2021/01/20

يقلم مدير الشبكة العربية في مصر الدكتور ايهاب الديب : (التحرش الجنسي بالاطفال )

 



******************************************

يحكي شخص بالغ من العمر 25 عاماً ما يلي: “كنت صغيراً في العمر، 8 أو 9 سنوات، لا أتذكر الكثير في الحقيقة، لكنه كان صديق والدي ويسكن بالقرب من منزلنا، اعتدنا زيارتهم من الحين للآخر، ولكن في بعض الأحيان كنت أذهب بمفردي لإبلاغه رسالة أو إحضار غرض ما لوالدي، وفي المرات التي أكون فيها بمفردي كان يحدث الأمر. كان يغويني بالكثير من الحلوى ويقوم بلمسي أو يجعلني أقوم ببعض الأفعال التي عرفت فيما بعد أنها “جنسية”، واستمر هذا الأمر لبعض الوقت، كنت دائماً أتجنب أي تجمعات يكون موجوداً بها، وبدأت في الإنعزال والشعور بالوحدة، ولم أستطع إخبار أبي أو أمي من شدة حرجي وظناً منى أنهم سيعتقدون أنني أكذب. أنا بخير الآن ولدي أصدقاء ووظيفة، ولكن من حين لآخر أتذكر الأمر وأشعر بالضعف، وأتمنى لو أنني استطعت إخبار أبي وأمي بهذا الأمر حينها” المحتوى هذه قصة من ضمن قصص عديدة لم يستطع أصحابها تخطيها حتى الآن أو مشاركتها مع المقربين منهم وإخبارهم أنهم تعرضوا للتحرش الجنسي في طفولتهم.

*  التحرش الجنسي هو قضية هامة للغاية يجب أن يهتم بها جميع الآباء، ولا أحد ينكر أن تربية الأطفال تحتاج للكثير من الجهد والمشاركة، ولكن جزء كبير من آمان أطفالنا يجب أن يأتي من داخل المنزل، لذلك سنتحدث من القلب معكم عن قضية من أهم القضايا التربوية التي يمكن أن تواجههكم، وسنزودكم بكل المعلومات والتوجيهات التي تحتاجونها للتعامل مع تلك القضية أو لتجنب حدوثها من الأسااس .


_  تعريف مفصل للتحرش الجنسي بالأطفال التحرش الجنسي بالأطفال هو إجبار الطفل على المشاركة في أي نشاط أو فعل جنسي مع شخص بالغ أو أكبر منه في العمر. ولا يقتصر التحرش الجنسي على لمس الطفل فقط، ولكن توجد صور أخرى يتم تصنيفها كتحرش لابد من معرفتها، وقد تشمل تلك الصور ما يلي: إظهار الشخص البالغ أعضاؤه الجنسية أمام طفل. لمس الشخص البالغ للطفل بطريقة تحمل أي إيحاءات جنسية (سواء وهو بملابسه أو من غيرها) الاستمناء أمام الطفل أو إجبار الطفل على الاستمناء. مشاركة أي مواد إباحية مع الطفل أو إجبار الطفل على المشاركة في صنع مواد إباحية. ووفقاً للإحصائيات الرسمية لوزراة العدل الأمريكية ولمنظمة الـ UNICEF فإن 67% من ضحايا الاعتداء الجنسي “الذي تم الإبلاع عنهم” هم من الأطفال أقل من 18 عاماً، وحوالي 34% أقل من 12 عاماً، وواحد من كل سبعة من الضحايا يكون عمره أقل من 6 سنوات. ويمكن أن يحدث التحرش بالأطفال في أماكن معروفة للطفل كالمنزل أو مكان قريب منه، كما يمكن أن يحدث في مكان مفتوح مثل مراكز التسوق أو حتى أثناء استخدام المواصلات أو يحدث في أماكن مغلقة مثل النوادي أو المدرسة. صبي أو فتاة .. 

