنقاذها”[61].

في منتصف مارس، اتخذ الأردن خطوة غير مسبوقة، إذ حظر طباعة الصحف بالكامل، وأمر الصحافة المحلية بالاستمرار من خلال التقارير على الإنترنت[62]. وسرعان ما ألهم القرار عمليات حظر التقليد في الدول العربية الأخرى، التي كان قادتها حريصين على إظهار أنهم أخذوا فيروس كورونا على محمل الجد. قبل نهاية الشهر، تم إغلاق وسائل الإعلام المطبوعةـ في مناطق سورية الخاضعة لسيطرة الرئيس بشار الأسد، وفي الجزء الجنوبي من اليمن الذي تحكمه حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي[63]. كما صدر حظر على وسائل الإعلام المطبوعة في عُمان، والمغرب، وإلى حد ما في الإمارات[64].

السبب الرسمي، كما عبرت عنه وزارة الإعلام السورية، كان الخوف من أن “الورق هو أحد الأسطح التي يمكن أن تنقل الفيروس”[65]. في الواقع، لم توصِ منظمة الصحة العالمية بوقف المنشورات المطبوعة، ويبدو أن هذا الإجراء لم يسمع به من قبل خارج الشرق الأوسط[66]. لكن وقف الأخبار المطبوعة كان خيارًا جذابًا لهذه الحكومات: لقد كان إجراءً واضحًا وظاهرًا جدًا ضد الفيروس، وكان رخيصًا. في الواقع، قد يكون التخلص من الإصدارات المطبوعة غير المربحة، من الصحف التي تديرها الدولة، قد ساعد في خفض التكاليف.

بالنظر إلى أن فيروس كورونا سيظل يشكل تهديدًا للصحة العامة إلى أجل غير مسمى، أو إلى أن يمكن العثور على لقاح، فمن غير الواضح إلى متى يمكن أن تظل هذه الإجراءات الصارمة في مكانها. بحلول أوائل شهر أيار/ مايو، رُفع حظر التجول في الدول العربية، حيث ظهر تأثيره المدمر على الاقتصاد، ولكن لم تقرر أي حكومة رفع الحظر عن الطباعة.

قال خوري: “من الصعب رؤية [طباعة الصحف اليومية في البلدان التي توقفت فيها] كما كانت من قبل”. وأضاف أن “اقتصاديات الطباعة وتوزيع الصحف ماديًا تزداد صعوبة”، وأردف: ” كانت هذه الصحف تموت على أي حال”[67].

اتفق الصحفيون العرب الذين قوبلوا في هذا التقرير، على تصور مستقبل قاتم يكاد يكون ميؤوسًا منه لوسائل الإعلام المطبوعة.

كتب فراس الشوفي، مراسل صحيفة (الأخبار) اللبنانية، في رسالة نصية: إن “وباء كورونا جاء لخنق الصحفيين وواجههم بتهديد جديد وفوري، هو فقدان وظائفهم بسبب انقطاع كبير في مبيعات المطبوعات”، وأضاف: “هذه المشكلة قد تُنهي حياة الصحافة المطبوعة، بعد التغييرات التي أحدثتها وسائل الإعلام الرقمية”[68].

يوافق الصحفي الأردني المخضرم والمحلل السياسي أسامة الشريف على ذلك. وكتب في رسالة نصية: “لقد دفع الوباء وسائل الإعلام المطبوعة إلى حافة الهاوية، حيث تعذّر بيع النسخ المطبوعة، وفقدت الصحف المطبوعة اتصالها الأخير مع القرّاء. يواجه الآن مئات الصحفيين مستقبلًا رهيبًا، ولن يحصلوا على رواتبهم، لأن الصحف قد تُفلس. تحاول الحكومة اقتراح حلول، لكن المساعدة المالية لن تنجح.. لا يمكن إنقاذ الصحافة المطبوعة، ونحن نتطلع إلى عالم تختفي فيه الطباعة”[69].

على المدى الطويل، ربما كان من المستحيل تجنّب موت الصحافة المطبوعة، ولكن حتمية ذلك لا تجعلها أقل أهمية. إن اختفاء هذه الوسيلة الغريبة، التي ارتبطت منذ مدة طويلة ارتباطًا وثيقًا بالسلوك والتداول في السياسة، يدلّ أيضًا على ظهور أشكال جديدة من وسائل الاتصال الجماهيري. تنتقل السياسة إلى بيئة فوضوية زائفة على الإنترنت، وهي بيئة منظمة في الواقع بقوة، من خلال خوارزميات مبهمة، وتكتل أيديولوجي على وسائل التواصل الاجتماعي.

جادل عددٌ لا يحصى من علماء وسائل الإعلام، بأن الانتقال إلى وسائل الإعلام عبر الإنترنت، وهو تقدم متقدم بالفعل، يُعدّ تغييرًا كبيرًا في التواصل البشري، لا يقلّ، من حيث قدرته على التحويل أو التغيير، عن الثورات السابقة في تكنولوجيا الإعلام: طباعة الكتب والصحف والإذاعة والتلفزيون[70]. أصبحت أهمية هذا التغيير معرفة مشتركة، ولكن آثاره التي لا يمكن التنبؤ بها -من الانتفاضات العربية إلى انتخاب دونالد ترامب- لا تزال تشكّل مفاجأة وصدمة. في العالم العربي، كما هي الحال في بقية البشرية، نجد أن التأثيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لثورة المعلومات بدأت تظهر[71].

قد يكون التحول في المشهد الإعلامي العربي سريعًا وشاملًا، بسبب مزيج المنطقة الخاص من الاستبداد والمحسوبية الاقتصادية والوحدة اللغوية. ظهرت شبكات التلفزيون الفضائية والمنشورات على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي على الساحة، في فترة قصيرة من الزمن، واكتسبت زخمًا سريعًا، وسط تغير سياسي جذري في السنوات، من الغزو الأميركي للعراق حتى الانتفاضات العربية. استطاعت وسائل الإعلام العربية الجديدة أن تتفوق بسرعة على مجال إعلامي مطبوع ضعيف جدًا، أثبت أنه غير قادر على التكيف من خلال تنويع منصاتها، كما فعلت العديد من المنشورات القديمة في أماكن أخرى.

