2016/02/20

ليلى شحود: الاعلام الحر لا يملكه سياسيون الصحافة الحرة تقول للحاكم مايريده الشعب وليس العكس ...

بقلم ليلى شحود – عضو مجلس بلدية طرابلس 

الاعلام الحر لا يملكه سياسيون                  

"الصحافة الحرة تقول للحاكم ما يريده الشعب، وليس أن تقول للشعب ما يريده الحاكم " 

هذا ماقاله الكاتب مصطفى أمين مؤكدا دور الصحافة في خدمة الشعب ، وجعل صوت المواطن  مدويا في أذن المسؤول الذي يجب ان  يبادر  الى معالجة مشكلات المجتمع من موقعه كمؤتمن على مصالح الناس .

 وهذا مايحب ان يسري على الاعلام ايضا بكل وسائله المسموعة والمرئية والالكترونية .ولكن كيف يمكن لافكار الكاتب مصطفى أمين ولغيره من المفكرين ان تجد طريقها الى حيز التنفيذ  اذا كانت معظم وسائل الاعلام تملكها جهات سياسية او دول تروج لسياستها ، ولافكارها ، ولمصالحها ؟

للاسف رغم تطور وسائل الاعلام ، وانتشار الفضائيات بكل اتجاهاتها ، -دون تعميم   ومع تقديرنا واحترامنا للاقلام الحرة في لبنان على مستوى المناطق والعاصمة - فانه ينطبق عليها ماقاله ايضا يوما  المفكر فرانك زابا :" جزء كبير من الصحافة عبارة عن أناس لا يجيدون الكتابة يقابلون أناس لا يجيدون التحدث لأناس لا يجيدون القراءة" علما ان الاعلام هو وسيلة تثقيف وتوعية وارتقاء بالجمهور ، الا انه فقد هذا الدور ، وأصبح بعضه ان لم نقل معظمه بوقا للسياسة وللمحاور الاقليميه والمحلية ،  

من المؤكد ان ظروف انتشار او تعدد وسائل الاعلام المرئي في لبنان لم تكن عادية ، بعضها ظهر خلال الحرب ، بغياب القانون والدولة والمؤسسات ، وبعدها ظهر بعد ذلك ، وكانت على العموم جزءا من تحالف ميليشيا المال والسلاح ، ولم تكن وسائل الاعلام منذ البدء رسالة اعلامية اصلا ، بمقدار ماكانت عملية سياسية ، والى حد ما عملية علاقات عامة ...

واذا سألنا من هم مالكو الاسهم في الاعلام المرئي والمسموع لاكتشفنا انهم تقريبا الاشخاص انفسهم وهم من كبار الاثرياء في البلد ، ولا اتصور ان هاجس هؤلاء القيام بخدمة اعلامية بالمعنى التقني الدقيق للاعلام ، وهذا بالطبع ينعكس على وضع الصحافة ايضا ، علما انه بالامكان التوفيق بين الرسالة والمهنة ،ولكن السؤال هنا  كيف يمكن ان تبقى الصحافة موضوعية الى حد ما ، وهي تخوض صراعات سياسية ، وكيف يمكن الحديث عن حريات اعلامية في غياب الحريات السياسية؟. 

الاعلام اللبناني اليوم هو مع استثناءات محدودة صورة عن الوضع السياسي لبنان ، وهو وضع يعكس الى حد ما شلل الحياة السياسية في لبنان ، واتصور ان المعارك السياسية الفكرية الجدية التي كانت جزءا كبيرا من عمل الصحافة غابت تقريبا بسبب ضحالة الحياة السياسية في لبنان وعقم بعض السياسيين الجدد وصغر اهدافهم ، حيث اصبحت مشاجرة صغيرة بين مسؤولين او وزيرين او نائبين حدثا كما أن نشر مايحدث في مجلس الوزراء هو الحدث الاكبر . 

