2022/04/17

تحية الفكر والإرادة المتجددة مملكة اطلانتس الجديدة ارض الحكمة (المحاضرة 19 ) في ,فلسفة البناء, وفشل الديمقراطية التقليدية رماز الأعرج

 



       ج الديمقراطية السياسية

يعتبر هذا الشكل هو الشكل الأول الذي ظهر فيه هذا المفهوم لأول مرة في التاريخ , وقد أشرنا إلى  أسباب الظروف التي أدت إلى ظهور هذا المفهوم واستعماله, وقد ذكرنا كيف كان النشوء الأول له والممارسة الأولى بحيث مارسه الأسياد  بعد أن ثاروا على النظام الإقطاعي المطلق وتحالف  كبار الملاك ورجال الدين, وتحولت السلطة إلى يد أرباب العبيد الملاكين الصغار, وهم أسياد في النهاية.


واتسع بعد ذلك استعمال هذا المفهوم حتى أصبح اللعبة السياسية الأساسية التي يقام عليها وتشرع الكثير من القرارات السياسية الحساسة والحاسمة في حياة الشعوب والأمم وتاريخها, ولم يعد مجرد أداة تشريع بل اصبح ممارسة وسلوكًا سياسياً يشمل الكثير من القضايا والأنشطة بما فيها التشريعية والتنفيذية والنشاطية أيضاً.


فالديمقراطية المعاصرة لا تقتصر على الانتخاب والترشيح, بل هي القاعدة الأساس لجميع المؤسسات السياسية بلا استثناء, حيث صاحب الغلبة هو صاحب الحسم والقرار في النهاية, ومن حقه إخضاع جميع معارضيه, وتنفيذ إرادته بغض النظر عن نسبة المعارضين ما دامت القضية قد حسمت لصالحه قانونياً النصف + 1, وقد اختلف مفهوم الديمقراطية بين الأنظمة السياسية أيضاً, فهناك أشكال متنوعة ومفاهيم متناقضة للديمقراطية ذاتها في الفهم والممارسة أيضاً, فلنتخيل أن الكثير من الدول الاستعمارية العنصرية تسمي نفسها دولاً ديمقراطية, وهي من أعتى الأنظمة الاستعمارية.


إنها ليس سوى استمرار لتلك الديمقراطية العبودية الأولى حيث لا احتساب للعبيد ولا للنساء, فالإمبراطورية الأمريكية  والبريطانية مثلا هي دول ديمقراطية, وهي من أكبر الدول المستعبدة للشعوب والتي أبادت الملايين من البشر وساهمت في إبادة الكثير من اللغات و الثقافات الإنسانية , وتبعها في ذلك الكيان العنصري المتخلف الصهيونية والنازية و الفاشية  وغيرها من الأفكار الدينية المسيسة التي انتشرت في المنطقة العربية وغيرها على نطاق واسع , ولكنها جميعها من الأفكار العنصرية التي لا تختلف في جوهرها  عن بعضها في شيء سوى  اللون والشكل الخارجي.


لنتصور بلداً ما لديه شرطة خاصة تتابع قضايا الحيوانات, وفي حال اكتشاف جريمة اضطهاد لحيوان ما , إهمال, تجويع, سوء معاملة, إهمال صحي, يؤخذ الحيوان من صاحبه ويحاكم صاحب الحيوان , يغرم أو يسجن , وقد ينال العقوبتين, بسبب جريمة ما ضد حيوان, وفي نفس الوقت نجد أن المواطنين السود في هذه الدولة يتعرضون للقتل على أيدي الشرطة بشكل متواصل ومتكرر, ولم ينل أي شرطي عقاباً على ذلك حتى الآن , هذه الدولة المتمثلة بأمريكا من اكبر دول العالم إرهاباً منظماً وهي المسؤولة وحلفاؤها وذيولها عن ما يزيد عن 90 %من جرائم العلم, وتحتل العالم بعدد قواعد عسكرية حيث هي أكثر دولة في العالم لها قواعد عسكرية, ويزيد عدد قواعدها عن 700 قاعدة و موقع عسكري وأمني, إنه احتلال للعالم لم يبق سوى الإعلان عنه.


هذا هو الوجه الحقيقي لهذه الدول الأكثر ادعاء للحرية والديمقراطية في العالم البائس المعاصر, الغارق في الجهل والتضليل و الطغيان و انعدام الأخلاق الدولي والعالمي, حيث سياسة  الكذب والتجارة  بالحروب أصبحت من أبرز مظاهر العلاقات الدولية, ولم تعد تربط الشعوب أي علاقات إنسانية على الصعيد السياسي, بل تحول كل شيء إلى مصالح سياسية محضة لا تمت للحياة ومعانيها بصلة.


وهناك الوجه والفهم الآخر للديمقراطية السياسية أيضاً, ولكنه مفهوم شعبي للديمقراطية وذو معايير مختلفة عن تلك الرسمية والتقليدية, وهذا وجه آخر من وجوه الديمقراطية, حيث تعبر الديمقراطية الشعبية عن أشكال متعددة من الديمقراطية الإبداعية التي قد تبتدعها الشعوب في مسيرتها النضالية ضد الظلم والطغيان الذي تمارسه الأنظمة السياسية القائمة على الملكية الخاصة.


وهناك الكثير من العلاقات الإنسانية هي في الأصل اجتماعية صرفة ولكن تم تسييسها مع الزمن, فالتشاور مثلا مبدأ قديم بقدم المجتمع والإنسان العاقل, وهو سلوك أخلاقي إيجابي فيما لو وضع في سياقه الصحيح الأصيل, حيث التشاور يعني المساواة في الرأي, ويكون صحيحاً وأصيلا إذا اقترن بالمساواة في اتخاذ القرار أيضاً, وتجدر الإشارة إلى أن هذا السلوك أقدم من الديمقراطية بآلاف السنين, وجذوره ممتدة إلى المجتمع الطبيعي القديم الغير مسيس, وهو من أقدم الموروثات الإنسانية الاجتماعية السلوكية, فالبشر تشاوروا وتبادلوا الأفكار والرأي في كل شيء في الصيد و الحقل و البيادر والمواسم  والعلاج والعلم, وتجادلوا وتحاوروا وتبادلوا الرأي والخبرات في كل مجالات الحياة,  وفي هذه جميعها لم يتناحروا, بل تشاوروا وتحاوروا, إلى أن ظهرت الملكية الخاصة وتبعها النظام السياسي, ومن هنا تحديداً بدأ التناحر, وظهر القمع وظهرت النظم والمفاهيم السياسية والحقوقية والقانونية, ومن ضمنها الديمقراطية.


لقد اختلطت الكثير من المفاهيم بالديمقراطية وكثر الهزل والجد والتبست, فكل له فهمه الخاص ومعايير مختلفة عن سواه, وكل يضع القوانين والطرق والأنظمة التي تناسبه, ويطلق عليها ما يريد من أسماء بكل حرية ما دام قادراً على إجبار الآخرين على الاعتراف بها,هذه هي قاعدة الأنظمة السياسية, ولأجلها ابتدعت مفهوم الديمقراطية وراحت تمارسه كلعبة في الكثير من المجالات لتحقق مصالحها من خلاله ليس إلا.

ارض الحكمة