على الرغم من كل خصائص وسائل الإعلام المطبوعة، فإن أوجه التشابه الهيكلي بين تلك الوسائل في الشرق الأوسط وفي أجزاء أخرى من العالم، هي أكثر بروزًا. عند مشاهدة التراجع النهائي للصحافة العربية المطبوعة؛ يجب على الغرب أن يدرك أن الشرق الأوسط -عندما يتعلق الأمر بالبيئة الإعلامية المتغيرة- ليس وراء المنحنى، بل قبله.

العنوان الأصلي للمادة​Will the Pandemic Kill Arab Print Journalism?

الكاتب​آرون لوند

المصدر​مؤسسة القرن 26 أيار/ مايو 2020

الرابط​https://bit.ly/31CIwkC

المترجم​وحدة الترجمة- محمد شمدين

[1] أكثم سيف الدين “كورونا يشلّ الصحافة الورقية في العراق” العربي الجديد، 2 نيسان/ أبريل 2020: https://bit.ly/2YxSrGi

[2] – لم تُدرج أحدث نسخة من مؤشر الديمقراطية السنوي لوحدة الاستخبارات الاقتصادية أيَّ دولة عربية على أنها “ديمقراطية كاملة”. وصنّف المؤشر تونس على أنها “ديمقراطية معيبة” (المرتبة 53 من أصل 167 حكومة)، بينما صنفت كلًا من المغرب (96)، ولبنان (110)، والجزائر (113)، على أنها “أنظمة هجينة”. تقع جميع الحكومات العربية الأخرى في الفئة الدنيا، “الأنظمة الاستبدادية”. انظر “للديمقراطية العالمية عام سيئ آخر”، الإيكونوميست، 22 كانون الثاني/ يناير 2020، https://econ.st/2YUc37V.

[3] – للحصول على مسح مؤرخ ومفصل عن المشهد الصحفي العربي، انظر William A. Rugh، Arab Mass Media: Newspapers، Radio، Television in Arab Politics (London: Praeger Publishing، 2004). تمت تغطية الحقبة المبكرة للصحافة العربية التي تتخذ لندن مقرًا لها بشيء من التفصيل في Jon B. Alterman، New Media، New Politics؟ من التلفزيون الفضائي إلى الإنترنت في العالم العربي (واشنطن العاصمة: معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، 1998م). للحصول على قائمة أكثر حداثة ومفيدة إلى حد ما للصحف العربية على الإنترنت، انظر Brian Whitaker، “Online News Media،” Al-Bab.com، https://al-bab.com/online-news-media.

[4] – “تفاصيل الفهرس: بيانات حرية الصحافة لعام 2020″، مراسلون بلا حدود (RSF)، https://rsf.org/en/ranking_table.

[5] – تساءل نجم برنامج الجزيرة الحواري فيصل القاسم ذات مرة بصوت عال عن أمثال هذه الصحف: أيمكن أن تكون “جيدة لأي شيء أكثر من لفّ شطائر الفلافل، مع كل الاحترام الواجب للسندويشات”. قاسم في برنامج الجزيرة “الاتجاه المعاكس”، 27 تموز/ يوليو 2003، كما ورد في مارك لينش، أصوات الجمهور العربي الجديد: العراق، الجزيرة، وسياسة الشرق الأوسط اليوم (نيويورك: مطبعة جامعة كولومبيا، 2006م) ، 37.

[6] – الثورة تأسست عام 1963م، الموقع الإلكتروني: http://thawra.sy. تأسست تشرين الأول/ أكتوبر عام 1975. الموقع الإلكتروني: http://tishreen.news.sy. طبع العدد الأول من جريدة حزب البعث عام 1946، قبل سنة من التـأسيس الرسمي لحزب البعث العربي الاشتراكي في سورية، الذي تسلّم السلطة منذ عام 1963. تترجم كلمة “البعث” تقريبًا، باسم “النهضة”.

[7]  – رجائي برهان، مقابلة مع المؤلف، خدمة الرسائل عبر الإنترنت، أبريل 2020م،

[8] – تأسست (الأهرام) عام 1875 م وأصبحت تحت سيطرة الدولة عام 1960م، الموقع: http://gate.ahram.org.eg.

[9] – روث مارغاليت، “حملة السيسي العنيفة: اعتداء دولة التشريعي على الصحافة”، Columbia Journalism Review، خريف 2019، https://www.cjr.org/special_report/sisi-crusade-egypt.php؛ “موجز TIMEP: حرية الصحافة في مصر”، معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط، 24 مايو 2019، https://bit.ly/31R4qkz.

[10]–  مصر: مراسلون بلا حدود تشجب سيطرة الحكومة على صحيفة (المصريون)، مراسلون بلا حدود (RSF)، 25 سبتمبر، 2018م، https://bit.ly/2NQGk0W.؛ (أخبار اليوم) تأسّست كصحيفة خاصة عام 1944م، لكنها مملوكة الآن للبرلمان المصري. الموقع الإلكتروني: https://akhbarelyom.com.

[11] – “تحديث: إطلاق سراح مديرة (مدى مصر) لينا عطا الله من حراسة الشرطة”، مدى مصر، 17 مايو 2020م، https://bit.ly/3inq31v. تأسست مدى مصر في عام 2013. الموقع الإلكتروني: https://madamasr.com. انظر أيضًا Laura C. Dean، “All Truth Is Worth Publishing،” The Century Foundation، May 23، 2017، https://bit.ly/3f7SSND; ولينا عطاالله، “الإعلام العربي المبتكر والمخططات الجديدة للمواطنة: رؤية تعاونية تبني صحافة أقوى عبر المنطقة”، مؤسسة القرن، 7 مايو، 2019، https://bit.ly/3dWxYQ3.

[12] عماد المدلولي: مصير الصحافة الورقية في ليبيا، مركز دراسات الجزيرة، 18 نوفمبر 2018م: https://bit.ly/2Bxjd96

[13] تُعرف هذه النسخة من اللغة باسم “fusha” أو “العربية الفصحى الحديثة”.

[14] Alterman, New Media, New Politics, 8ff; Rugh, Arab Mass Media, 167ff.

[15] تأسست (العرب) عام 1977. الموقع الإلكتروني: https://alarab.co.uk. تشمل المنشورات الشقيقة الحالية The Arab Weekly (https://thearabweekly.com وأحوال (https://ahvalnews.com)، موقع إخباري يركز على السياسة التركية.

