2016/07/07

رولا أبو صالح في "غاليري كامل"إيحاءات التعبير في ملامح الوجوه الطفولية


بقلم أديب مخزوم 
رولا أبو صالح في "غاليري كامل" ..
إيحاءات التعبير في ملامح الوجوه الطفولية ..

تواصل الفنانة التشكيلية السورية رولا ابو صالح، عملها في ورشة الرسم المباشر أمام الجمهور التي تقيمها "غاليري كامل للفنون التشكيلية في دمشق" منذ عام ونيف ، ولوحاتها تلاقي القبول من شريحة واسعة من الناس ، من مختلف الأعمار والشرائح والمستويات، ولهذا لا يمكن التنكر للعلاقة المتواصلة القائمة بين الناس في المجتمع العربي، وبين الرسم الواقعي، حتى أن الهاجس الواقعي الذي تمارسه يساهم في تقريب الفن التشكيلي من الناس، أو في كسر حالة القطيعة القائمة بين الجمهور واللوحة في البلدان العربية   . 
ولقد بقيت رولا أبو صالح في إطار الرسم الواقعي ،لأنها آمنت منذ البداية بالقدرة على الرسم أو على التجسيد، تماماً كما تؤمن بالتشكيل الحديث، في خلفيات لوحاتها، حيث تنطلق من أجواء تفكيك الفضاء الواقعي، أو تذويبه في جزئيات ألوان اللوحة التجريدية. فهي لا تلغي الإشكال لتصل إلى وتيرة الالتباس بين المؤشرات المحلية ومعطيات الحداثة ، وإنما ترسم لتحقق حالات المواءمة والموازنة بين الواقع والتجريد .
وهي تجسد المشهد الطفولي، بكل ما فيه من تفاصيل وعناصر ، وكل ما تقع عليه عيناها المفتونتان برؤية جمالية حركة الاطفال . حيث تجنح وبقوة نحو إظهار تفاصيل المشهد، وكل العناصر القادمة من وضوح الرؤية في المشد الواقعي ، التي عمقت من هواجس نزعتها المثالية الأقرب إلى الواقعية القصوى أو السحرية، دون أن يعني هذا خروجاً عن إطار التواصل مع نقاط ارتكاز أساسية تحقيق الناحية الأسلوبية، ولا تبقى في حدود الصياغة الواقعية العادية. 
وهي تصل الى حقائق الأشكال في ظلالها وألوانها وشاعريتها واضوائها ، وتركز لإظهار مشاهد الطفولة، بإيقاع متوازن وساكن، يعتمد على الدقة في التأليف والدراية في التنفيذ، ويتميز أسلوبها بنفحة شاعرية ورومانسية . ورغم كل الاهتمام بالصوغ الشكلي واللوني المنظم، والخاضع في أكثر الأحيان للمنطق الواقعي، ونستطيع أن نلمس في خلفيات لوحاتها ( قياسات كبيرة ومتوسطة – زيت واكريليك على قماش) لمسات وبنى تشكيلية، تحقق حالات وجماليات التجريد اللوني الغنائي  .
وإذا نظرنا إلى طريقة معالجة الأطفال، نجدها تتجه في أحيان كثيرة لإطلاق الخيال، رغم اتجاهها في المقطع الواحد من اللوحة للوصول إلى نمنمة تفصيلية واعية وهادئة. وهكذا نستشف قدراتها التقنية والتأليفية ، حين تطرح أمام أعيننا، جمالية الأسلوب الواقعي ، الذي يعطي مشاهدها بعداً خيالياً أحياناً، في معالجتها لمشهد الأطفال، حيث تجعلهم منفلتين من نقاط الثبات ، ويظهرون في أحيان كثيرة، وكأنهم في الفراغ . الشيء الذي يضفي نفحة من الخيالية ، متبعة تجليات الحركة الواقعية والتجريدية في آن واحد.
