2018/10/02

الأحزاب / قضايا الناس/ و الدور المفقود ; بقلم ربيع مينا جريدة «بناء الإنسان» ---


"الأحزاب / قضايا الناس/ و الدور المفقود"
بقلم ربيع مينا جريدة «بناء الإنسان»
----------------------------------------



لطالما كانت الأحزاب و القوى الساسية ، الركيزة الأساسية في حركة الشعوب وثوراتها وأدوات التغيير نحو الأفضل،               وكانت تعيش عصراً ذهبياً بإمتياز، هذا ما تتناقله الأخبار والأحاديث لأجيال ما بعد هذه المحطة المفصلية والهامة، وهذا ما تزال تحتفظ به ذاكرة من عايشوا تلك المرحلة.
فقد كانت تلك الأحزاب و القوى و التيارات السياسية تحمل قضايا وهموم الناس الوطنية والعربية والإنسانية ومطالبهم وحقوقهم الإجتماعية والمعيشية. في ذلك الزمان كانت أبسط القضايا تُحرّك الشارع وتهزّ أركان الدولة فارضة عليها تحقيق ما يطالب به الناس.
لقد خاضت، على سبيل المثال، و بالتعاون مع الاتحاد العمالي العام واتحاد الطلبة ونقابات المهن الحرة جولاتٍ وصولاتٍ كثيرة وقدمت تضحيات جسام من الأرواح والأملاك والحريات، وكان الشارع يلتفّ حولها بكل ما أوتي من قوة، قوة الإيمان بالحق والعدالة.
أما مرحلة الآن، تشهد غيابا" كاملاً لأي برنامج يحمل هموم الناس و قضياهم بفضل تحول معظم تلك الأحزاب إلى سلطة تمارس دور النظام الجشع و الفوقي متلذذه بشهوة النفوذ مشغولة ببرامج التحاصص و تقاسم قالب الحلوى الكل مع الكل، وتحوّلها إلى مجرد رموز ويافطات في أحسن الأحوال، هذه الأحزاب التي كانت في الماضي البعيد تقود حركة الشارع وتخوض المواجهات السياسية والمطلبية في وجه السلطة، إلا أنها صارت إما جزءاً من السلطة أو إضمحلّت إلى درجة الذوبان، ومن ما يزال قائماً منها لا يحمل أفكاراً متطورة تحاكي الواقع الشبابي بالتحديد لأن أفكاره تحاكي العصور الحجرية والعقول الخشبية و كذلك تمارس هيمنتها على النقابات والإتحادات، وبالتالي تعمل على إفراغها من محتواها ونزع الصفة الشعبية عنها، فأمعنوا في شرذمتها وتشتيت قواها وإلحاقها بالزعيم والمسؤول،
بالرغم من الأوضاع المعيشية الصعبة جداً لم نعد نرى تظاهرة أو اعتصاماً أو مهرجاناً حاشدا من أجل لقمة العيش وحبة الدواء والمقعد الدراسي، بينما تغصّ الشوارع والساحات تلبيةً لنداء هذا الحزب أو ذاك الزعيم أو لدوافع طائفية ومذهبية.
والأفواه، بالرغم من حجمها الكبير والمتزايد، لا تصرخ من أجل حقوقها بل تصرخ لإرضاء أسيادها وكأن الجوع لم يعد كافراً.
ولكن المشكلة الثانية أيضا"  تكمن في فقدان المواطَنة والشعور بالإنتماء إلى الوطن والحرص عليه، بل الإنتماء هو للطائفة، المذهب، الحزب، التيار، الزعيم، الحي، الزاروب،و المسؤول السياسي والتسبيح بحمده والدعاء له بطول العمر وإفتدائه بالروح والدم والعيال!
فلو كان الناس ينتمون حقاً للبنان التاريخ والجغرافيا والإنسان والحضارة، لما تمكنت عصبة من السياسيين الممسكين بزمام البلد أن تضعه دائماً على شفير الهاوية، وأن تبقيه في حال إنتظار دائمة لما سيحدث غداً وبعده، فالطبقة السياسية المتحكمة بالوطن هي صنيعة الناس، ولولا أصواتهم الإنتخابية لما وصلوا أو لما أعيد إنتخاب من فشل أو أثبت أنه يرجح مصالحه الخاصة على المصلحة العامة. 
لبنان منذ سنوات على شفير الهاوية حقاً إن لم يكن قد بدأ ينزلق فيها، ويعيش الناس في أسوأ ظروف وأوضاع إقتصادية وإجتماعية وإنسانية، يغرقون في أتون الفقر والجوع والذل، يعانون من البطالة ومن غياب الرعاية الصحية والإجتماعية والإنسانية، يموتون عند أعتاب المستشفيات أو يموتون قهراً وإختناقاً مما هم وعيالهم فيه.
وبالرغم من ذلك، سلطة تماطل تسوف، وتجعل المواطن في حالة قلق وإضطراب وتوتر دائم.
إزاء ما نحن عليه اليوم من أزمات اجتماعية ومعيشية وإنسانية، ولأن الناس بحاجة إلى من يقودهم ويسير بهم في الاتجاه الصحيح، فلا بدّ من دعوة تلك القوى و الأحزاب الوطنية و التقدمية و الإسلامية و اليسارية ، إلى ضرورة العودة للأصالة، وأن تعود لموقعها الطبيعي و أخذ دورها الحيوي في المطالبة بحقوق الناس والدفاع عنهم، والتخلي عن الإرتهان للسلطة و النفوذ و الكرسي و الحصة، لصالح الدفاع عن حقوق الناس ومصالحهم وحقوقهم الإنسانية والاجتماعية والصحية والتعليمية.
كلنا أمل باستعادة أمجاد العصر الذهبي .
إنها دعوة صادقة تنبع من القلب  هدفها بناء الإنسان وفق منظومة راقية تعيد الإعتبار للإنسان كرامته في وطنه و الذي فضّله الله تعالى عن باقي المخلوقات وجعله خليفة له على الأرض كي يعمرها ويقيم فيها العدل والمساواة.