[16] Rugh, Arab Mass Media, 172

[17] انطلقت (الشرق الأوسط) عام 1978. الموقع الإلكتروني: https://aawsat.com. تشمل منشوراتها الشقيقة صحيفة “عرب نيوز” الناطقة باللغة الإنجليزية (https://www.arabnews.com، التي بدأت في 1975، و ”المجلة” التي صدرت أسبوعيًا، بين 1980 و2009، والآن تنشر عبر الإنترنت. الموقع الإلكتروني: https://arb.majalla.com. الحياة تناقش بمزيد من التفصيل أدناه.

[18] Habib Toumi, “First Non-Saudi Named Editor in Chief of Pan-Arab Daily,” Gulf News, November 24, 2016, https://bit.ly/2Bxt0fl.

[19] Arab News was founded in 1975 and is published out of Jeddah. Website: https://www.arabnews.com.

[20] Rugh, Arab Mass Media, 169–71.

[21] (القدس العربي) تأسست عام 1989م، الموقع الإلكتروني: alquds.co.uk.

[22] Alterman, New Media, New Politics, 12–13; Lynch, Voices of the New Arab Public, 256 (note 57).

[23] Asa Winstanley, “Gulf States and Israel Won’t Silence Me: Journalist Abdel Bari Atwan,” Electronic Intifada, December 5, 2013, https://bit.ly/3dY5aqa.

[24] موقع (العربي الجديد) مرتبط بمحطة (العربي) الفضائية التي بدأت بثها من لندن عام 2015م،   الموقع الإلكتروني: https://www.alaraby.co.uk.

[25] Rugh, Arab Mass Media, 173.

[26] Jacques Steinberg, “Newspaper Circulation Continues Overall Decline,” New York Times, May 4, 2004, https://nyti.ms/2BobH0o.

[27] Arab Reform Bulletin 2, iss. 11, Carnegie Endowment for International Peace, December 2004, available at https://carnegieendowment.org/files/New_Chart.pdf. El Khabar [The News] was first published in 1990 and is available at http://elkhabar.com. Al-Sudani [The Sudanese] was established in 1985 and is found online at https://www.alsudani.sd.

[28] Noha Mellor, interview with the author by email, April 2020.

[29] رامي خوري، مقابلة مع الكاتب عبر الهاتف، نيسان/ أبريل 2020.

[30] Saudi Arabia Focuses on Reshaping Media Landscape,” Oxford Business Group, 2018, https://bit.ly/2C16hbz.

[31] مناطق في السعودية بلا صحف ورقية، الشرق الأوسط، 2 يوليو 2019: https://bit.ly/3i0pCdc

[32] Polling data available at www.mideastmedia.org.

[33] موناليزا فريحة، مقابلة مع المؤلف عبر خدمة الرسائل عبر الإنترنت، نيسان/ أبريل 2020.

[34] Rugh, Arab Mass Media, 90–98.

[35] “Once a Beacon, Lebanese Dailies Lose Regional Sway,” Naharnet/AFP, March 31, 2016, naharnet.com/stories/en/205910; Paul Khalifeh, “Pressing Issue: Lebanon’s Print Media Is Dying,” Middle East Eye, November 11, 2018, https://www.middleeasteye.net/news/pressing-issue-lebanons-print-media-dying.

[36] أسس (السفير) طلال سلمان السفير عام 1974م، ويبقى موقعه على الإنترنت: https://assafir.com

[37] في مقابلة عام 2017 مع لانا المدور من الميادين، اعترف رئيس تحرير السفير طلال سلمان بأن ليبيا عرضت تقديم دعم للصحيفة. انظر حوار الساعة، الميادين، 10 يناير 2017م، https://bit.ly/2B1Rayu . الأخبار: تأسست عام 2006. وتنشر الصحيفة مجموعة من الآراء حول القضايا الاجتماعية والثقافية، وأفكار الكتّاب اليساريين، لكنها تتوافق سياسيًا مع “حزب الله” وإيران. الموقع الإلكتروني: https://www.al-akhbar.com.

[38] وقد تم الاستشهاد بتفسيرات مختلفة لفشل الاتحاد، منها ضعف المالية والصراعات بين الموظفين والناشر مصطفى ناصر، وكذلك صحة ناصر الهشة؛ توفي في غضون أسابيع من إغلاق الصحيفة. انظر عمر قزق، “إقفال الاتحاد اللبناني: نهاية سريعة لصحيفة اختنقت بمشاكلها الداخلية”، العربي الجديد، 28 ديسمبر 2017م، https://bit.ly/31ePHiQ؛ وفاة مصطفى ناصر ناشر الاتحاد، النهار، 30 يناير 2018م، https://bit.ly/2VjEmdx .

[39] تأسست (الأنوار) على يد سعيد فريحة عام 1959.

[40] “بعد 60 عامًا.. الأنوار اللبنانية تصدر عددها الأخير”، مصراوي، 20 سبتمبر 2018م، https://bit.ly/2BItDlR

[41] “جريدة المستقبل اللبنانية تتوقف عن الصدور”، السبيل، 31 يناير 2019، assabeel.net/370552. انطلقت المستقبل عام 1999 بدعم رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، وهو مواطن لبناني وسعودي. وكانت مرتبطة بإمبراطورية الحريري السياسية والتجارية، التي تضمنت أيضًا قناة تلفزيونية فضائية (هي مغلقة الآن) تحمل الاسم نفسه وحزبًا سياسيًا يسمّى (تيار المستقبل).

[42] “صفقات أزمات لبنان تضرب الصحافة المزدهرة ذات مرة”، وكالة الصحافة الفرنسية: فرانس 24، 4 فبراير 2020م، https://bit.ly/2VG4cse. تأسست صحيفة النهار على يد جبران تويني في عام 1933م ، ولا تزال تديرها عائلة تويني. وتمتلك أسهم الشركة عائلة الحريري والأمير السعودي الوليد بن طلال. الموقع الإلكتروني: https://www.annahar.com.

[43] “New Daily Bucks Trend in Lebanon,” France 24/AFP, July 1, 2019, https://bit.ly/2VGv4Zm. يمكن قراءة نداء الوطن على nidaalwatan.com.