_  التحرش لا يعترف بالنوع : 

 تقوم العديد من المجتمعات العربية على أسطورة أن الرجال أو الصبيان “لا يمكن” أن يكونوا ضحايا، فمبدأ الرجولة يمنع حدوث هذا، فالعادات والتقاليد تنص على أن الصبيان يتم تربيتهم منذ الصغر ليصبحوا قادرين على الدفاع عن أنفسهم، وسواء كنت شخص تؤمن بهذا المبدأ أم لا، يجب علينا التنويه أن الصبيان في عمر الطفولة لا فرق بينهم وبين الإناث، فكليهما مجرد “أطفال” واحتمالات تعرض الأولاد الذكور للتحرش مساوية لاحتمالات تعرض الفتيات للتحرش.

  إذا من هو المتحرش بالأطفال؟ تعتمد جريمة التحرش والشخص الذي يقوم بالتحرش في المقام الأول على اكتساب ثقة الطفل، فالمتحرش الجنسي بالأطفال ليس فقط  كما تخبرنا الحكايات، بأنه شخص عجوز أو ضخم ومخيف أو حتى شخص غريب، حيث أثبتت الإحصائيات أن أغلب حوادث التحرش تتم من قبل شخص يعرفه الطفل (محل ثقة وله سلطة على الطفل) وعادة يكون شخص مقرب أو أحد الجيران أو المدرب أو جليسة الأطفال، أو حتى شخص من العائلة (كل 9 من 10 أطفال يعرفون الشخص المعتدي عليهم). ويجب الانتباه لأي شخص يعطي الطفل اهتمام زائد مثل تقديم هدايا أو حلوى أو أي شخص يحاول قضاء بعض الوقت بمفرده مع طفلك. وهنا يجب الإجابة عن أول سؤال قد يخطر في بالك بعد قراءة السابق: كيف أوازن بين رغبتي في حماية طفلي وإخافته من جميع من حوله؟ حسناً، تذكري التالي أن المطلوب هنا ليس إخافة الطفل من أي شخص يتصرف بلطف تجاه طفلك أو أن العالم الخارجي مكان مخيف، لكن الهدف هو حمايته من أي ضرر، والمفتاح لحدوث هذا هو بناء علاقة بينك وبين طفلك مليئة بالثقة والمساحة للتحدث عن أي أمر يحدث معه. كيف أعرف أن طفلي تعرض للتحرش الجنسي؟ نتيجة لعدم تحدث جزء كبير من الآباء في تلك المواضيع الحساسة مع الأطفال، فإن الأطفال عادة لا يتحدثون عن أي إساءة جسدية تعرضوا لها نتيجة خوفهم واعتقادهم أن ما حدث هو “غلطتهم” أو تم إقناعهم من قبل الشخص المتحرش أن ما يحدث هو أمر طبيعي أو يجب أن يكون “سر”، ويمكن أيضاً أن يقوم المتحرش بتهديد أو إخافة الطفل أو إقناعهم أنه والديه لن يصدقوه إذا أخبرهم.

