2023/05/06

جرح من الماضي القاصة هدى حجاجي احمد

 



جلست على الأريكة بعدما فرغت من إعداد الغداء و تناوله بمفردها ، نظرت الى هاتفها أملا في رؤية رسالة منه يخبرها انه سيأتي لكنها لم تجد ، عمار لم يحادثها او يقابلها منذ اسبوع آخر مرة رأته فيها عندما كانت نائمة بحضنه و اتصلت به إبنة عمه تلك ليذهب ركضا دون حتى النظر إليها !!


تأففت مريم في سخط و أخذت تتطلع الى الصالة التي تجلس بها ، ذلك الشباك الزجاجي الضخم وإطاره باللون البني ، شاشة كبيرة الحجم تتوسط الحائط تقابل أريكتان من اللون الأسود بينهما طاولة زجاجية ، أما السقف فكان مُزخرفا ببراعة وأنوار بيضاوية الشكل محفورة في السقف باللون الأزرق كالمجرة تعطيه مظهراً ساحرا ، وقفت متجهة الى غرفتها و دخلت تتأملها بسكون ، الغرفة كانت واسعة جدرانها مصبوغة باللون الأبيض و النبيذي يتوسطها فراش وثير تعلوه أغطية رمادية ناعمة بينما مسنده من اللون السُكري ، مُلحق بها حمام لا يقل رُقيا عن بقية الشقة ، و شرفة واسعة بها أرجوحة مزينة و شباك كبير ...


ولجت إلى الشرفة مزيحة الستائر ثم أسندت كفيها على مسندها و هي تطالع المنظر أمامها ، الشقة كبيرة و جميلة تليق بهذا الحي الراقي الذي تقيم فيه ، واسعة و أحلى ما فيها تلك المكتبة التي خصصها لها عمار عند معرفته بحبها للكتب ، تذكرت أول مرة جلبها عمار بعد زواجهما ، انبهرت بالمكان ورغم إستيائها من طريقة الزواج إلا أنها كانت متأملة في حياة سعيدة حتى صدمها بكلامه عندما أخبرها بأنهما تزوجا حقا لكن لا يجب توقع أي شيء منه ، منذ اليوم الأول وضع شروطه الصارمة و أجبرها على الإلتزام بها كي لا تستاء منه لاحقا إن غضب عليها...


سافرت بذاكرتها الى ما قبل سنتين وبضعة أشهر ، عندما رأته في حفلة تخرجها ولاحظت مراقبته لها فإرتبكت و غادرت القاعة لكن ملامحه لم تغب عن بالها ، عيناه الزتونيتين أسرتاها و لحيته و رشاقة جسده جذبت أنظارها إليه ، حتى بدلته الرسمية و إعتداله في وقفته و ثقته الزائدة بنفسه ، صوته الرخيم ذاك بقي معلقا في أذنيها و لوهلة حلمت به و تمنت لو تراه ثانية فلقد كان من الواضح أنه مهتم بها فعمار لم يزح عينيه عنها ذلك اليوم رغم إصطناعها بأنها لا تنتبه له .... نعم لقد رأته منذ أول دخوله للقاعة و ظلت تراقبه بطرف عينيها تتابع نظراته المصوبة نحوها حتى رفعت رأسها و غادرت بعد عجزها عن السيطرة على نبضات قلبها المتسارعة.


لكن عند حضور عمها و إخبارها بضرورة العودة الى القرية تحطمت آمالها و انكسرت احلامها بالعمل في القاهرة و غادرت معه بروح فارغة تتحمل مضايقات إبن عمها و تحرشاته إلى أن رأته يوما وهو يدخل من باب بيتها يطلب يدها .... رجل الأعمال الثري الراقي يريد الزواج بفتاة ريفية شرط أن يكون سريا !!


ورغم تعلقها بذكراه إلا أنها رفضت لكن في ذات الليلة جاءها ابن عمها و حاول التقرب منها وهو يردد بثقة أنها رفضت الزواج لأنها واقعة في حبه ، حينها قررت مريم مغادرة المنزل ولا يهم ان كانت ستعيش مع عمار علاقة سرية لا يهمها ذلك المبلغ الضخم الذي دفعه ليستطيع عمها إقناعها و فجأة وجدت نفسها توقع على عقد الزواج ..... من صاحب العيون الزيتونية !


عمار البحيري ، الرجل الصامت الذي دخل حياتها دون سابق إنذار و جعلها تقع في عشقه ، لا تعلم لحد الآن كيف أحبته ، إنه غريب الأطوار و غامض يأتي ليأخذ منها حقوقه كزوج ثم يجلس في الشرفة يدخن و بعدها يغادر بهدوء ... مثل حضوره !


لم تراه يتخلى عن بروده إلا في لحظاتهما الخاصة ، حين يشعرها وهي بين ذراعيه بأنها تحلق في السماء من شدة السعادة و المتعة و للحظات تعتقد أنه يحبها لكن حين إنتهائه منها يضع رأسها على صدره و يغمض عيناه بجفاء يجعلها تعود لأرض الواقع.

و في بعض الأحيان عندما يكون مزاجه عاليا يجلس معها داخل غرفة مكتبتها الصغيرة و يطلب منها القراءة بصوت عال و يظل يستمع إليها ، أو يجلس معها في الشرفة يراقبها وهي تشكل تحفة من الطين ثم يشعل سيجارة متبغ وهو نصت لأغانيها الغجرية.


لكن رغم هذا فهي تحبه ، إنه يحترم حضورها على الأقل ، يشعرها بجمالها رغم عدم النطق به ، لم يتطاول على شخصها يوما أو يرفع يده عليها بالعكس يعاملها بتريث الا في غرفة النوم حين تشعر أنها مع رجل آخر ، رجل شغوف عنيف بإمكانه اللعب بأوتار المرأة بين ذراعيه و قلب أحاسيسها رأسا على عقب !!


أخرجها من شرودها رنين الهاتف فإنتفضت تركض الى الصالة بلهفة لكن خابت آمالها .