[44] Youssef M. Ibrahim, “Al Hayat: A Journalistic Noah’s Ark,” New York Times, January 15, 1997, https://nyti.ms/2C5acnq.

[45] اشترى الأمير خالد في النهاية مروة والخازن، وشدد سيطرته على الصحيفة، ويبدو أنه سلّم مقاليد الأمور لابنه الأمير فهد بن خالد. روغ، الإعلام العربي، 170–71. ماجدة أبو فاضل، “الحياة اليومية في بحر من أسماك القرش الإعلامية”، جمعية الإعلام العربي، 15 أغسطس 2018م https://bit.ly/3e1r0cE من أسماك القرش محمد أبو رزق، “من أعدم الحياة السعودية؟ تحقيق لـ “الخليج أونلاين” يكشف المستور، الخليج، 20 سبتمبر 2019م، http://khaleej.online/g2kMJR.

[46] Rugh, Arab Mass Media, 170.

[47] Ibid., 171; and Ibrahim, “Al Hayat.”

[48] “توقف مفاجئ لموقع جريدة الحياة على الإنترنت”، القدس العربي، 14 سبتمبر 2018م، https://bit.ly/3i0u9wq

[49] Toumi, “First Non-Saudi.”

[50] أبو رزق “من أعدم الحياة السعودية؟”

[51] “الأزمة المالية توقف موقع الحياة عن العمل”، العربي الجديد، 11 سبتمبر 2019م  https://bit.ly/2Nri0SX ؛ الجريدة العربية “الحياة” تغلق رسميًا بعد عقود من الصحافة “عين الشرق الأوسط، 4 آذار/ مارس 2020، https://bit.ly/2BX7EIa.

[52] إبراهيم حميدي، مقابلة مع المؤلف عبر الهاتف، نيسان/ أبريل 2020م.

[53] بدأت الجزيرة عملها عام 1996م، ويمكن مشاهدتها عبر الإنترنت على aljazeera.net. تحافظ قناتها الشقيقة باللغة الإنجليزية، الجزيرة الإنجليزية (aljazeera.com، التي أُطلقت عام 2006م (على نغمة أكثر احترافًا وحيادية من الشبكة الرئيسية باللغة العربية، وهي مسيسة للغاية. يشير اسم المنفذ (الجزيرة)، إلى شبه الجزيرة العربية. بدأ التلفزيون العربي البث من لندن في عام 2015 م. على عكس الجزيرة، فهي ليست مملوكة للدولة رسميًا، ولكنها ممولة من المستثمرين القطريين، ومن الواضح أنها تدعم الحكومة القطرية. وهي جزء من مجموعة الشركات مثل صحيفة العربي الجديد (انظر أعلاه). الموقع الإلكتروني: https://alaraby.tv. يقع المقر الرئيسي للعربية في دبي، لكنها تخدم الحكومة السعودية. تم إنشاؤه في عام 2003، جزئيًا لموازنة نفوذ قطر المتنامي من خلال قناة الجزيرة. الموقع: http://alarabiya.net. Al-Hadath [الحدث] تم إنشاؤه كمنصة منفصلة من العربية في عام 2012م، الموقع الإلكتروني: https://www.alhadath.net.

[54] Rusiya al-Yaum [روسيا اليوم] ، التي أعيدت تسميتها لاحقًا باسم RT Arabic، بدأ في عام 2007. TRT عربي هو فرع باللغة العربية من إذاعة تركيا الوطنية، Türkiye Radyo ve Televizyon Kurumu (TRT). تم إطلاقه في عام 2010. الموقع الإلكتروني: https://www.trtarabi.com. أطلقت (الحرة) الولايات المتحدة عام 2004 للترويج لسياسات وقيم الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر وغزو العراق. الموقع الإلكتروني: https://www.alhurra.com. أطلقت قناة France 24 بثًا يوميًا باللغة العربية مدة أربع ساعات يوميًا عام 2007م، وتطورت إلى البث على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع بحلول عام 2010م، الموقع الإلكتروني: https://www.france24.com/ar. يعود تاريخ البث الإذاعي باللغة العربية لهيئة الإذاعة البريطانية إلى ثلاثينيات القرن العشرين، لكن شبكة BBC العربية التلفزيونية أنشئت عام 2008م. . الموقع الإلكتروني: https://www.bbc.com/arabic. العالم، المملوك للحكومة الإيرانية، انطلق عام 2003م. الموقع الإلكتروني: https://www.alalamtv.net. يبدو أن إيران تدعم الميادين، وهي قناة فضائية مقرها بيروت بدأت العمل عام 2012 م من قبل موظفي الجزيرة السابقين. الموقع الإلكتروني: https: // http: //www.almayadeen.net. وإضافة إلى ذلك، يدير “حزب الله” قناة (المنار) منذ عام 1991 م على الأقمار الصناعية منذ عام 2000م. الموقع: http://www.almanar.com.lb.

[55] عمرو خليفة ومحمد سعد “كواليس لقاء الأربع ساعات، بين رئيس الوطنية للصحافة وشباب المؤسسات القومية”، أخبار اليوم، 13 فبراير 2020م، https://bit.ly/3i1DFiQ

[56] “Statement by the Regional Director Dr Ahmed Al-Mandhari on COVID-19 in the Eastern Mediterranean Region,” WHO Eastern Mediterranean Office, April 2, 2020, https://bit.ly/3f1D7Yw.

[57] Muhammad Al Hosse and Madeline Edwards, “Bracing for Coronavirus in Syria’s Battered Northwest,” The New Humanitarian, March 26, 2020, https://bit.ly/2ZzBsCD.

[58] Auteurs des fake news : Nouvelles dispositions pénales pour combler un vide juridique” [Authors of Fake News: New Penal Provisions to Fill a Legal Void], El Moudjahid, April 23, 2020 www.elmoudjahid.com/fr/actualites/152014.

[59] مقابلة مع حميدي

[60] محمد السيد، “عبد المحسن سلامة: انخفاض إعلانات الصحف بنسبة 75٪ بسبب أزمة كورونا”، اليوم السابع، 29 مارس 2020م، https://bit.ly/2BBcI4M

[61] Mellor, email.