هكذا يمكننا الاقتراب من عوالم لوحات رولا ، وتفهم معاني ( الواقعية السحرية) المقروءة في تعابير الوجوه الطفولية الواجمة، وفي ألوان عناصر المشهد ، ولوحاتها تتناسب مع طروحات أو نداءات العودة، إلى الرسم الواقعي ، عبر إضفاء بعض اللمسات العفوية في الخلفيات، بمعنى أنها ترسم أحياناً بدقة تفصيلة، وتضفي في أحيان أخرى، المزيد من العفوية على خلفية اللوحة. حيث تطل مواضيع الطفولة في لوحاتها، كرمز لحلم مستعاد أو ليقظة رومانسية، لأنها المدخل لتسجيل سياق النغم التصويري المنضبط بأصول وقواعد ومعادلات جمالية.
وهي تتجه إلى المباشرة في تقديم المشهد الواقعي ، وتذهب أحياناً أخرى إلى بعض الاتجاهات الخيالية، مروراً بمحاولتها إضفاء بعض اللمسات الرومانسية على أجواء بعض لوحاتها . ولوحاتها تشير إلى تصميم صاحبتها على التواصل مع رغبتها في أن تبوح بهواجسها ، بصدق وأمانة ، زاهدة بكل شيء ، وبذلك تريد أن تقول لنا أن الفن هو ضرورة حياتية، وليس مظهراً من مظاهر الترف الثقافي او الحضاري ، وهذا دليل واضح على أن رولا فنانة تمتلك حساسية بصرية وروحية قبل أي شيء آخر .
وتشدنا اللوحة ليس بموضوعها الطفولي ،الذي يحقق عناصر الواقعية السحرية فحسب، وإنما بمعالجتها التقنية الحديثة، التي تحقق منتهى عملية العفوية في الخلفيات التجريدية، والمصاغة بحرية واثقة، مجسدة في بعض الأحيان بسكين الرسم الحادة ، وبالتالي فهذه الحركات السريعة، تبدو غنية بتعبيرها ومكثفة بالأحساسيس الصادقة وإيحاءات الغنائية اللونية . 
وحين تعالج الوجوه والأطراف والثياب، فهي تقنعنا أن الدقة في معاينة المظهر الخارجي، هي من ضمن السبل الهادفة إلى كشف التعابير الإنسانية، في قسمات الوجوه والعناصر المختلفة .
هكذا نقع في لوحاتها على أسرار ومكامن الجمال الطفولي، حين تحرك الجسد وتختبره وتبدل في وضعياته وإضاءاته وحركاته، وطرق معالجته من منطلق الحفاظ على الخط الأسلوبي، وكل ما تستلزمه اللوحة الواقعية من توازنات في التأليف والتلوين معاً، وهي في تنقلاتها من لوحة إلى أخرى ، تتجنب أسلوب القفز أو الانقلابات المفاجئة، إن لجهة معالجة اللون أو لجهة صياغة الخطوط، فاللون في عناصرها الواقعية، متدرج بانسجام، رغم المظاهر البصرية الجامعة بين الدقة والعفوية، وبين الوعي والانفعال . 
وتجاربها السابقة التي كرست لها مزيداً من الوقت والصبر والجلد الطويل، تشكل الدافع الأول لإيجاد الركائز البديلة في انطلاقتها الجديدة،والوصول الى لوحة فنية لها علاقة متينة مع المناخ الذاتي والحداثة التشكيلية، وتحقيق مواصفات العمل الفني، المميز بحيويته وحركته التعبيرية الحديثة والمعاصرة. ففن البورتريه لا يتجدد إلا عبر الممارسة المستمرة، ومن خلال البحث عن صياغة جديدة، والاتجاه دائماً نحو المزيد من الاستقلالية والاسلوبية واضفاء الحرية والابتكار والرؤى المستقبلية.
------------------------ أديب مخزوم