2018/10/02

ربيع مينا : طرابلس بحاجة إلى تحديد وظيفتها !!!! " بناء الإنسان »


طرابلس بحاجة إلى تحديد وظيفتها !!!!
✍🏻 ربيع مينا 🗞 «بناء الإنسان »
______________________



تطلق على مدينة طرابلس تسميات عديدة: الفيحاء، مدينة السّلام، عاصمة الشمال، العاصمة الثانية للبنان، لكن الاسم الأخير يخالف الواقع من حيث الوظيفة والدور والهويّة، فالكثير من دول العالم فيها عاصمتان، واحدة سياسيّة، وأخرى إقتصاديّة، فإذا كانت بيروت هي العاصمة السياسيّة فلماذا لا تكون طرابلس العاصمة الاقتصاديّة، خاصةً أنها تتمتع بكلّ المواصفات وتحتضن الكثير من المرافق العامة لتكون كذلك؟يبدو من خلال كل الحقائق والمعطيات أنّ طرابلس، منذ الاستقلال وحتى اليوم، لم يرد لها أن تكون عاصمةً اقتصاديةً للبنان، وجُلّ ما في الأمر إطلاق تسمية العاصمة الثانية عليها مجرد وهم وكذبة كبيرة، فهذه المدينة العريقة بتاريخها الذي يعود إلى عدة قرون خلت كانت في الماضي بوابة لبنان إلى العالم، وقد مرّت عليها حضارات عديدة تركت بصماتها وآثارها خالدة فيها وما زالت الشواهد على ذلك كثيرة بالرغم من الإهمال والتشويه والتخريب والهدم وإستباحة العابثين لآثارها وتراثها، وبذلك تحولت طرابلس من مدينة عريقة إلى مجرد مدينة بلا وظيفة، بلا دور، مدينة تؤكد الدراسات والإحصاءات المحليّة والدوليّة أنها الأكثر فقراً، والأكثر أميّة، وفيها أعلى نسبة من البطالة والتسرب المدرسي، بينما كانت في سالف العصور مدينة العلم والعلماء، مدينة التجارة والتصدير إلى مختلف دول العالم، المدينة المملوكيّة الثانية على حوض المتوسط... ولكن!وغالب ما يطرح الخبراء في أوضاع المدن والأرياف تساؤلات حول وظيفة طرابلس، وإذا ما كانت تتمتع بمواصفات المدينة، أم أنها عبارة عن مجموعات ريفيّة استوطنتها بعد أن هجرها معظم أهلها في إطار معادلةٍ عكسيّةٍ مخالفةٍ للأصول والقواعد المعتادة في العلاقة ما بين المدينة والريف.ونسأل: هل طرابلس مدينة إقتصاديّة، تجاريّة، ثقافيّة، سياحيّة، خدماتيّة... فإذا قلنا أنها تصلح لأن تكون مدينة أو عاصمة اقتصادية- تجاريّة للبنان فإن فيها مرافق عديدة تؤهلها لهذا الدور، إذ تحتضن معرض رشيد كرامي الدوليّ الذي أنشئ منذ عشرات السنين ليكون المعرض الحصريّ الوحيد في لبنان ذات مواصفات دوليّة وعالميّة، لكن وبكل أسف، لم يتمّ تشغيله بتاتاً وتحول من تحفة معماريّة تحمل بصمات المهندس المعماري العالمي أوسكار نيماير إلى مجرد منشآت متهالكة مهجورة، بالرغم من أن هذا المعرض يتربع على مساحة مليون متر مربع ويقع في نقطة استراتيجية هامة، لكن كلّ المشاريع التي طرحت في الماضي لإحياء الدور المفترض له جرى إفشالها وتطييرها من مشروع السيدر لاند إلى معرض المنتجات الصينيّة...وفي طرابلس أيضاً مرفأ يتمتع بالمواصفات العالميّة لجهة المساحة وعمق الأحواض وطول الأرصفة والتسهيلات، ولجهة الموقع الجغرافي على مسافة قريبة من سوريا وتركيا وقبرص وأوروبا، لكنّ هناك من "يحارب" تطور المرفأ ويسعى لحصر الحركة التجارية (استيراد وتصدير وترانزيت) بمرفأ بيروت.وفي المدينة أيضاً المنطقة الاقتصادية الخاصة، إلا أنّ إقامة هذه المنطقة في عاصمة الشمال فتح شهيّة الاّخرين لإقامة مناطق مشابهة في العديد من المناطق اللبنانيّة، وكلّ ذلك نكاية بطرابلس وفي إطار محاربتها كي لا تنتعش وتبقى غارقة بالفقر والحرمان والبطالة ووو...وفي طرابلس أيضاً مصفاة النفط المهجورة (صارت خردة) التي إذا أعيد تجهيزها ستلعب دوراً حيوياً في إطار استخراج الثروة النفطية والغازية من بحر لبنان... ولكن يراد لهذه المصفاة أن تبقى مجرد محطة لاستيراد المازوت الأحمر لا غير.أمّا إذا افترضنا أنّ طرابلس تصلح لأن تكون مدينة سياحية- ثقافيّة، فإنها تحتضن كل المقومات لتقوم بهذه الوظيفة، من آثار ومبانٍ تراثيّة تشّكل متحفاً قائماً بذاته ولا يحتاج إلا للعناية والتنظيم، وكذلك هي مدينة الثقافة الدينيّة والإنسانيّة ذات المواصفات العالميّة إذا أعيد إحياء تراثها الثقافيّ العامر.ولكن، بكلّ أسف، آثارها إمّا دمّرت أو تتعرض للتخريب والتشويه، وتراثها العمراني وحتى الثقافيّ مهمل ومتروك دون أدنى اهتمام من الجهات الرسميّة والأهليّة.وإذا كانت طرابلس تصلح لتكون مدينة خدمات فإنّ المركزيّة الإداريّة تحول دون ذلك، كما أنّ المشاريع التي يبدأ العمل بها لا نهاية لها، كما في مشروع الإرث الثقافيّ، ومشروع محطة التسفير، ومشروع سكة الحديد...
  كذلك نسأل من يقف عائقا" أمام مبادرة رئيس غرفة التجارة و الصناعة و الزراعة في لبنان الشمالي الأستاذ توفيق دبوسي  «طرابلس عاصمة لبنان الإقتصادية».
ولاّ شك أنّ المسؤوليّة لا تقع على عاتق الدولة اللبنانية وحدها، بل تقع بالدرجة الأولى على القيادات السياسية، من رؤساء حكومات ووزراء ونواب وأحزاب وتيارات سياسيّة، وعلى المجتمع المدني والأهليّ، وعلى المجالس البلديّة المتعاقبة، فطرابلس يمكن أن تكون أفضل بكثير من مدنٍ لبنانيّةٍ أخرى نظراً لما تحتضنه من مقومات.في مطلق الأحوال هناك حاجة ماسة لتحديد وظيفة طرابلس وتوفير كل مقومات نجاحها، وندعو كافة الجهات المعنيّة والحريصة والغيورة على المدينة إلى إطلاق ورش عمل ودراسات لتحديد وظيفة العاصمة الثانية ومن بعدها وضع القطار على السّكة الصحيحة وإلا فإنّ المدينة سوف تفقد هويتها مستقبلاً وتصبح مجرد كانتونات عشوائية.