 

[62] “الأردن يعطل كافة القطاعات باستثناء الأساسية” [Jordan Disables All Nonessential Sectors], Al-Ghad, March 17, 2020, https://alghad.com/الأردن-يعطل-كافة-القطاعات-باستثناء-ال/.

[63] “كإجراء احترازي للتصدي لفيروس كورونا.. تعليق صدور الصحف الورقية إلى إشعار آخر”, Syrian Arab News Agency, March 22, 2020, https://sana.sy/?p=1127191; “وزير الإعلام اليمني يوجه بوقف إصدار الصحف الورقية الحكومية والأهلية موقتًا”، اليوم السابع 23 مارس 2020م https://bit.ly/3fVi0ac

[64] “سلطنة عمان توقف الصحف الورقية”، البيان، 22 مارس 2020م.https://www.albayan.ae/one-world/arabs/2020-03-22-1.3809816؛ “بسبب كورونا.. المغرب يعلق إصدار الصحف الورقية”، العربية، 22 مارس 2020م، https://ara.tv/phr5n؛ في الإمارات، تحركت السلطات بشكل أساسي للحد من التوزيع. انظر “فيروس كورونا: الصحف الإماراتية للحد من توزيع الطباعة”، ذا ناشيونال، 23 مارس 2020م https://bit.ly/3grMMI9.

[65] وكالة الأنباء العربية السورية، “إجراء احترازي للتصدي لكورونا”.

[66] من الأمثلة النادرة غير العربية إيران. انظر “إيران تحظر طباعة جميع الصحف، نقلًا عن انتشار فيروس كورونا”، لجنة حماية الصحفيين، 31 آذار/ مارس 2020، https://bit.ly/3giP3oT

[67] مقابلة مع خوري.

[68] مقابلة فراس الشوفي مع الكاتبة عبر خدمة الرسائل عبر الإنترنت، نيسان/ أبريل 2020.

[69] أسامة الشريف، مقابلة مع المؤلف عبر خدمة الرسائل عبر الإنترنت، نيسان/ أبريل 2020.

ست كائنا إلكترونيا فأنا من جيل "الحبر والورق"

نضال منصور

16 أبريل 2020 م .

A man walks past a stack of newspapers near Bixton Station, as the spread of the coronavirus disease (COVID-19) continues,…

لا أتمنى أن تنتهي الصحافة الورقية، وآمل أن تنجح محاولات إنقاذها من الموت

منذ أن بدأ حظر التجول في الأردن، قبل ما يُقارب الشهر، وحياتي مختلفة، وصباحاتي لم تعد كالمعتاد.

قد يظن البعض أن حالة الحصار خلف جدران البيوت هي السبب، وهذا صحيح إلى حد ما، ولكن غياب الصحف الورقية التي أدمنت على مُطالعتها منذ عقود، أشعرني بفقدان شيء من حياتي، وأصابني بالإحباط.

أنا من جيل "الحبر والورق"، الجريدة بالنسبة لي كالقهوة، إنها الكافيين الذي أحتاجه يوميا، ورغم كل محاولات ترويضي لأصبح كائنا إلكترونيا، إلا أنها فشلت، وبقيت وفيا للورق.

الأردن مثل كثير من دول العالم، ومنذ انتشار جائحة كورونا اتخذ قرارا بإيقاف طباعة الصحف، والمجلات الورقية، وربما يكون هذا القرار منسجما مع توجهات منظمة الصحة العالمية؛ للحد من احتمالات انتشار فيروس كورونا من خلال طباعة وتوزيع الصحف، وتداولها بين الناس.

لم تكن الصحافة الورقية تحتاج إلى أزمة فيروس كورونا حتى تُعاني وتحتضر، فهي منذ سنوات طويلة تواجه حصارا، وموتا بطيئا بعد رحيل قطاع كبير من جمهورها نحو الصحف الإلكترونية، ووسائل التواصل الاجتماعي، وجاء قرار وقف الطباعة الأخير بسبب فيروس كورونا ليُمثل رصاصة الرحمة التي أطلقت على العديد من الصحف حول العالم.

ربما لن تندثر الصحافة الورقية كلها بانتهاء أزمة كورونا، غير أن المؤكد أنها تحتضر، والصحيفة التي ستصمد، وتكون قادرة على الحياة ستخلق "نموذجا" مُغايرا، ومحتوى نادرا يفرض وجوده، والحاجة إليه.

معظم صحافتنا الورقية تابعة للسلطة السياسية وفقدت إلى حد كبير صدقيتها عند الجمهور

لم يبدأ النقاش عن مآلات الصحافة الورقية مع أزمة كورونا، فهو جدل قائم منذ صعود الصحافة الإلكترونية، وإغلاق العديد من كُبريات الصحف بعد عجزها، وإفلاس بعضها، ورغم ذلك فإن باحثين ما زالوا يُبشرون بوجود فرص لاستمرار نماذج في الصحافة الورقية، وذهبت دراسة نشرتها شبكة الجزيرة تحت عنوان "الصحافة الورقية وصراع البقاء ورهانات الرقمنة"، إلى القول "من الضروري فهم العلاقة بين الصحافة الورقية والرقمنة باعتبارهما خليتين لا يمكن لإحداها أن تعيش دون الأخرى".

قد يبدو هذا الكلام مُغريا ومُشجعا لمن تعلّق قلبه بالصحف الورقية، والأجدى اختبار هذه الفرضية على أرض الواقع، ومدى قدرتها على النجاح والصمود.

بعد أن أطلقت صافرات الإنذار في عمّان؛ لتعلن أن الصحف اليومية عاجزة عن تأمين رواتب موظفيها لشهر أبريل الجاري، علّق رئيس تحرير جريدة الغد المُستقلة مكرم الطراونة في مقال له "لا يجوز النظر للصحف على أنها حبر وورق، ولا بد من النظر إلى دورها في خدمة المجتمع، والمصلحة العامة، وإيصال المعلومات بدقة وموضوعية".

وتوقع الكاتب ماهر أبو طير أن الصحف اليومية ستبقى لو أديرت باعتبارها صناعة، وليست عملا سياسيا وحزبيا، وابتكرت أنماطا، وأشكالا جديدة من العمل.

نقابة الصحفيين الأردنيين دخلت على خط الأزمة، مُطالبة الحكومة بتعويض الصحف التي توقفت عن الطباعة عن الأضرار التي لحقت بها.

