2016/02/19

كفيف يعزف النوتات التي يعاني منها المجتمع

 

الكفيف المبصر نوتات الموسيقى و اعتام المخيم 
بقلم ناصر قمر



" الآلة الموسيقيه التي أعزف عليها هي الصديق الوحيد تحت كل الضغوطات التي اعاني منها في المجتمع .. يمكنني أن احادثها في وحدتي . و بين مزيج الظلام .. عي مؤنستي .. و يكفي انها عرّفتني على من أريد ان أعرفهم " 

هذا ما يردده محمد لوباني التي تعود حكايته من قرية هجر اهلها أهلها في العام 1948 من الدامون واستفاقت بجلالها الاشعار والموسيقى و ألابطال .. في مخيم نهر البارد, بين زقاق منطقة الدامون عام 1990 وُلد كفيفاً, في غرفة تغيرت معالمها قبل و بعد حرب المخيم .. لربما هي اصغر من أن تسع حلمه الصغير الباهت أجله , المنتظر بين اعتاب منزله المخفي عن أعنيه مذ رأت الشمس محمد و لم يرها يوما الا في الحكايات التي تُروى في ظلمةٍ لا دين لها . 
لكن في نظره المعدم يرى ان الاصرار للأبداع و العمل لترسنة الموهبة هي الطريق الافضل لأضاءة المخيم و ليست بحاجة الى حواس. 

محمد لوباني, لم تقبله مدارس الانروا في مخيم نهر البارد الى ان أصبح في عمر ال 10 سنوات. من خلال علاقة أبيه باحد اداريين الأنروا .. دخل الصف الاول ابتدائي متأخرا نتيجة وضعه الصحيّ ومخاوفا كثيره كونه كفيف لا يرى ولم يعتد وقتها على القراءه و الكتابه لم تكن دراسته كباقي الطلاب حيث أمنت له وكالة الانروا منهج يتعلم به المكفوفون .. كانت صعبة في البداية حيث انه استخدم اسلوب ال " البرايل " و هو منهاج السمع و اللمس, حاول جاهدا في متابعة طبيعة الاختلاف الحاصل بينه و بين زملاءه, لكن قضية الاصرار أكملت حكايته حتى عام ال 2007 مستمرا للصف السابع متوسط مجتهدا و بارعا في الكتابة و القراءة و ناجحا في مستواه التعليميّ رغم عتمة الطريق امامه, الاّ أن حرب مخيم نهر البارد التي الحقت بنزوح أهالي مخيم نهر البارد الى باقي المخيمات, حيث نزح و هو و عائلته الى مخيم البداوي للاجئين الفلسطينيين شمال لبنان.
لم يكن في مدراس الانروا في مخيم البداوي  في ذلك الوقت تجهيزات يستطع من خلالها محمد اكمال محصوله العلميّ, و أثناء حرب ال 2007 التحق الى مدرسة " بعبدا للضرير و الاصم " في بيروت و تابعدراسته هناك حتى عام ال  2008 .. 
 لم يٌكمل محمد دراسته في بيروت , نتيجة مضايقات زملاءه له ان الفلسطينيون هم من افتعل الحرب و هم السبب في زعزعة الوضع في لبنان, فخرج من مدرسة بعبدا ليعود ادراجه الى مدارس الانروا في العام 2009 مكملا مرحلة الثناوي البكالوريا .

اكتفى محمد الى هذا الحد من الدراسه معتقدا ان لا وضع افضل للفلسطيني في لبنان للعمل , متوجها بعدها الى غرفته المؤلفه من لا شيء يذكر,  تلفاز لا صوره له, سرير اهلكله التعب, خزانة يضع فيها شيئا من ملابسه القليله, و جدران مفعمة بالموسيقى, و " آلة الاورغ " التي لم يكمل دفع تكلفتها الى الان رغم أنه اراد الالحاق بمدرسة الكونسيرفاتوار للموسيقى كحلم بناه على انامله, لكن شاء ان تكون مدرسته غرفته . 

حقق نجاحات كثيره حيث انه امتلك موهبة العزف على آلة الاورغ الموسيقية, الى ان اصبح ناشطا موسيقيا و عازفا ومدربا لمجموعات شبابية تلجأ اليه للتدريب, واحتل وجهه الاعلام المحلي في مخيم نهر البارد و لسيما باقي مخيمات لبنان و كذلك درب على الانشاد و الغناء واستطاع التشبيك عبر شبكات التواصل الاجتماعيه مع العديد من الفرق الفنية و الافراد في البلدان التاليه : الجزائر , تونس , مصر , ليبيا , اليمن , و بالاضافة الى الاردن . حالما ان يسافر الى كل تلك البلدان و معتقدا ان المساحة الأكبر لفلسطنيي لبنان هي خارج اللجوء بسبب الأوضاع الأمنيه و المشاحنات التي تمنعه احيانا من التنقل الى مناطق أخرى والمخيمات,  ويَعتبر محمد لوباني أن نجاحه هو بتكوين فريق عمل متكامل بأدارته مؤلفا من موسيقيين و منشدين, و يرى انه و بعمره يستطيع ان يكون اورغانيست ولا يستصعب الوصول الى ذلك اللقب لولا تأخر تحقيق الحلم .. 

محمد لوباني هو نموذجا ممزوج بالنجاحات و النوتات في ظل كحل الطريق امام ناظريه .. لكن فتحة الامل لازالت تضيء زواياه المفعمه باللانهايه . ولربما يكبر المكوفيفن ممثلين و رسامين و موهوبين و لو ارادوا احبوا موهبة التصوير مثل محمد أحمد لوباني.