2020/11/15

بقلم الأديبة والمفكرة الجزائرية سلمى النّعيمي : في ذاكرة فنان المقاربة الأسلوبية في الشعر المغاربي الشاعر الملوك معتمد بن عباد أنموذج

 

تسعمائة عام على وفاة المعتمد بن عباد شاعر الملوك وملك الشعراء، يقول في قصيدته العمودية تحت عنوان "أَلَكُم إِلى الصبّ"

أَلَكُم إِلى الصبّ الشَجيّ مَعادُ

فَتَفُكَّ عَنهُ لِلأسى أَصفادُ

رَحَلَ اِصطِباري إِذ رَحَلتُم قائِلاً

أوبُ الأَحِبَّة بَينَنا الميعادُ

يا مَن ثَكِلتُ دُنوَّهُم وَوِصالَهُم

فَبَدا عَليَّ مِنَ الشُجوب حِدادُ

كَم بِتُّ مِنكُم بَينَ غُصنَي بانَةٍ

كالسَيف تَضغَطُ مَتنَهُ الأَغمادُ

-قصيدة عمودية تنتمي إلى بحر الكامل ؛في مدينة مراكش المغربية تجّمع  عشرات الأدباء والمثقفين والمفكرين والشعراء العرب إضافة إلى عدد من المستشرقين والكتاب والمهتمين بالتراث العربي والأندلسي من الأجانب ،وذلك للمشاركة في التظاهرة الثقافية والفنية التي دعا  إليها ورعاها عاهل"ملك"المغرب الملك حسن الثاني وعاهل "ملك"إسبانيا الملك خوان كارلوس،ونظمتها وزارة الشؤون الثقافية في المغرب بالتعاون مع الشرق الأوسط  الدولية تخليدا  لمرور الذكرى المئوية  التاسعة على رحيل الملك الاندلسي الأمير "المعتمد بن عباد"،له العديد من الإجتيازات كابن بطوطة إذ عبر الفرات الواسع سباحة واجتاز الصحراء إلى فلسطين ومنها إلى مصر وإفريقية حتى وصل إلى مراكش في آخر الأمر ومنها البحر إلى الأندلس،وكانت تلك البلاد مازالت على إخلاصها للأمويين؛فدعوا عبد الرحمان وعينوه أميرا على قرطبة بعد أن هزم قائد جيش الخلفاء العباسيين في تملك حقها على الأراضي التي منحها سيد بنوا أمية لحاكم ألعباسيين فالقصيدة في أبياتها  الأربع أنكم ما تزالون في اللهو مترفين ألن تكفوا عن هذا الهوس ،وتقذفون بالأسى إلى الوراء وتفكون القيود عن شبابنا الضائع في حموة حروبكم...ثم يكلمهم بلهجة التهديد والوعيد بأن صبره نفذ وما بقي له سوى الأسى يداعب ذكرياته،ثم يعاتبهم بأنه ابن له فكيف تتخلون عني وتدعوني أهاجركم....

-الأبيات السابقة ملخص لما حدث له توسعت فيها في سرد قصصي لما حدث،لأن الاندلس أرض حرب يقل الأمان فيها،وكثرت المؤامرات والانشقاقات  ووصلت الأمور إلى حال لا يرجى منها شفاء،لذا غالب الشعراء والعلماء فروا  من جوهرة العالم، إلى بلاد طليطلة وغرناطة وإشبيلية واقتسم بلاد  الأندلس الإسلامية  ثلاث  وعشرون من ملوك الطوائف شغلتهم الدسائس والمنازعات  فيما بينهم  عن إغارة إسبانيا  على الإمارات الإسلامية واستيلائها عليها واحدة تلوى الأخرى.

 

02/ثم يأتي في قصيدة أخرى له:

أَباحَ لِطَيفي طَيفُها في الكَرى الخَدّ

فَعَضَّ بِهِ تُفاحَةً وَاِجتَنى وَردا

وَألمَتني ثَغراً شَمَمتُ نَسيــــــــــمهُ

فَخُيِّلَ لي أَنّي شَمَمتُ بِهِ نَدّا

وَلَو قَدَرَت زارَت عَلى حال يَقظَةٍ

وَلَكِن حِجابُ البَينِ ما بَينَنا مُدّا

أَما وَجَدَت عَنّا الشؤونُ مُعَرَّجا

وَلا وَجَدَت مِنّا خُطوبُ النَوى بُدّا

سَقى اللَهُ صَوبَ القَطر أَمَّ عُبَيدَةٍ

كَما قَد سَقَت قَلبي عَلى حَرِّه بَردا

هيَ الظَبيُ جيداً وَالغَزالَةُ مُقلَةً

وَرَوضُ الرُبى فَوحا وَغُصن الَّتي قَدّا

-هذه قصيدة أخرى للأمير عباد من البحر الطويل؛هي مأساة الملك العاشق؛هل أتاك حديث أغمات"قرية مغربية قريبة من مراكش"؟

-هل فكر المعتمد بما أخذ العلماء والمتدينون المتزمتون في عصره يرون؟

 

-لعلك ما سمعت عن هذه البلدة المغلغة كالبازي الهرم في أدغال جبال الأطلس بأقصى ندوب المغرب الشقيق؛ولم يكن الشعر الوحيد الذي خلّد مأساة الشاعر ملك الشعراء وفحل اللّغة العربية الذي تقاعس النقاد في وضع قراءة في ذاكرته كمبدع خلد اسمه  باتساع مأساة التعاون مع القوافي على إبقاء النكبة حية ؛سيناريو المأساة  كل زوار قبره يتذكرونها....

-الكلمات المفتاحية:الشعر مغربي إنساني،ظواهره الأسلوبية وواقعه الخبري جعلاني أرى الحياة بعيون الأمير عباد الذي وصف بعدله وتحرره من كل أشكال العبودية؛ومع هذا أحسب أن المقاربة الأسلوبية البنيوية كفيلة بالكشف عن ملامح ،وأبعاد الخطاب الشعري الذي يذكرني بإلياذة الجزائر للراحل مفدي زكريا ملك الشعراء المغاربة الذّي لا يؤمن بالحدود الجغرافية بين الدول في العالم.قصيدته حملت لنا صورا إيحائية؛وقصائده المتسمة بروح الإنسانية والعقل والفكر العميق...

-الأمير عباد تحدث عن أبناء ماء السماء،وأميرة يقظته وأحلامه"اعتماد الرميكية"...وجاريته التي ترقد بجانبه والتي كتب لها شطرا من بيت في حقها يقول:

-نسج الرّيح على الماء زرد...ويعني به سرعة الإتيان بالشيء،فماكان له رد من نظرائهم في الشعر كابن حمديس الصقلي،وابن زيدون،ابن عمار،ابن اللبانة....غير الجارية ردت عليه بشطر لتكمل بيته قائلة:

-يا له درعا منيعًا لو جَمُد...؛فنظر غليها ونظرت إليه وبدأت قصة الحب التي عاشت الملك والعز في إشبيلية،وعاشت الذل والإملاق والأسى في أغمات بعد ذلك...

-يالها من سنون طويلة،ولا تزال اليوم تروي مشكلة عمدة الشعر المعتمد ولكنّه قبل ذلك فنان مشطر بين إنسانيته وبين سياسة الأتباع...