أزمة الصحافة الورقية في العالم العربي ليست بمعزل عن أزمة الصحف في العالم، وهي حتما لم تبدأ بكارثة كورونا؛ لكن يُضاف لكل الأزمات التي تعيشها صحف العالم، أن صحافتنا في معظمها ليست مُستقلة، وتابعة للسلطة السياسية، وفقدت إلى حد كبير صدقيتها عند الجمهور، وتستخدمها أنظمة الحكم للترويج لسياساتها، واستبدادها.

قناعتي أن كل وسيلة إعلام تُغلق، يعني أن دربا للمعرفة، والحقيقة قد أغلق بوجه الناس

لم تُفكر، ولم تبنِ معظم الصحافة الورقية العربية في العقدين الماضيين نماذج إعلامية قابلة للحياة، واعتمدت في مواردها ـ مع تراجع إيرادات التوزيع والإعلان ـ على الدعم المالي المشروط سياسيا من الدولة.

ظلت الصحف تُقدم نفسها بذات القالب والثوب، وكأن العالم لم يتغير منذ السبعينيات، والثمانينيات، وحتى التسعينيات، ولم ترَ كل هذه التحولات من حولها، وبقيت مُعتقدة أنها تستطيع المنافسة على الخبر، والسبق الصحفي، وتُعيد رواية الأحداث التي سبقتها إليها الفضائيات صوتا وصورة، وبالتأكيد تقدم عليها الإعلام الإلكتروني أيضا.

هجر كثير من الناس الصحف الورقية التي ظلت تراوح مكانها، واتجهوا إلى الوسائط الإعلامية المُتعددة، وانضم الجمهور في غالبه لدولة "فيسبوك" التي تُتيح له أن يرى العالم، ويراه الملايين دون رقابة ووصاية، وصار معلوما أن وسيلة الإعلام التي لا تجد لها موطئ قدم في السوشيل ميديا لن يراها الناس، وأصبحت خارج ميدان المنافسة، وبحكم المجهول.

لولا الإعلانات الحكومية في الأردن؛ لأغلقت الصحف اليومية فورا، فالإعلان التجاري تراجع بشكل ملحوظ، وإيراداتها لا تكفي لديمومة الصحف، والتوزيع والاشتراكات السنوية شحيحة العائد، وشراء الصحف بشكل مباشر لم يعد يتجاوز آلاف محدودة لا تكفي لسداد ثمن الورق والطباعة؛ فكيف سيُغطي الرواتب، والكُلف الأخرى للمؤسسات الإعلامية؟

وسائل الإعلام جزء من منظومة الحقوق المجتمعية ولابد من دعمها مثل التعليم والصحة

يستحوذ الإعلان على منصات التواصل الاجتماعي على حصة متزايدة، وتأخذ إعلانات الطرق، والجدران (Out Door)  حصة أخرى مهمة، ولم يعد يتبقى إلا القليل الذي لا يكفي لتنهض الصحافة، وتعيش بكرامة واكتفاء.

أزمة الصحافة الورقية عابرة للحدود، ولهذا فإن الاتحاد الأوروبي يعكف منذ أكثر من عام على دراسة آليات دعم الإعلام المستقل، وكلّف الاتحاد الدولي للصحفيين بتقديم تصور لهذه الغاية.

حتى الآن تُقدم عواصم أوروبية دعما ماليا مباشرا لوسائل الإعلام، فالنقاش الدائر الآن في العالم أن وسائل الإعلام جزء لا يتجزأ من منظومة الحقوق المجتمعية، ومثلما تدعم الدول التعليم، والصحة؛ فعليها أن تدعم وسائل الإعلام لأنها تضمن حق المعرفة، ووصول المعلومات للجمهور، وتضمن تنوعا، وتعددا في المنصات الإعلامية.

أكثر من ذلك، فإن مؤسسات إعلامية، وحكومات تطالب محركات البحث "غوغل"، ومنصات التواصل الاجتماعي، بدفع قيمة استخدامها للمحتوى بشكل مجاني، والاستفادة منه لغايات تجارية، وتذهب حكومات إلى مُطالبة هذه المحركات، والمنصات الإلكترونية بدفع الضريبة المُستحقة على الإعلانات التي أخذتها من أسواقها، ويُفكر بعضها في تخصيص جزء من هذه العائدات إن تحققت لدعم الصحافة، وتطوير المحتوى الإعلامي.

لا أتمنى أن تنتهي الصحافة الورقية، وآمل أن تنجح محاولات إنقاذها من الموت، فقناعتي أن كل وسيلة إعلام تُغلق، يعني أن دربا للمعرفة، والحقيقة قد أغلق بوجه الناس.

أفكار ومواقف

موت الصحافة الورقية!

موفق ملكاوي موفق ملكاوي    يوليو 21, 2020 م

ADecrease font size. AReset font size. AIncrease font size.

على مدى نصف قرن، كرست الصحافة الورقية الأردنية نفسها لحفظ الهوية الوطنية، والدفاع عن الدولة في وجه تحديات عديدة أفرزتها مراحل تاريخية مختلفة. تأثيرها تأتى من التنوع الكبير الذي اشتملت عليه، وهو التنوع الذي غاب عن الإذاعة والتلفزيون الوطنيين.

هذه النقطة بالذات، هي ما منح الصحافة الورقية قوتها، فرغم قدرة بعض الحكومات، وخلال فترات زمنية متفرقة، على احتوائها عن طريق كثير من الممارسات، بعضها قمعي، إلا أنها، ومن خلال كتاب متنوعي الأيديولوجيا، استطاعت أن تظل مؤشرا على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحقيقية، وأن تنبش في كثير من المسكوت عنه، وأن تسبب الضيق والتبرم لكثير من الحكومات، وصولا إلى الإطاحة ببعضها.

ضمت هذه الصحافة بين صفوفها كتابا من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، في فسيفسائية منحتها القدرة على البقاء والتحرك في محيط قليل الأكسجين، ومع ذلك فقد استطاعت أن تحافظ على بقائها، وأن «تتعايش» مع المتغيرات التي كانت تفرضها ظروف مختلفة، كما استطاعت أن تؤثر في الأحداث، وأن توجهها أحيانا.

