2017/07/03

ربيع مينا : هل التاريخ يعيد نفسه، م نحن نعيد التاريخ ؟

هل التاريخ يعيد نفسه، أم نحن نعيد التاريخ؟ بقلم ربيع مينا
======================
غرباء في الوطن
كان وما زال الوطن العربي يعاني من حروب وأزمات في السابق، لكنها حروب وغزوات أجنبية أو أنها استعمارات كالاستعمار الفرنسي أو البريطاني، وكان اتحاد الوطن العربي في تلك الحقبة المسيطر الوحيد على تلك الأزمات، فالوحدة التي لحمت أجزاء الوطن العربي مكّنته في ذلك الوقت من التصدي لتلك الهجمات والغزوات، وتكلّلت تصدياته بالنجاح والنصر، وبالهدوء والسلام، وبتلك الوحدة انتصر وطننا العربي من مشرقه إلى مغربه.
أما اليوم، فأين هو مصير وطننا العربي؟ هل "وحدة الأمة العربية" مجرد فكرة وهدف، أم ماضٍ ولى ورحل، أم كلام لا أساس له من الصحة؟ أين مصير العالم العربي الذي عُرفَ بتطوره السريع منذ القدم؟ ماذا حل به الآن؟ باتت الحروب والأزمات الداخلية تنهش أرجاءه، والصراعات الداخلية تمزقه، والحروب الأهلية تتغلغل في قلوب أفئدة أبنائه، حيث أصبح العالم العربي وكأنه مشوّه ومشلول الحركة، وكأنه ساحة مفتوحة للنزاعات والتمزقات فيما بينه وكأن كل شيء أصبح فيه مستباحاً، كل ما فيه متاح للدمار من حياة بشرية وثروات طبيعية. 
إن الحدود الجغرافية هي صُنع الله وهي الوحيدة التي كانت تفصل بين الدول العربية، أما الآن فلم يتم الإكتفاء بتلك الحدود، بل باتت الحدود الصناعية المصنوعة من الحديد والإسمنت القاسي المرتفع والسلاسل الحديدية، التي قد تكون مفخخة وكأنها تحمي حدودها من عدو خارجي، وأصبحت عازلاً جديداً يمزق العالم العربي، ولم تعد الهوية العربية الكفيلة بدخول حاملها إلى الأراضي العربية، بل ما نشهده اليوم هو حدود تم نشرها، وإقامات تم فرضها، وتأشيرات تم وضعها، وأوراق ثبوتية كثيرة، وموافقات أمنية عديدة، والعديد من الإجراءات، كل ذلك من أجل الحصول على حق التجول بين الدول العربية.
فهل الهوية العربية كانت أمراً فيه فخرٌ كبير؟ والآن حامل الهوية العربية غريب في عالمه العربي الافتراضي؟
ذلك الحلم الذي رافقنا منذ صغرنا، بأن نحمل هويتنا العربية بفخر واعتزاز وقوة، ونجول بها في أقطار بلداننا العربية، أن نستقل عرباتنا في أي وقت ومن أي مكان ونجول بها في عالمنا العربي بكل أريحية وأمان، ولكن لم نتوقع أن يكون هنالك إجراءات مشددة، وقيود تربطنا، وحجوزات مسبقة تسجننا، كنا نحلم برحلة تحمل المتعة والسهولة والبساطة، فقط لكوننا عرباً نحمل الهوية العربية، وهو حق بالدرجة الأولى، لكن كل ذلك عبارة عن حلم حلمنا به، حلم لربما غير قابل للتحقيق، حلم شبه مستحيل.
أما ما نراه اليوم، هو انهماك شعوب الوطن العربي بالنزاعات، حيث أصبحت شعوبنا العربية مشغولة بتلك الصراعات، وباتت شعوبنا بعيدة كل البعد عن الحضارة التي كانت في سابق عهدها تستمد تطورها من البلاد العربية.
أبعدوا شعبنا العربي عن الحضارة وعن التطور والثقافة، أغرقوه بنزاعات ممزقة لأرجائه، أرهقوه بهمومٍ مشتتة لأفكاره، حتى أصبح العالم العربي كمنطقة سوداء، كمنطقة يجوبها الإنقسام والتشتت، التوتر والحروب، وكأنه وباءٌ حلَّ عليه لينهيه كاملاً ويمحيه من على خريطة العالم.
أما الإنقسام الذي بات ظاهراً ليس بين الحدود العربية فقط بل بين أبنائه أيضاً، الإنقسام الذي يعاني منه وطننا العربي والذي أدى إلى أشد أنواع التمزيق لأرجاء الوطن العربي ليصبح أشلاء عاجزة عن الحركة متقطعة الأوصال لبعدها عن بعضها، فالإتحاد قوة والتفرقة ضعف، وهذا ما أدى إلى ضعف وتمزق وتقسيم وطننا العربي. فكل ما كان مخطط من قبل الخارج بات يظهر جلياً تنفيذه على وطننا العربي، فلو لم يكن حال الأمة العربية بهذا المستوى من الإنقسام والوهن، لما كان أصلاً من الممكن استباحة بلاد العرب من جميع جهاتها. فاليوم أصبحنا نرثي وطننا العربي، أصبحنا ننعيه كأنه جسد بلا روح. 
ويبقى الأمل يرافقنا ويلازمنا، بأن تصحو أرجاء وطننا العربي يوماً ما، فلا بد لها أن تتوحد، لا بد لها أن تنتفض وتلتحم مرة أخرى لتصبح يداً واحدة ضد الظلم والإنقسام، ويعود وطننا عربياً واحداً موحداً وتعود المقولة التي نرددها عبثاً اليوم، مقولة الغد حاملة جميع معانيها قلباً وقالباً، وتعود "بلاد العرب أوطاني من الشامِ لبغداد".
( بناء الإنسان )