في كل كليات الصحافة في لبنان اول درس يتعمله الطلاب هو ان من وظائف الصحافة ثلاث :" الاولى ان تخبر الناس ماذا حدث بالفعل ، وخلفيات ماحدث ، والثانية ان تخبر الناس ما لم يحدث ، ولماذا لم يحدث ؟ اي التقصير في تقديم خدمات او امور ، يحتاجها اليها المواطن والوطن ، والثالثة ان تكون في منتهى القسوة لكشف الفضائح والمخالفات ومراقبة السلطة لكونها بالفعل ليست السلطة الرابعة بالمعنى الشائع ، بل سلطة الشعب ، وخصوصا حين  يتم مصادرة ارادة الشعب بالانتخابات ( بالمحادل الانتخابية ، بالقوانين الانتخابية التي وضعت على مقاسات شخصيات معينة ،  بالمال ، او بتحريك الغرائز ، الخ ) 
 فلا يبقى للشعب سوى صوت واحد هو صوت الصحافة والاعلام   .

ولعل ايضا مشكلة بعض وسائل  الاعلام اليوم هو عدم ممارسة الحريات ، لان توجهاتها هي ليست لصالح الحقيقة والمصلحة العامة بقدر ماهي لصالح الجهة التي تمتلكها وهي غالبا سياسية . وبالتالي يفتقد الاعلام القدرة على التأثير بسبب ذلك ، وبسبب ايضا الخلل بالنظام السياسي في لبنان  فمجلس النواب لايحاسب كما يجب مجلس الوزراء ، والشعب لايحاسب النواب . 

وبالتالي فان بعض  المسؤولين  لايجدون أنفسهم مضطرين للخضوع امام اية محاسبة ، مادام كشف اي فضيحة لم يعد مشكلة امام المسؤول  ، ومادام صاحب المصلحة الخاصة يستطيع ان يتحمل المسؤولية عن المصلحة العامة ،من دون اي شعور بانه من الممنوع تضارب المصالح الخاصة مع المصلحة العامة ، اضافة الى ان جزءا من الطبقة السياسية في لبنان بشكل خاص هي طبقة تملك جرأة كبيرة على ارتكاب الاخطاء والتباهي بمخالفة القوانين والانظمة وان كانت قليلة الجرأة امام السيد الذي جاء بها . 

والسؤال هنا متى يمكن ان يصبح اعلامنا مسؤولا ؟

ان المفتاح الاساس لكي يكون اعلامنا مسؤولا هو ان يكون النظام اللبناني نظاما ديمقراطيا بالمعنى الحقيقي ، وان يكون في لبنان دور مهم للاحزاب والجمعيات والجامعات ومراكز الدراسات في هذا الاطار . 

ومما لاشك فيه ان الاعلام منارة ورائدا لامجرد مرآة تعكس ماحولها ، ولكن الدور الاول كما اتصور في ظل هذا الواقع السائد هو لحيوية المجتمع في لبنان المفعم بالمواقف والافكار ، وذلك لكي يكون اعلامنا حيويا فعالا في عملية التغيير ، 

اما في مجتمع خائف او لا مبال يصبح الاعلام على صورة هذا المجتمع والحكمة التقليدية في العالم تقول ان الخوف مستشار سيء ولكن اللامبالاة مستشار أسوأ 

بعد استخدام هذا المفتاح ، يبقى ان نرتب البيت ، وهنا تأتي مشكلة الاعلان والاعلام معا ، فلا حرية لمؤسسة اعلامية ، ان لم يتم تمويلها من القاريء ومن المعلن الذي لايستطيع فرض رأيه عليها ، وبالتالي فمن المطلوب الان اقرار قانون ينظم الاعلان لضمان التمويل السليم لوسائل الاعلام ، اما بالنسبة لترتيب بيت الاعلام نفسه، فيبجب ان تعرف الصحافة كيف تنتقل من حرفة الى صنعة من دون ان تفقد مهارة الحرفة والروح الرسولية ، وهذا طبعا يعتمد على تهيئة الصحافي نفسه ليعرف خطورة مهنته ، فالقلم بيد الصحافي مثل القلم بيد الحاكم يمكن ان يشفي ويقتل ، ولا اتصور في هذا العصر انه من الممكن ان يصبح شخص ما صحافيا بالمعنى الحقيقي من دون دراسة او اطلاع يومي  .