اليوم، ولأسباب عديدة، تفقد الصحافة الورقية الكثير من قدرتها على مواجهة التحديات والتكيف مع التغيرات الحاصلة في صناعة الإعلام. انحسار مساحة الإعلان بدءا من مطلع العقد الثاني من القرن الجديد، أثر كثيرا على قدرتها في تحديث مدخلاتها وتدريب كوادرها، ما أثر بالتالي على صورتها في الشارع، خصوصا مع وجود مئات المواقع الإلكترونية التي تنافسها على الخبر.

ومع جائحة كورونا وما فرضته من إجراءات عديدة وصلت إلى تعليق الإصدار ورقيا زهاء 80 يوما، وصلت أزمة الصحف أوجها، خصوصا أن الدخل كان صفرا خلال هذا التعليق، بينما هناك كلف تشغيلية كبيرة لهذه المؤسسات، في الوقت الذي تحجم فيه المؤسسات المالية المختلفة على إقراضها أو منحها أي تسهيلات!

كل هذه الصعوبات أمام الصحافة الورقية تجري أمام نظر وسمع الحكومة، وهي لا تحرك ساكنا، ولا تتخذ أي إجراء لمساعدتها في مواجهة التحديات التي تعصف باستقرارها وتهدد بقاءها.

في حوارية استضافتها مؤسسة عبد الحميد شومان مؤخرا، وشارك فيها نقيب الصحفيين ورئيس تحرير «الرأي» الزميل راكان السعايدة، ورئيس هيئة تحرير «الأنباط» الزميل حسين الجغبير، ورئيس تحرير «الغد»، الزميل مكرم الطراونة، وأدارتها الإعلامية المبدعة روان الجيوسي، كان هناك اتفاق على أن الكرة اليوم في ملعب الحكومة، وأن باستطاعتها أن تكشف عن حسن نيتها تجاه مستقبل الصحافة الورقية من خلال منح تسهيلات، أو معاملة تفضيلية، أو إعفاءات ما، إلى حين وقوف الصحف على قدميها من جديد.

من غير الدعم الحكومي، ربما نكون ذاهبين إلى تصفية هذه المؤسسات الوطنية، وبيعها في مزادات علنية، وبالتالي انضمام مئات الصحفيين والفنيين والعاملين فيها إلى صفوف البطالة. هذا الأمر بمثابة كارثة لقطاع مهم، بينما يمثل دعمه مسألة أخلاقية ووطنية.

الحكومة مطالبة بالوقوف إلى جانب هذه المؤسسات، كأن تستهدفها بحزمة كما غيرها من القطاعات العديدة التي دعمتها، من غير ذلك سنقول بكل أسف، إننا نشهد البداية الحقيقية لموت الصحافة الورقية. وهو موت لا يريده أحد.. حسب علمنا!

رغم الأزمات.. الصحافة الورقية في مصر تصارع من أجل البقاء

وائل الغول الثلاثاء 2016/3/22 02:11 م بتوقيت أبوظبي

 https://al-ain.com/article/99726

عانت الصحافة الورقية في مصر خلال السنوات القليلة الماضية من أزمات عدة بسبب التطور التكنولوجي وارتفاع أسعار الورق والمطابع والأزمات الاقتصادية، ما أدى إلى تناقص أعداد التوزيع لعدد من الصحف التي اضطر بعضها إلى إغلاق أبوابها وتسريح الصحفيين العاملين بها، أو التحول إلى مواقع إلكترونية دون إصدار نسخ ورقية.

وفي أعقاب 25 يناير، تراجعت نسب توزيع الصحف المصرية بصورة ملحوظة، وتأتي في مقدمتها الصحيفة المصرية الأعرق والأقدم "الأهرام" التي تراجع عدد ما تطبعه يوميًا إلى قرابة 180 ألف نسخة، توزع منهم 140 ألف نسخة تقريبا. ويرتفع المطبوع من الإصدار الأسبوعي يوم الجمعة، إلى 220 ألف نسخة، وتبلغ نسبة المرتجع منه، أي النسخ غير المباعة، 25%، حسبما أعلنت مصادر بمؤسسة الأهرام للطبع والنشر والتوزيع.

أما صحيفة "الأخبار" التي تعد ثاني أكبر وأعرق الصحف القومية، فتطبع يوميًا 150 ألف نسخة، يباع منها قرابة 110 آلاف و500 نسخة، في حين يبلغ عدد النسخ المرتجعة 40 ألفا و500 نسخة.

وترفع مؤسسة الأخبار عدد المطبوع من عددها الأسبوعي "أخبار اليوم"، يوم السبت، إلى 200 ألف نسخة، يبلغ المبيع منها 150 ألفا.

وبالانتقال إلي الصحف المصرية المستقلة، نجد أن "المصري اليوم" تطبع 110 آلاف نسخة يوميًا، يباع نحو الثلثين منها تقريبًا، بحسب إحصاءات غير رسمية صادرة عن المؤسسة.

أما جريدة الشروق، فقد باتت تكتفي بطباعة 25 ألف نسخة يوميًا، يباع منها 10 آلاف فقط، معتمدة على مقالات الرأي وعدد من الكتاب الذين تعاقدت معهم المؤسسة.

وطالت أزمات انخفاض نسب التوزيع أحدث الصحف اليومية المستقلة على الساحة جريدة "الوطن"، والتي باتت تكتفي بطباعة 65 ألف نسخة، يباع منها 40 ألف نسخة تقريبًا، بحسب إحصاءات غير رسمية.

أزمة التوزيع لم تكن الوحيدة اتلى طالت الصحف المصرية، لكن الأزمات المالية كانت السبب الرئيس في إغلاق عدد من الصحف، وعلى رأسها جريدة "الوادي"، التي صدرت بعد 25 يناير، وكان يرأس تحريرها الكاتب الصحفي خالد البلشي، وكيل نقابة الصحفيين، والتي أعلنت عن توقف إصدارها في مارس عام 2014. 

وخلال شهر سبتمبر العام الماضي أعلن مجلس إدارة جريدة "التحرير" وقف الإصدار الورقي، والاكتفاء بالموقع الإلكتروني بالجريدة نظرًا لبعض الأزمات المالية التي تمر بها المؤسسة.

وخلال العام الماضي أيضًا، أعلنت جريدة "البديل" المعروفة بميولها اليسارية، التوقف عن الإصدار الورقي الأسبوعي، بحيث يكون آخر عدد هو العدد  الصادر في نوفمبر 2015.