 وأغلب الضحايا من الأطفال قد لا يظهر عليهم أي دلائل جسدية تُشير لحدوث تحرش نتيجة سرعة الجسم في الشفاء، وخاصة إذا كان عمرهم صغير، ولكن بعد دراسة مجموعة من الحالات تم وضع بعض الدلائل التي يجب الانتباه لها: علامات جسدية: انتبهي بشدة للعلامات التالية: وجود إفرازات غير معتادة من القضيب عند الأولاد أو من المهبل عند الفتيات. الشكوى من وجود ألم في منطقة الأعضاء التناسلية. وجود كدمات على الجسم أو جروح أو أي آثار لا يمكن تفسيرها أو ليس لها سبب واضح. التبول اللإرادي أو مواجهة صعوبة في التبول. علامات سلوكية: يمكن أن تساعد العلامات السلوكية بنسبة أكبر مقارنة بالعلامات الجسدية في تحديد هل الطفل تعرض للتحرش أم لا، لذلك يجب الانتباه للتالي: يمكن أن يُصبح الطفل عدواني أو منعزل ولا يشارك في أي أنشطة معتادة. يعاني الطفل من صعوبات أثناء النوم، ويمكن أن يتعرض لكوابيس، أو يتبول أثناء النوم. يخاف الطفل من أشخاص معينين أو يتجنب قضاء أي وقت بمفرده معهم (احتمال كبير يكون هذا الشخص هو المتحرش). يبدأ الطفل في إظهار سلوكيات غير لائقة، فيمكن أن يتصرف بطريقة تحمل بعض الإيحاءات الجنسية أو يستخدم مصطلحات جنسية صريحة (من المحتمل معرفته لهذه المصطلحات من المتحرش). قد يواجه الطفل مشاكل في المدرسة، فيبدأ في مواجهة صعوبة في التركيز أو التعلم، وقد تلاحظوا انخفاض في درجاته، مقارنة بوقت سابق. يمكن أن يعطي طفلك إذا كان يتعرض للتحرش بعض الدلائل بشكل غير مباشر، ولكن تذكروا أنه في معظم الحالات لن يخبرك الطفل بشكل مباشر أنه تعرض للتحرش. 

