2021/01/20

بقلم مدير الشبكة العربية في مصر الدكتور أيهاب الديب : ( القناعة كنز لا يفني )




***********************************************

 _ الموضوع صعب ومؤذي والكارثة إنه ساعات كتير بيكون غير إرادي.. قاعد بتقلب في الفيس بوك عندك، لقيت واحد صاحبك جايب عربية جديدة، تلقائي كدة بتفكر “ليه متكونش عربيتي زي دي؟!”.. أو قاعدة بتتكلمي مع صاحباتك على رانيا صاحبتكوا اللي نازلة من الكويت الشهر اللي جاي وعرفتي إنها هتتجوز، فتلقائي بتفكري “ليه مبقاش أنا برضه كدة؟!” المحتوى نظرية المقارنة الاجتماعية سنة 1954 عالم النفس Leon Festinger أسس نظرية المقارنة الاجتماعية Social comparison theory، واللي بتتكلم ببساطة عن إن الدافع الداخلي جوا كل إنسان إنه يقارن نفسه بأي حد حواليه، ده دافع صحي ومفيد وكمان مهم! عشان الإنسان يطور من نفسه وميبقاش متأخر عن أقرانه في المجتمع، بس المشكلة كلها بتحصل لما يتحول من مجرد وسيلة لتطوير الذات ومحاولة التواصل المجتمعي لحالة من الهوس بالمقارنة غير الواعية بالغير  فالموضوع بيبدأ من صغرنا، بنتعلم من خلال رؤية سلوكيات اللي حوالينا.. لغاية ما يتغرس في عقولنا إن “الآخر” مرجع مهم لسلوكياتنا، بس المشكلة إننا ساعات بنحط الـ”الآخر” ده كمرجع مطلق غير قابل للمراجعة الذاتية.. فيبقي جوانا نار المقارنة! عايزين نبقى زي غيرنا، والسبب إن دي طريقة فعالة عشان نحس إننا صح، وإننا في أمان!.. فالعقل غير الناضج بيصور لنا إننا أقل أو متأخرين عن أقراننا لو ماكناش زيهم، “يعني إيه فلان أغنى منك؟ يعني إيه فلانة شكلها أحلى في الصور؟!”.. فندخل في دوامة مزعجة من الشعور الدفين بعدم الثقة بالنفس. فيه جملة بتقول: “You are not behind in life. Your journey is just different” بمعنى: “إنك مش متأخر في الحياة، لكن رحلتك مختلفة” فالقصة كلها، إن في زمن السوشيال ميديا وكله شايف كله بشكل مبالغ فيه، موضوع المقارنات بقى بشكل فج وسخيف! وخصوصا إنه محدش عايز يظهر حقيقة المظهر الإنساني غير الكامل، إنما كله بيصدر الحياة المثالية اللي مفيهاش غلطة! فأحلى صور هي اللي تتحط، وأحلى كلام هو اللي يتقال، وأحلى تفاصيل هي اللي تتذكر.. لحظات الضعف والفشل دي مش للعلن. 

 _ في النهاية المشكلة كلها أصلها الإنسان نفسه، طول ما هو مش قادر يحس بقيمته من جواه، طول ما هيفضل يدور على قيم ناس تانية ويحاول يمشيها على نفسه.. وطول ما هو مش قادر يدرك مواطن قوته ولحظات سعادته الحقيقية، طول ما هيكون بيسرق من اللي حواليه حياتهم الوردية المتصدرة على السوشيال ميديا ويتعمد يضغط على ذاته وكيانه إنه يطبقها بشكلها الخيالي.. بغض النظر عن ظروفه الشخصية أو رؤيته المميزة، إنما زي الطفل الصغير عايز نفس اللعبة اللي في إيد صاحبه.. من غير ما يفكر في احتياجه الفعلي، فهو عايز اللعبة، بأي ثمن.. وأي طريقة..

بس المشكلة إن اختيارات حياتنا مش لعبة.. وإحنا مش عيال صغيرة. 

وقال بعض الحكماء: إنَّ من قنع كان غنيًّا وإن كان مقترًا ومن لم يقنع كان فقيرًا، وإن كان مكثرًا.

وقال أبو حاتم : (القناعة تكون بالقلب؛ فمن غني قلبه غنيت يداه، ومن افتقر قلبه لم ينفعه غناه، ومن قنع لم يتسخط وعاش آمنا مطمئنًا، ومن لم يقنع لم يكن له في الفوائت نهاية لرغبته، والجَدُّ والحرمان كأنهما يصطرعان بين العباد).

قصة وعبرة عن القناعة .

_ قصة معبرة 

 .. كان هناك غرفة صغيرة فوق سطح أحد المنازل ، عاشت فيها أرملة فقيرة مع طفلها الصغير حياة متواضعة في ظروف صعبة،


إلا أن هذه الأسرة الصغيرة كانت تتميز بنعمة الرضا و تملك القناعة التي هي كنز لا يفنى، لكن أكثر ما كان يزعج الأم هو سقوط الأمطار في فصل الشتاء.


فالحجرة عبارة عن أربعة جدران ، و بها باب خشبي، غير أنه ليس لها سقف،

و كان قد مر على الطفل أربعة سنوات منذ ولادته لم تتعرض المدينة خلالها إلا لزخات قليلة و ضعيفة،


إلا أنه ذات يوم تجمعت الغيوم و امتلأت سماء المدينة بالسحب الداكنة، و مع ساعات الليل الأولى هطل المطر بغزارة على المدينة كلها ، فاحتمى الجميع في منازلهم ، أما الأرملة والطفل فكان عليهم مواجهة موقف عصيب.


نظر الطفل إلى أمه نظرة حائرة و اندسّ في أحضانها، لكن جسد الأم مع ثيابها كان غارقًا في البلل، أسرعت الأم إلى باب الغرفة فخلعته ووضعته مائلاً على أحد الجدران، و خبأت طفلها خلف الباب لتحجب عنه سيل المطر المنهمر.


فنظر الطفل إلى أمه في سعادة بريئة و قد علت على وجهه ابتسامة الرضا،

وقال لأمه: ماذا يا ترى يفعل الناس الفقراء الذين ليس عندهم باب حين يسقط عليهم المطر


لقد أحس الصغير في هذه اللحظة أنه ينتمي إلى طبقة الأثرياء، ففي بيتهم باب ! ما أجمل الرضا، إنه مصدر السعادة و هدوء البال، و وقاية من أمراض المرارة و التمرد و الحقد .