وفي أعقاب توقف عدد من الصحف عن الإصدار وتراجع توزيع صحف أخرى، أكد عدد من خبراء الإعلام أن الصحافة الإلكترونية ستكون بديلا للصحف الورقية خلال الفترة القادمة، متوقعين توقف عدد كبير من الصحف، خاصة المستقلة عن الإصدار في وقت قريب.

نقابة الصحفيين في مصر ترى أن الصحافة الورقية لن تندثر، لكنها تعاني من بعض المشكلات فقط، ويؤكد يحي قلاش، نقيب الصحفيين، في تصريحات خاصة لـ"العين" أن الصحافة الورقية عانت خلال السنوات الماضية من مشكلات أغلبها اقتصادي وبعضها يتعلق بالظروف السياسية التي مرت بها البلاد.

وأشار نقيب الصحفيين إلى أن انخفاض نسب توزيع الصحف الورقية وإغلاق بعض المؤسسات الصحفية ليس له علاقة بالتحول الإلكتروني للصحافة في مصر أو الدول العربية، لكن الأزمات المالية العالمية كانت السبب الرئيس في تراجع الصحافة المطبوعة.

وأوضح قلاش أن الصحافة الإلكترونية ليست بديًلا عن الصحف الورقية لكنها تستهدف جمهورا محددا، أغلبه من الشباب والباحثين عن الأخبار السريعة، مضيفًا أن الصحف الورقية ما زالت تحتفظ بجمهورها ومتابعيها.

وقال إن عددا من الصحف على مستوى العالم أغلقت أبوابها لفترة ثم عادت إلى إصدارها الورقي بعد انتهاء أزماتها المالية، مشيرًا إلى أن نقابة الصحفيين تعمل حاليًا على وضع تشريعات وقوانين لحماية حقوق الصحفيين عن طريق عقود العمل الموحدة وقوانين الصحافة والإعلام.

من جانبه قال الكاتب الصحفي على السيد، رئيس التحرير السابق لصحيفتي" التحرير" و"المصري اليوم"، إن الصحافة عانت على مر التاريخ من أزمات مشابهة لعل أبرزها ظهور الإذاعة التي اعتبرها البعض بديًلا للصحافة، ثم ظهور التليفزيون، لكن الصحافة استمرت في الصعود واعتمدت عليها وسائل الإعلام الأخرى.

وأكد السيد لـ"العين" أن التطور التكنولوجي كان أبرز أسباب تراجع الصحافة الورقية على مستوى العالم، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الطباعة والورق وعدد من الأزمات المالية الأخرى التي تسببت في تراجع الصحافة المطبوعة أمام الإلكترونية.

وأوضح رئيس التحرير السابق لصحيفة "المصري اليوم" أن الصحافة المطبوعة المستقلة في مصر افتقرت الإبداع بعد تجربتين صحفيتين هما "المصري اليوم" و"التحرير"، معتبرًا أن سر تراجع الصحف الورقية هو افتقارها إلى التطور أمام المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي.

وعن أزمة توقف إصدار جريدة "التحرير"، قال السيد: إن أزمة التحرير كانت سياسية في المقام الأول وليست مالية، مضيفًا أن الصحفيين العاملين بالجريدة اهتموا بالجانب السياسي على حساب الشق الصحفي داخل الجريدة.

الصحف الحزبية عانت كذلك من أزمات مالية وأخري خاصة بالتوزيع، وقال الكاتب الصحفي طارق تهامي، نائب رئيس تحرير جريدة "الوفد" الحزبية، إن أزمة تمويل الصحف عالمية وليست مصرية أو عربية فقط، لافتا إلى أن بعض الصحف العالمية أوقفت إصدارها الورقي وعلى رأسها "الاندبندنت" البريطانية.

وأوضح التهامي لـ"العين" أن تراجع الصحف الورقية متوقع منذ سنوات، وقامت بعض المؤسسات الصحفية في عدة دول بتوزيع النسخ الورقية الخاصة بها مجانًا بعد تراجع الصحافة المطبوعة أمام الإلكترونية.

وأشار نائب رئيس تحرير "الوفد" إلى أن الصحف الحزبية عانت من تلك الأزمات مثل باقي المؤسسات والصحف الورقية، لكنها لجأت إلى تطوير إصداراتها الإلكترونية لمواجهة ذلك التراجع.

من جانبه قال الدكتور محمود علم الدين، رئيس قسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، إن الصحافة شهدت تطورا كبيرا خلال الفترة الماضية بعد انضمام وسائل جديدة لنقل الخبر وعلى رأسها الهواتف النقالة.

وأوضح علم الدين لـ"العين" أن تطور الصحافة يؤثر على الصحف المطبوعة، لكنه لن يؤدى إلى اندثارها أو اختفائها، مؤكدًا أن مستقبل الصحافة الورقية مرتبط بقدرتها على التطور ومجاراة الصحافة الإلكترونية عن طريق الاهتمام بما وراء الخبر من تحليل ومتابعات وآراء.

وأشار رئيس قسم الصحافة بجامعة القاهرة إلى أن الصحف الورقية الحالية لم تستطع تخطي حاجز الـ700 ألف نسخة يوميًا في التوزيع، فيما استطاعت بعض الصحف توزيع قرابة المليون نسخة في ستينيات القرن الماضي. 

ولفت علم الدين إلى أن بعض الصحف المطبوعة اكتفت بإصداراتها الإلكترونية، فيما لجأت صحف أخرى إلى إصدار نسخ ورقية لمؤسساتها، ومنها صحيفة "نيو داي" البريطانية والتي صدرت العام الحالي، موضحًا أن عدد متابعي الصحف الورقية على مستوى العالم بلغ  2 مليار و700 مليون، فيما يبلغ عدد متابعي الصحافة الإلكترونية قرابة 3 مليار و200 مليون شخص على مستوى العالم.

في النهاية.. يبدو أن الأمل الأخير للصحافة الورقية هو التميز بالرأي والتحليل والمتابعة والانفراد بملفات تهم المواطن وتمس حياته اليومية، حتي تستطيع منافسة الصحافة الإلكترونية التي تمتاز بالسرعة والانتشار.

مصر منارات

2