 _  ماذا أفعل لأحمي أولادي من التحرش الجنسي؟ كما ذكرنا سابقاً، يمكن أن يحدث التحرش الجنسي لأطفال في أعمار مختلفة، وطريقة التخاطب والتعامل قد تختلف باختلاف العمر، لذلك من المهم مراقبة ومتابعة الأطفال من عمر مبكر، كما يمكنكم عمل التالي لحمايتهم من التعرض لمثل هذا الأذى  تعليم الطفل أكثر عن جسده يجب الحرص منذ سن صغير على تعليم الطفل أسماء أعضاء جسده، وتعليمه أسماء ما يُعرف بالأماكن الحساسة مثل القضيب والمهبل، وضرورة التأكيد أن هذه المناطق لا يجب أن يلمسها أي أحد غير الأب والأم، ويجب عدم لمس هذه المناطق أمام أي أحد. كما يجب إخبار الطفل أنه في حالة قام أحد بكسر هذه القواعد يجب علىه أن يرفض بقوة، ويطلب من الشخص التوقف، أو يصرخ ويحاول الهرب. ويؤكد خبراء التربية أن مناقشة هذه المواضيع مع الأطفال بشكل معتاد، يعمل على تقوية الرابط بين الأبناء والآباء، ويجعل من السهل على الطفل التحدث مع الأم أو الأب في حالة حدوث أي شئ يمكن أن يتم تصنيفه كتحرش، فعند عودة الطفل من المدرسة يمكنك سؤاله عن ما حدث له أثناء اليوم، وهل حدث أمر غير طبيعي أو تصرف معه أي أحد بشكل غير مقبول، فسماع هذه المحادثة بشكل معتاد سيجعل الطفل أكثر قابلية للمشاركة. كونوا جزءاً من حياة أطفالكم الاهتمام والمشاركة في حياة الطفل يمكن أن يساعدكم في ملاحظة أي علامات قد تدل على حدوث أي تحرش أو أذى، ويمكنكم أن تكونوا جزء من حياتهم بالطرق التالية: اهتموا أكثر بحياتهم اليومية، ماذا فعلوا أثناء اليوم؟ مع من لعبوا؟ ماذا فعلوا بعد المدرسة؟ وهكذا .. تعرفوا على الأشخاص الموجودين بحياتهم، فاعرفوا مع من يقضون أوقاتهم، سواء كانوا أطفال صغار أو بالغين. واسألوهم عن أصدقائهم وحتى عن آباء أصدقائهم وعن المدربين والمدرسين وجميع الأشخاص الذين قد يتعاملون معهم أثناء يومهم. وضع قواعد متعلقة باستخدام الإنترنت أصبح الإنترنت جزء أساسي من حياة الجميع، الصغار والكبار، ونظراً لعدم وجود رقابة كافية، قد يشكل مصدر خطر وتهديد وحتى قد يكون مصدر لحدوث التحرش، لذلك يجب وضع بعض القواعد مثل: تحديد المواقع التي يمكن للطفل مشاهدتها ومراجعتها قبل تصفحها. منع أو حظر إمكانية الدخول للمواقع الإباحية أو التي تعرض أي محتوى جنسي. طلب الإذن قبل تحميل أي برامج أو ألعاب. إذا كان الطفل في عمر يسمح له بالدردشة الإلكترونية، فيجب تشجعيه على إخبار والديه في حالة تلقيه لأي رسائل غريبة. بعد أن تأكدت من حدوث تحرش لطفلي .. ماذا أفعل؟ نظراً لأن التحرش من المواضيع الحساسة والصعبة لكلاً من الأبناء والآباء، قد يتصرف البعض بطريقة غير ملائمة عند التأكد من وجود تحرش، وقد يكون لهذا أثر نفسي على الطفل، لذلك في حالة التأكد من وجود تجرش، يجب اتباع التالي: حافظوا على هدوئكم عند الاستماع للطفل، وحاولوا عدم إبداء أي رد فعل عكسي كالصراخ أو لومهم، فالأطفال في هذا الموقف يحتاجون للاطمئنان. أخبروهم أنكم تصدقون ما يقولون، وإذا شعرتم ببعض الشك تأكدوا من طرح المزيد من الأسئلة، ولكن بهدوء، واحرصوا على شكر الطفل لأنه تشجع وأخبركم. محاولة استعادة شعور الطفل بالأمان مرة أخرى، فالتعرض للتحرش يمكن أن يجعل الطفل خائف ولا يثق بأي أحد من المحيطين به، ويمكن عمل هذا من خلال إخبار الطفل أن الشخص المسئ قد أخطأ وسوف يتم عمل اللازم حتى لا يؤذيه أو يؤذي أي أحد مرة أخرى. يجب عدم لوم الطفل على الإطلاق عند معرفة حدوث التحرش، فلا تلوم الطفل لأنه لم يستطع إيقاف التحرش ولا تلومه لأنه لم يخبرك مبكراً عن الأمر، وتذكر أن المسئولية تقع كاملة على الشخص البالغ وليس الطفل. ماذا سيحدث إذا اخترتم الصمت؟ تعرض الطفل للتحرش الجنسي يمكن أن يتسبب في حدوث أذى جسدي ونفسي للطفل الآن وفي المستقبل، فيمكن أن يتعرض الأطفال لـ الأمراض المنقولة جنسياً والإصابات الجسدية، كما يكونون عرضة للإصابة بالاكتئاب والقلق واضطرابات الأكل أو ما يُعرف بـ اضطراب ما بعد الصدمة. ويكونون أيضاً عرضة لإيذاء انفسهم أو الاشتراك في أنشطة غير قانونية أو قد تجعلهم الصدمة يعرفون طريق المخدرات وشرب الكحوليات، أو يختارون إنهاء حياتهم (الانتحار) في سن المراهقة إذا لم يستطيعوا التعامل مع تلك الصدمة. والآن وبعد معرفة كل هذا هل حقاً ستختارون الصمت عن هذه الجريمة؟! رسالة أخيرة لمن يهمه الأمر التحرش الجنسي بالأطفال جريمة خطيرة تؤثر على حاضر ومستقبل من يتعرض لها، وإذا أردت حقاً حماية مستقبل طفلك يجب عليك الاستعانة بطبيب نفسي مختص، ولا تهتم لما قد يقوله الأشخاص المحيطين بك، فطلب المساعدة المحترفة ليس أمراً يدعو للحرج. وتذكروا أعزائنا أن هذا العالم قاسي بما يكفي وملئ بالصعاب، وتربية أبناء واعيين قادرين على مواجهة أي ظرف يجب أن يكون أهم أولوياتكم، لذا تحدثوا مع أبنائكم، تحدثوا حتى تختفي الحواجز ولا يبقى غير الثقة والأمان.