2023/04/01

الرومانسية الثورية في قصيدة (مهاجرة) للشاعرة هدى حجاجي بقلم : د. رحيم الغرباوي

 





    مثلما آمن هايدغر من أن الشعراء آمنوا أن الروح الخلاق في العالم الحقيقي الفوضوي , هو مملكة الروح والجسد (1) ؛ لذا يسعى الشاعر إلى محاولة جهيدة الى تقمص وجدان العالم فهو ينزع دائما الى عالم أنقى للعيش في فيوضات الأمل السعيد ، ولعل التقنُّع بالعشق للحياة والجمال والرفيق على مايبدو هو أمل تنشده النفوس المضطلعة على حقيقة الوجود المكتنز بالإبداع والارتقاء لكل ما هو جديد ، فالشعر الحديث يعزز  دور الكلمة والرغبة في التخلص من رتابة كل ماهو عتيق وهذا ما جعل الشعر يقتحم طرائق جديدة تنسجم مع الذوق المستجد . ويبدو أنَّ الإبداع هو كسر لآلية الواقع والتمرد عليه في أحيان من أجل تحقيق الرومانسية في الفن كحملة راسخة ضد العناصر الفردية الفردية للتقاليد الكلاسيكية المحدثة (2) ، ويبدو أنَّ الشاعرة هدى حجاجي على الرغم من أنها تكتب بأسلوب مباشر ، لكنها تضيء عالمها بروح أنيقة من أجل أن تحقق لوناً من الرومانسية الثائرة على تقاليدها التي يؤمن بها مجتمعها كما هي تؤمن به إلا أنها تجد في الشعر خير متنفس لعالم يجتر الإبداع ويرقى بالروح إلى عوالم تكاد تضيئها خارج نطاق منظومة الحياة الأليفة محققةً بذلك التطواف في " التركيب الفضائي الذي رآى فيه جوزيف فرانك ... واحداً من أهداف الأدب" (3) ؛ لذا نرى شاعرتنا حجاجي في قصيدتها (مهاجرة) تعمل على إقامة حوار بينها وبين الحبيب ، وهي تعقد فضاءً من الأحاسيس لكن بطريقة فنية تحاول فيها اجتلاب دهشة المتلقي ، وهي تعبِّر عما ينتابها من شعور حسي حطم حفيظتها ، فنراها تقول : 


حين رأيتك 

خلعتُ ثوب الحرية 

وارتضيت قضبان أضلعك .


  فهي تترك حريتها ولعل خلع الثياب والمكوث أسيرةً خلف أضلعه ، إشارة إلى تعلقها به وتعلقه بها أيضاً وإلا لايكون الأسر في قلب الحبيب إلا لكونه هام بها فأسرها في قلبه . فتؤكد ذلك بقولها :


إن سألوك عني يوماً 

غادر محطة الصمت 

وقل كانت جنتي 

التي دخلتها وأنا مؤمن 

وبخمر عينيها صرتُ ثملا


   فهي تنبهه من أنَّ من يسأل عنها فعليه أن ينطق بالحقيقة ، من أنها كانت في يوم من الأيام جنته التي آمن بما لديها من عالم يفوق عالم الأحلام أمناً واستقراراً ودفئاً ، بينما هو ثملٌ بخمر عينيها ، ولعل الشاعرة تتناص مع قوله تعالى في وصف الجنة وخمورها ، ما جعلت عينيها نهراً من الخمر الذي يستقي منه الحبيب ، كي يثمل به كلما عاقرها .

    ولم تكتف بذلك بل أفاضت عليه بجملة من الوصايا ، فهي تقول : 


كلما كتبتُ لها قصيدةً 

قالتْ : ارتقِ 

وبآيات عشقي 

على مسامع الكون رتِّل ...  

قل لهم :

كلما باعدتني ذنوبي عنها

بقلبٍ رؤوم نادت :

عليَّ أقبل . 


    ويبدو أنَّ ما في داخلها من ثقة عالية بهذا الحب المتواشج بين الحبيبين فهي تأمره على سبيل الالتماس من أنه حينما يكتب قصيدة عنها فعليه أن يرتقي بوصف شمائلها وماتحمله من مواصفات سامقة على نساء جنسها ، كما أنَّ عليه أن يعلن عشقها مرتِّلاً هواها ووفاءها له ، وهذا مايدل على أنها تعلن حبها بكل قوة وكأننا نقرأ ردود أفعالها تجاه الحُسَّاد والحانقين والعواذل الذين لم يرتضوا هذا العشق الذي يفيض بالوفاء والإخلاص ، ثم تطلب منه أن يقرَّ ويعترف من أنه كلما أبعدته ذنوبه عنها إشارة إلى أنها الجنة التي لن يدخلها إلا المؤمن ، فهو ذلك التقي بحبها والذي كلما أزاغ نادته أن يقبل عليها ، فهي مؤمنة بغفران ذنوبه ، بل وتمنحه مسوغاً من أنه العاشق الذي لايخطأ مهما تعدَّت المسافات ، أو شاقت السبل  .

ثم تقول :


قل لهم : 

كأنها نور الصباح 

إذا ما انبلجَ 

ما رأيتُ أجمل منها .


   ويبدو أنَّ الشاعرة تدعو إلى التحرر من كل القيود طالما رغبتها في قناعتها حين يمتزج فيها العقل والعاطفة ، إذ لاترى للعرف قيمة إذا ما الفرد أعلن ما تقرره قناعته .


   ويبدو أن رومانسية هدى حجاجي هي طريق في الإحساس وطموح نحو اللانهائي كما يرى بودلير ولعلها من النوع الثوري الذي يطالب بحياة مدنية تنكر الطوباوية كما أنها تدعو إلى إقامة حياة جديدة لاعلاقة لها بمعايير الواقع الذي يقيد الحريات ، بل تدعو الى حتمية الحياة الديمقراطية التي تمتزج مع حتمية التجدد العولمي العالمي . 


(1) ينظر : ما بعد اللامنتمي , كولن ولسن ، دار الآداب : 120

(2) ينظر الرومانسية الثورية آرنو مونستر وآخروف : 7  

(3) اللغة في الأدب الحديث ، جاكوب كرك ، ترجمة ليون يوسف وآخر : 264